بازگشت

اجوبته


تميزت ظروف الامام أبي جعفر عليه السلام بمميزات كثيرة، أهمها: صغر سنه، فقد قام بالامامة و هو ابن ثمان سنين، فكان موضوع عمره الشريف مجالا للتساؤل و مدعاة للاختبار، حتي سئل في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة [1] .



[ صفحه 184]



كما أن منزلته عند المأمون، و حفاوته به، جعلت العباسيين يغرون يحيي بن أكثم - قاضي القضاة- علي أن يسأله بمسائل صعبة 7 لعله يعجز عن الاجابة عنها فيهبط في عين المأمون.

و قد أوقفناك في الفصل السابق - مناظراته - علي بعض تلك الأسئلة، و نقدم الآن مجموعة أخري، و هي ان دلت علي شي ء فانما تدل علي امامته عليه السلام، و أنه الوارث لآبائه عليهم السلام علما و فهما، و أن لا دخل لصغر السن في المواهب الالهية، فقد اختار سبحانه و تعالي عيسي عليه السلام للنبوة و هو في دور الطفولة (فأتت به قومها تحمله قالوا



[ صفحه 185]



يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال اني عبدالله ءاتاني الكتاب و جعلني نبيا) [مريم: 30 -72]و أعطي سبحانه يحيي بن زكريا الحكم صبيا (و ءاتينه الحكم صبيا) [مريم: 12].

نسجل بعض ما ورد من أجوبته عليه السلام:

1- لما مضي الرضا عليه السلام، جاء محمد بن جمهور القمي، والحسن بن راشد، و علي بن مدرك، و علي بن مهزيار، و خلق كثير من سائر البلدان الي المدينة، و سألوا عن الخلف بعد الرضا، فقالوا: بصريا؛ و هي قرية أسسها موسي بن جعفر عليه السلام علي ثلاثة أميال من المدينة -.

قالوا: فجئنا و دخلنا القصر، فاذا الناس فيه متكابسون، فجلسنا معهم، اذ خرج علينا عبدالله بن موسي و هو شيخ، فقال الناس: هذا صاحبنا. فقال الفقهاء: قد روينا عن أبي جعفر و أبي عبدالله عليه السلام أنه لا تجتمع الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين، فليس هذا صاحبنا.

فجاء حتي جلس في صدر المجلس، فقال رجل: ما تقول أعزك الله في رجل أتي حمارة؟

فقال: تقطع يده، و يضرب الحد، و ينفي من الأرض.

ثم قام اليه آخر فقال: ما تقول أجلك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟

فقال: بانت منه بصدر الجوزاء، والنسر الطائر، و النسر الواقع.

فتحيرنا في جرأته علي الخطأ، اذ خرج علينا أبوجعفر، و هو ابن ثمان سنين، فقمنا اليه، فسلم علي الناس و قام عبدالله بن موسي من مجلسه فجلس بين يديه، و جلس أبوجعفر في صدر المجلس، ثم قال: سلوا رحمكم الله.

فقام اليه الرجل الأول و قال: ما تقول أصلحك الله في رجل أتي حمارة؟

قال: يضرب دون الحد، و يغرم ثمنها، و يحرم ظهرها و نتاجها، و تخرج الي



[ صفحه 186]



البرية حتي تأتي منيتها عليها، سبع أكلها، ذئب أكلها.

ثم قال عليه السلام في رد جواب عبدالله بن موسي: يا هذا ذاك الرجل ينبش عن ميتة، فيسرق كفنها، و يفجر بها، يوجب عليه القطع بالسرقة، و الحد بالزنا، و النفي ان كان عزبا، فلو كان محصنا لوجب عليه القتل و الرجم.

فقال الرجل الثاني: يا ابن رسول الله ما تقول في رجل طلق زوجته عدد نجوم السماء؟

قال: تقر. القرآن؟

قال: نعم.

قال: اقرأ سورة الطلاق الي قوله (و أقيموا الشهادة لله) يا هذا لا طلاق الا بخمس: شهادة شاهدين عدلين، في طهر من غير جماع، بارادة و عزم.

ثم قال بعد كلام: يا هذا هل تري في القرآن عدد نجوم السماء؟

قال: لا [2] .

2- قال أحمد بن أبي دواد - قاضي القضاة في عهد المعتصم - ان سارقا أقر علي نفسه، و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء، و أحضر محمد بن علي، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب.

فقلت: الكرسوع - و هو طرف الزند الناتي ء مما يلي الخنصر -

فقال: و ما الحجة في ذلك؟

فقلت: لأن اليد هي الأصابع، و الكف الي الكرسوع، يقول الله تعالي في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم) واتفق معي علي ذلك قوم، و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، لأن الله تعالي لما قال: (و أيديكم الي المرافق) دل علي أن حد اليد هو المرفق.

فالتفت الي محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أباجعفر.



[ صفحه 187]



فقال: قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين.

قال: دعني مما تكلموا به، أي شي ء عندك؟

قال: اعفني من هذا.

قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.

فقال: أما اذا أقسمت علي بالله، فاني أقول انهم أخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون عن مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف.

قال: و ما الحجة في ذلك؟

قال: قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «السجود علي سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين» فاذا قطعت يده من الكرسوع، أو المرفق، لم يبق له يد يسجد عليها. و قال الله تعالي: (و أن المساجد لله) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، و ما كان الله لم يقطع.

فأعجب المعتصم بذلك، و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف [3] .

3- قال عبدالعظيم الحسني رضي الله عنه: قلت لمحمد بن علي بن موسي عليهم السلام: يا مولاي اني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم، الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما ملئت ظلما و جورا.

فقال عليه السلام: ما منا الا قائم بأمر الله، و هاد الي دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من الكفر و الجحود، و يملأ الأرض قسطا و عدلا، هو الذي يخفي علي الناس ولادته، و يغيب عنهم شخصه، و يحرم عليهم تسميته، و هو سمي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كنيه، و هو الذي تطوي له الأرض، و يذل له كل صعب، يجتمع اليه من أصحابه عدة أهل بدر، ثلثمائة و ثلاثة عشر رجلا، من أقاصي الأرض، و ذلك قول الله: (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ان الله علي كل شي ء قدير) فاذا اجتمعت له



[ صفحه 188]



هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فاذا كمل له العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج باذن الله، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي عزوجل... [4] .

4- قال عمر بن فرج الرخجي: قلت لأبي جعفر: ان شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة و وزنه، و كنا علي شاطي ء دجلة.

فقال عليه السلام لي: يقدر الله تعالي أن يفوض علم ذلك الي بعوضة من خلقه أم لا؟

قلت: نعم.

فقال عليه السلام: أنا أكرم علي الله من بعوضة و من أكثر خلقه [5] .

5- قال جعفر بن محمد بن مزيد: كنت ببغداد فقال لي محمد بن مندة: هل لك أن أدخلك علي محمد بن علي الرضا رضي الله عنه؟

فقلت: نعم.

فأدخلني عليه، فسلمنا و جلسنا.

فقال له: حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم «ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار».

قال: خاص للحسن و الحسين رضي الله عنهما [6] .

6- قال أحمد بن الفضل الخاقاني: قطع الطريق بجلولا علي السابلة من الحجاج و غيرهم، و أفلت القطاع، و طلبهم العام حتي ظفر به، ثم كتب بذلك الي المعتصم فجمع الفقهاء و ابن أبي دواد، ثم سأل الآخرين عن الحكم فيهم، و أبوجعفر بن علي الرضا حاضر.

فقالوا: قد سبق حكم الله فيهم في قوله: (انما جزاؤا الذين يحاربون الله و رسوله



[ صفحه 189]



و يسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض) و لأميرالمؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء.

فالتفت الي أبي جعفر و قال: أخبرني بما عندك؟

قال: انهم قد أضلوا فيما أفتوا به، والذي يجب في ذلك: أن ينظر أميرالمؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق، فان كانوا أخافوا السبيل فقط و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا مالا، أمر بايداعهم الحبس، فان ذلك معني نفيهم من الأرض باخافتهم السبيل، و ان كانوا أخافوا السبيل و قتلوا النفس، أمر بقتلهم، و ان كانوا أخافوا السبيل، و قتلوا النفس، و أخذوا المال، أمر بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، و صلبهم بعد ذلك.

فكتب الي العامل بأن يمتثل ذلك فيهم [7] .

7- قال أبوخداش المهدي سألته: أم ولد لي أرضعت جارية بالغة بلبن ابني أيحرم علي نكاحها؟

فقال: لارضاع بعد فطام.

قلت: الصلاة في الحرمين؟

قال: ان شئت أتمم، و ان شئت قصر، و كان أبي عليه السلام يتم.

ثم قلت: الخصي يدخل علي النساء؟

فحول وجهه، ثم استدناني و قال: و ما نقص منه الا الخناثة الواقعد عليه [8] .

8- سأله أبوهاشم الجعفري: ما معني الواحد؟

فقال عليه السلام: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عزوجل: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله) [9] .



[ صفحه 190]



9- سأله أبوهاشم الجعفري عن قوله تعالي: (لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار).

فقال عليه السلام: يا أباهاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، فأنت قد تدرك بوهمك السند و الهند، و البلدان التي لم تدخلها و لا تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟! [10] .



[ صفحه 191]




پاورقي

[1] أصول الكافي 496 / 1. المناقب 430 / 2. اثبات الهداة 175 / 6. بحارالأنوار 120 / 12. الدمعة الساكبة 113 / 3. جلاء العيون 106 / 3. صحيفة الابرار 300 / 2. الأنوار البهية 130. المجالس السنية 423 / 5. وفاة الامام الجواد 58.

و قد يستغرب القاري ء هذا مع أنه تواتر به النقل، و رواه العلماء في كتبهم، و اذا كان نصيرالدين الطوسي - جاء في روضات الجنات ص 510 - يجيب تلميذه - نجم الدين علي بن عمر - صاحب متن الشمسية و كتابي حكمة العين و جامع الدقائق و غيرها - و هو في معركة القتال، واضعا احدي رجليه علي الركاب و الاخري علي الأرض عن أربعمائة مسألة من المعضلات و المشكلات الكلامية فأجاب عنها جميعا.

فليس هذا بكثير علي الامام أبي جعفر عليه السلام و هو الوارث لآبائه عليهم السلام علما و فهما.

و يمكن أن يقال في تعليل ذلك: و هو تشقق بعض هذه المسائل و تفرعها، حتي عدت المسألة الوحدة بعدة مسائل. فلو نظرنا الي مناظرته عليه السلام مع يحيي بن أكثم، لوجدناها تفرعت عن مسائل كثيرة، فقد شقق مسألة المحرم اذ قتل صيدا الي فروع كثيرة، كما فعل عليه السلام بالمسألة الثانية، فيمكن أن تكون المسائل التي سئل عنها عليه السلام من هذا القبيل، كما يمكن أن تكون اجابته عليه السلام عن بعض المسائل ب (نعم) أو (لا).

و قال الشيخ المجلسي عليه الرحمة في بحارالأنوار 122 / 12 و يمكن الجواب بوجوه:

الأول: ان الكلام محمول علي المبالغة في كثرة الاسئلة والاجوبة، فان عد مثل ذلك مستبعد جدا.

الثاني: يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة، فلما أجاب عن واحد فقد أجاب عن الجميع.

الثالث: أن يكون اشارة الي كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة، المشتملة علي الاحكام الكثيرة، و هذا وجه قريب.

الرابع: أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية، أو مكان واحد كمني، و ان كان في أيام متعددة.

و قال محمدتقي حججة الاسلام في كتابه صحيفة الابرار 300 / 2:

ان من الاسئلة ما لا يبلغ مع جوابه نصف بيت، بل و عشرين حرفا، كان يسأل ما قاف؟

فيقول: جبل محيط بالدنيا.

و يسأل: ما صاد؟

فيقول: عين تحت العرش.

و يسأل: ما الاسم؟

يقول: صفة الموصوف.

و يسأل: هل يجوز المسح علي الخفين؟

فيقول: لا.

و يسأل: كم التكبير علي الميت؟

فيقول: خمس.

و يسأل: هل تجب السورة في الصلاة؟

فيقول: نعم.

و هكذا، و علي هذا فيمكن أن لا يزيد السؤال مع الجواب علي ختم واحد للقرآن، و قد جرب أن جزءا واحدا منه اذا قرأ بالتأني لايزيد علي عشرين دقيقة، فيمكن ختم القرآن في عشر ساعات.

[2] بحارالأنوار 119 / 12.

[3] أعيان الشيعة 4 ق 3 / 350.

[4] الاحتجاج 2 / 250.

[5] بحارالأنوار 12 / 124.

[6] الأئمة الاثنا عشر لابن طولون 104.

[7] وسائل الشيعة 18 / 536.

[8] اثبات الوصية 182.

[9] التوحيد 83.

[10] التوحيد 113.