بازگشت

الإمام وعصره


[اقتبسنا هذا الفصل من كتاب التاريخ الإسلامي للمؤلف: (ص 343 وص 348 - 355)]

عاصر الإمام محمد بن علي الجواد (ع)، خليفتين عباسيين. والخليفة الذي عاش الإمام في عهده ظروفاً هادئةً، هو المأمون العباسي.

ومعروف أن المأمون قام بالتقرب إلي العلويين وإلي سيدهم الإمام علي بن موسي الرضا (ع)، بسبب الضغط الجماهيري الذي تعرض له النظام العباسي حيث تميز عهده بسلسلة من الثورات والإنتفاضات في كافة أرجاء الدولة الإسلامية.

ويقول بعض المؤرخين: أن المأمون العباسي كان شيعياً، وكان يذهب إلي أحقية أولاد الإمام علي (ع) بالخلافة، وإلي إمامة الإمام علي (ع)، ولكنتا لا نري ذلك في المأمون العباسي لأن ذلك شرف لا يستحقه خليفة غاصب.

يبقي أن نعرف أنه بعد استشهاد الإمام الرضا (ع) علي يد المأمون، أصبح محمد بن علي الجواد (ع) الإمام الشرعي للرساليين، ومعروف أن الإمام الجواد (ع) صاهر المأمون العباسي.

لماذا صاهر الإمام الخليفة؟

ونتساءل لماذا أقدم الإمام الجواد (ع) علي الزواج من بنت المأمون العباسي؟

ولكي نعرف الإجابة عن مثل هذا السؤال لابدّ أن نلقي نظرة علي الحركة الرسالية التي كان الأئمة (ع) يقودونها ويوسعونها، في عصر الإمام الرضا ونجله الإمام الجواد (ع).

في عهد المأمون تحوَّلت الحركة الرسالية إلي حركة تستطيع أن تتداخل مع النظام وتستفيد من مظلته أو حتي تكوّن ما يسمي اليوم بحكومة ائتلافية، مع أي دولة من الدول، والأئمة (ع) كانوا يقبلون بالحماية من قبل الدولة بدون أن يفقدوا رسالتهم.

والأئمة المعصومون (ع) لم يحلوا حركتهم، أي أنهم لم يقبلوا بالخلافة ولم يشتركوا فيها، والدليل علي ذلك موقف الإمام الرضا من ولاية العهد حيث قبلها بشرط عدم التدخل في شؤون النظام.

أما الإمام الجواد (ع) فحينما خطب أبنة المأمون وتزوجها، أصبح صهر الخليفة واستفاد من ذلك لأجل رسالته فماذا يعني أن يصبح شخص صهراً للخليفة؟

إن من يدخل البلاط يمكن أن يصير والياً علي منطقة، أو حاكماً علي بلد، أو قاضي القضاة لا أقل، ولكن الإمام الجواد لم يفعل شيئا من ذلك، بل أخذ بيد زوجته وذهب إلي المدينة وبقي هناك حتي مات المأمون العباسي.

فماذا كسب الإمام (ع) من هذه المصاهرة؟

كسب الإمام الجواد (ع) بهذا العمل أمرين:

أولاً:

منع المأمون من أن يقوم بعملية اغتياله، وذلك بقبوله الزواج من ابنته.

ثانياً:

جعل مخالب السلطة وانيابها في قفص الحركة الرسالية، وذلك أن المأمون ما كان ليجرؤ بعد ذلك علي أن يقوم بالفتك برجالات الحركة ومجموعاتها.

ولقد كان هذا الأسلوب متبعاً في كثير من عصور الأئمة (ع)، وخير شاهد علي ذلك قصة علي بن يقطين بن موسي البغدادي الذي كان بمثابة مستشار للخليفة المهدي العباسي، ثم صار في رتبة الوزير لهارون الرشيد، وعندما حصل علي هذا المنصب وكان اتجاهه رسالياً، جاء إلي الإمام الصادق (ع) وقال: “ يا ابن رسول الله أنا صرت عوناً لهذا الطاغية “ وأراد أن يستقيل، ومعروف أن الذي يحصل علي هذا المركز ذلك اليوم يسيطر علي مرافق أكبر دولة في العالم.

فطلب منه الإمام أن يظل في عمله، ويستمر في أداء مهامه الرسالية ويبقي في بلاط هارون، وعاود الطلب من الإمام بأن يأذن له بترك السلطة إلاّ أن الإمام لم يأذن له، ولقد كانت أعماله كبيرة بالنسبة للحركة، حتي أن الإمام أبا الحسن (ع) قال فيه عندما دخل عليه داود الرقي، في يوم النحر: “ ما عرض في قلبي أحد وأنا علي الموقف إلاّ علي بن يقطين، فإنه ما زال معي وما فارقني حتي أفضت “ [1] .


پاورقي

[1] جامع الرواة / العلامة الأردبيلي: (ج 1، ص 609).