بازگشت

قصة زواج الامام الجواد من ابنة المأمون كما يرويها المؤرخون


لقد جاء في الارشاد و غيره ان المأمون لما اراد ان يزوج ابنته للامام ابي جعفر محمد بن علي الرضا و بلغ ذلك العباسيين ثقل عليهم واستكبروه، و خافوا ان ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع ابيه الرضا، فاجتمع الي المأمون جماعة منهم و قالوا: ننشدك الله يا اميرالمؤمنين ان تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف ان تخرج عنا امرا قد ملكناه و تنزع عنا عزا قد البسناه، فقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم آل علي قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك معهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله ان تردنا الي غم انحسر عنا، فاصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لها دون غيرهم، فقال لهم المأمون: اما ما كان بينكم و بين آل ابي طالب فأنتم السبب فيه ولو انصفتم القوم لكانوا اولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم و أعوذ بالله من ذلك، و والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و لقد سألته ان يقوم بالأمر و أنزعه عن نفسي فأبي و كان امرالله قدرا مقدورا. و أما أبوجعفر محمد بن



[ صفحه 432]



علي فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم مع صغر سنه، والاعجوبة فيه ذلك و أنا أرجو ان يظهر للناس ما قد عرفته منه ليعلموا ان الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: يا اميرالمؤمنين اتزوج ابنتك و قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله و لم يعرف حلاله من حرامه و لا فرضه من سننه، ان هذا الفتي و ان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فامهله ليتأدب و يقرأ القرآن و يتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: و يحكم اني اعرف بهذا الفتي منكم، و انه لأفقه منكم و أعلم بالله و رسوله و سنته و أحكامه و أقرأ لكتاب الله منكم و أعلم بمحكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه و ظاهره و باطنه و خاصه و عامه و تنزيله و تأويله، و ان شئتم فامتحنوه فان كان كما وصفتم قبلت منكم، فقالوا: لقد رضينا لك و لأنفسنا بامتحانه فخل بيننا و بينه لنعين من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان اصاب الجواب لم يكن لنا اعتراض، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا امره، ثم اجتمع رأيهم علي يحيي بن أكثم و هو يوم ذاك قاضي القضاة علي ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها و وعدوه بأموال نفيسة ان هو استطاع ذلك، و عادوا الي المأمون يسألونه ان يعين يوما لهذه الغاية. و في اليوم الذي عينه المأمون حضر الامام و قاضي القضاة و المأمون و جلس الناس علي مراتبهم، واستأذنه يحيي بن اكثم في السؤال فأذن له، فقال: اصلحك الله يا اباجعفر ما تقول في محرم قتل صيدا، فقال الامام (ع) و هو ابن سبع سنين و أشهر كما يدعي ابن الجوزي في تذكرته عن المصادر الشيعية: قتله في حل او حرم عالما ام جاهلا، قتله عمدا او خطأ، حرا كان ام عبدا صغيرا كان او كبيرا، مبتدئا بالقتل ام معيدا من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها، من صغار الصيد كان ام من كباره، مصرا علي ما فعل او نادما، في الليل كان قتله للصيد في اوكاره ام نهارا و عيانا، محرما كان للعمرة او للحج؟



[ صفحه 433]



فتحير يحيي بن اكثم وانقطع انقطاعا لم يخف علي احد من اهل المجلس و بان في وجهه العجز و الانقطاع و تلجلج حتي عرف الناس منه ذلك، فاستبشر المأمون كما يدعي الرواة و حمدالله علي هذه النعمة و طلب منه ان يذكر الحلول لكل تلك الفروض، و بعد ان اجاب عنها بكاملها اسودت وجوه العباسيين، ثم خطب الامام خطبة النكاح و تم الزواج علي مثل مهر الزهراء (ع)، و يمضي الريان بن شبيب فيصف حفلة الزواج و ما انفقه فيها المأمون، فيقول: و لم نلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم علي عجلة مملوءة من الغالية، فأمر المأمون ان يخضب لحا الخاصة من تلك الغالية و طيب العامة منها، ثم وضعت الموائد فأكل الناس و خرجت الجوائز الي كل قوم علي اقدارهم.

و أضاف الرواة لذلك ان المأمون طلب من الامام ابي جعفر ان يسأل يحيي بن اكثم كما سأله فأجابه الامام لذلك و قال ليحيي: اخبرني عن رجل نظر الي امرأة في اول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت عشاء الآخرة حلت له، فلما انتصف الليل حرمت عليه، و بطلوع الفجر حلت، فما حال هذه المرأة و بما حلت له و حرمت عليه؟ فقال يحيي بن اكثم: والله لا اهتدي لجوابك و لا اعرف الوجه في ذلك فان رأيت ان تفيدنا، فقال ابوجعفر: هذه امة لرجل من الناس نظر اليها اجنبي في اول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عندالظهر اعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، )فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له(، فلما كان نصف الليل طلقها



[ صفحه 434]



واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.

فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم احد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب او يعرف القول فيما تقدم من السؤال، فقالوا: لا والله ان اميرالمؤمنين اعلم بما رأي، ثم قال لهم كما يدعي الراوي: و يحكم ان اهل هذا البيت خصوا من بين الخلق بما ترون من الفضل و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، اما علمتم ان رسول الله (ص) افتتح دعوته بدعاء اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع) و هو ابن عشر سنين و قبل الاسلام منه و حكم له به و لم يدع احدا في سنه غيره، افلا تعلمون الان ما خص الله به هؤلاء القوم و انهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، فقالوا: صدقت يا اميرالمؤمنين، و تم الزواج بعد هذا الحوار كما يدعي الرواة والله اعلم بواقع الحال.



[ صفحه 435]