بازگشت

ابوجعفر الامام... الامامة المبكرة...


و لم يلبث الامام الرضا في خراسان حتي تمت المؤامرة... انها مؤامرات اللعب السياسية التي زوالها المأمون... و لم يكن من أمر غير انهاء المرحلة الحرجة من الحياة السياسية للعباسيين... و تنافسات الأطراف المتنازعة تؤجج لظي التسابق السياسي الذي ينتهي بشهادة الرضا مسموما سنة (203) للهجرة في صفر من ذلك العام.

و يصل خبر نعي الامام الرضا عليه السلام الي المدينة، و أبوجعفر يومها في السابعة من



[ صفحه 56]



العمر... كان الموقف مضطربا... فالتجربة الجديدة في تولي الامامة المبكرة أمر لم يألفه الناس، و حتي شيعة الامام فانهم لم يألفوا امامة الصبي و هو في السابعة، فأخذوا يتجاذبون الحديث عن صلاحية الامامة لهذه السن المبكرة... انها محنة التسليم لأمر الله تعالي حين يأتي وليه الحكم و هو صبي... و اذا غابت مسوغات لامامة المبكرة فان القرآن لم يغب عن أذهان الناس حين يذكرهم بالصبيين اللذين آتاهما الله الحكم و الكتاب (يا يحيي خذ الكتاب بقوة و آتيناه الحكم صبيا) [1] و كان يحيي معجزة احتج بها الله علي عباده...

و لم تكن مرحلة يحيي وحدها معجزة، فان في عيسي تتكرر معجزة النبوة المبكرة، و لا تزال التجربة تختبر الناس في تسليمهم لأمره تعالي... كانت نبوة عيسي امتحانا عسيرا لأولئك الذين يتساءلون عن أمر الصبي عيسي كيف يكون نبيا؟ (فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا - قال اني عبدالله آتاني الكتاب و جعلني نبيا - و جعلني مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا - و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا - و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا - ذلك عيسي ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) [2] .

و ذلك محمد بن علي الذي فيه يمترون، بل فيه يضطربون... و فيه يخوضون... و لم يكن الرضا قد غاب عنه ما توجس منه أصحابه في صغر سن ولده الخليفة و الامام القادم... هي تجربتهم الاولي في الامامة المبكرة...



[ صفحه 57]



كان أصحاب الرضا يتساءلون عن أمر ذلك... و كان الخيراني يروي عن أبيه هذا الموقف الذي يبين تصورات شيعة الامام و مواليه، قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي، ان كان كون فالي من؟ قال: «الي أبي جعفر ابني» فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام، فقال: أبوالحسن عليه السلام: «ان الله تبارك و تعالي بعث عيسي بن مريم رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبوجعفر عليه السلام» [3] .

و في رواية صفوان بن يحيي قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنا نسألك قبل أن يهب لك الله أباجعفر؟ فكنت تقول: «يهب الله لي غلاما»، فقد وهبه الله لك، و قر عيوننا به، فلا أرانا الله يومك، فان كان كون فالي من؟ فأشار بيده الي أبي جعفر و هو قائم بين يديه، فقلت له: جعلت فداك، و هذا ابن ثلاث سنين؟ قال: «و ما يضر من ذلك! قد قام عيسي بالحجة و هو ابن أقل من ثلاث سنين» [4] .

و روي الكشي في رجاله باسناده، عن أبي الحسين بن موسي بن جعفر قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام بالمدينة و عنده علي بن جعفر، و أعرابي من أهل المدينة جالس، فقال لي الأعرابي: من هذا الفتي؟ و أشار بيده الي أبي جعفر عليه السلام قلت: هذا وصي رسول الله صلي الله عليه و آله، فقال: يا سبحان الله! رسول الله قد مات منذ مئتي سنة و كذا و كذا سنة، و هذا حدث كيف يكون؟! [5] .

هكذا يضطرب الناس في امامة أبي جعفر السباعي، فهي تجربتهم الجديدة في المعرفة، و التسليم لامامة مبكرة شاء الله أن يجعلها ورائة آبائه المعصومين... و هذا



[ صفحه 58]



علي بن جعفر عم أبيه يمر بتجربة الامامة المبكرة ليتصاغر لأمر الله و يذعن لارادته في أوليائه المكرمين...

كان علي بن جعفر قد ناهز الثمانين عاما، و هم عم أبيه - أي عم الرضا - قد عرف منزلة أبي جعفر، و أدرك أن الامامة ليست بالسن و الشيخوخة و غيرها... انما هو أمر الهي... سر الهي... مكنون من مكنونات الغيب، لا يحل غوامضه الا التسليم لأمره تعالي... و هكذا فعلي علي بن جعفر... فقد أصاب هذا الشيخ في فعله لأبي جعفر و في تسليمه لأمر الله... كان علي بن جعفر نموذجا رائعا من نماذج الطاعة و التسليم لأمر لا يعرف منه الا أنه «أمر الله»...

روي محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر الصادق جالسا بالمدينة، و كنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه - يعني أباالحسن موسي الكاظم عليه السلام - اذ دخل عليه أبوجعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله، فوثب علي بن جعفر رحمه الله بلا حذاء و لا رداء، فقبل يده و عظمه، فقال له أبوجعفر عليه السلام: «يا عم، اجلس رحمك الله»، فقال: يا سيدي، كيف أجلس و أنت قائم؟.

فلما رجع علي بن جعفر الي مجلسه جعل أصحابه يوبخونه و يقولون: أنت عم أبيه و أنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا، اذا كان الله عزوجل - و قبض علي لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة، و أهل هذا الفتي و وضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد [6] .

هكذا كان علي عم أبيه... الشيخ المحدث... الفقيه... شيخ الهاشميين سنا... لازم



[ صفحه 59]



جعفر الامام والده... و موسي الامام أخاه... و علي الامام ابن أخيه... روي عنهم و سمع أحاديثهم... و تفقه بفقههم حتي صار علي الفقيه و المحدث و نقيب العلويين في وقته.. هو اليوم يخضع لامامة ابن اخيه الصبي السباعي... و لا يري شيخ الهاشميين و نقيبهم ضيرا أن يتصاغر للامام أبي جعفر، و أن يعظم مقامه، و يراعي حقه... فقد تربي في كنف ثلاثة أئمة... فعليه اليوم أن يظهر ما تأدب عليه من التسليم و الطاعة و الاتباع لامام وقته... خليفة أبيه.. بل خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله... و كان الناس يوبخون الشيخ علي توقيره لهذا الصبي السباعي.. انهم لا يدركون الا أنه الصبي «محمد».. و علي لا يدرك عن محمد الا أنه الامام... الحجة... خليفة أبيه... بل خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله.


پاورقي

[1] مريم: 12.

[2] مريم: 34 - 29.

[3] اصول الكافي: 1 / 322، ح 13.

[4] الفصول المهمة لابن الصباغ: 261.

[5] رجال الكشي: نقله عنه معجم رجال الخوئي: 2 / 316، ضمن / 7979.

[6] الكافي: 1 / 322، ح 12.