بازگشت

رواة فضائل آخرين


و كان لسفيان بن مصعب العبدي الكوفي موقف في نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام، اذ كان يروي هذه المناقب عن الامام الصادق عليه السلام ليصيغها شعرا، فيقول في بعض مقطوعاته:



آل النبي محمد

أهل الفضائل و المناقب



المرشدون من العمي

و المنقذون من اللوازب



الصادقون الناطقون

السابقون الي الرغائب



الي قوله:



فهم الصراط فمستقيم

فوقه ناج و ناكب



صديقة خلقت لصديق

شريف في المناسب



أسماهما قرنا علي

سطر بظل العرش راتب



[ صفحه 142]



كان الاله وليها

و أمينه جبريل خاطب



و المهر خمس الأرض

موهبة تعالت في المواهب



و نهابها من حمل طوبي

طيبت تلك المناهب [1] .



و للمفجع البصري وصف رائع لعلي بن أبي طالب عليه السلام، و كونه أشبه بالأنبياء في صفاته:



أيها اللائمي لحبي عليا

قم ذميما الي الجحيم خزيا



أبخير الأنام عرضت لازلت

مذودا عن الهدي مزويا؟



أشبه الأنبياء كهلا و زولا

و فطيما و راضعا و غذيا



كان في علمه كآدم اذ علم

شرح الأسماء و المكنيا



و كنوح نجا من الهلك من

سير في الفلك اذ علا الجوديا



و له من أبيه ذي الأيد

اسماعيل شبه ما كان عني خفيا [2] .



الي آخر قصيدته، و الذي يريد به قوله: أن من كان شبيها بالأنبياء فهو الأحق



[ صفحه 143]



بوراثتهم و خلافتهم، و ليس غيره من اولئك المدعين العباسيين.

و أيمن بن خزيم يشير في بعض مقطوعاته بأحقية أهل البيت عليهم السلام بقوله:



نهاركم مكابدة و صوم

و ليلكم صلاة و اقتراء



الي قوله:



أأجعلكم و أقواما سواء

و بينكم و بينهم الهواء



و هم أرض لأرجلكم و أنتم

لأرؤسهم و أعينهم سماء [3] .

و حالة التفضيل هذه بين أهل البيت عليهم السلام و بين غيرهم من أقوام يرون أنهم أحق منهم بالخلافة - و هم بنوالعباس - لون آخر من ألوان المعارضة الأدبية.

خلاصة القول: و الذي نريد قوله: ان الصراع العلوي العباسي لم يقف عند حدود الحركات المسلحة التي تزعمها علويون ثوريون مثل بعضهم رؤية أئمة أهل البيت عليهم السلام، و مثل الآخر توجهاته الخاصة به، الا أنها لم تخرج عن الاعتراض علي ظلم الحاكم و تعسفه، أي أن الصراع أخذ أبعاده الاخري، و هو البعد الثقافي و الفكري، و ارتأي أئمة أهل البيت عليهم السلام أن يأخذوا بتوجهات الادباء و جهودهم الشعرية؛ لتنحي منحي المعارضة الفكرية، و لتعمل علي تطويق خروقات الطرح العباسي الذي أخذ أبعادا خطيرة، و هي التصفية الفكرية التي صاحبت التصفية الجسدية لمعارضيهم من العلويين.

و التغييب الفكري لم يكن بأقل خطورة من التغييب الجسدي الذي مارسه العباسيون، و عمد أهل البيت عليهم السلام الي تطويق المدعيات الفكرية التي خاضها



[ صفحه 144]



العباسيون في ضمن خطابهم السياسي، و عمل الأئمة علي تثبيت الاسس و دعائم المفاهيم الاسلامية، و ترشيد الرؤي المطروحة التي كادت أن تنقض علي ثوابت الامة، عندها لم يستطع الجهد العباسي الا أن يقف عاجزا عن امتداداته في دعاواه بالخلافة و محاولة حجبها عن أهلها، و لم يكن أهل البيت عليهم السلام يسعون في هذا الاتجاه للوصول الي الحكم بقدر ما كانوا يسعون للحفاظ علي المبتنيات و الاسس الاسلامية التي تضمن انسيابية الحقائق التاريخية التي سعي العباسيون الي تغييبها عن ذهن الامة.

ان الجهد الأدبي و الفكري أوفق مع معطيات حركة أهل البيت عليهم السلام السلمية التي سعت الي الحفاظ علي الحقائق دون تحريفها علي يد السلطة العباسية، و تمتين علاقة الامة مع الحدث التاريخي الواقعي غير المحرف، و لا ننكر أن العصر العباسي عمق المنهج الأدبي في تعاطيه مع الأحداث بعد أن كان ديدن شعراء البلاط الاسترزاق علي قصائد مدح الخلفاء، و معلوم أن القصيدة لا تتجاوز مديح هذا الخليفة أو ذاك، و لابد من أن يتعرض الشاعر الي قضية محورية واحدة، و هي استحقاق العباسيين دون غيرهم الخلافة، و لازم ذلك أن غيرهم من معارضيهم - و هم العلويون - غير جديرين بالخلافة؛ مما عزز هذه الرؤية عند العامة، و كادت أن تلغي عن أذهانهم الحقائق التاريخية التي ورثتها ثقافة صراع العلويين طيلة عقود مع مناوئيهم من الحكام الامويين.

من هنا نجد أن عصور الأئمة من الباقر حتي الامام الحجة عليهم السلام قد خلت من قصائد الثناء و التقريض لهم من شعراء الشيعة الذين لازموهم، بل لم نجد - عدا بعض المفردات الشعرية و بعضها في عهد الامام الباقر عليه السلام - قصيدة تثني علي هذا



[ صفحه 145]



الامام أو ذاك، بل توجه الجهد الأدبي و بحضورهم الي الدفاع عن القضية الرئيسية، و هي الامامة و الخلافة الحقة و التصدي للمدعيات العباسية، في حين تقرأ في التراث الأدبي الشعري المتأخر ما ينم عن توجهات أدبية في مدح الأئمة عليهم السلام، و هو ما يجيب عن التساؤل التالي: لم لم يذكر الشعراء المعاصرون لأهل البيت عليه السلام قصائد مدح تخصهم في حين نجد أن الجهد الأدبي منصبا علي تأريخ مقطع واحد، و هو شخصية الامام علي بن أبي طالب عليه السلام و خصائصه و علاقة ذلك باستحقاق الخلافة و وصاية النبي صلي الله عليه و آله و سلم، في حين يندر الجهد الأدبي الشيعي عن مدائح أئمة أهل البيت عليهم السلام بالرغم من اختصاص بعض الشعراء بامام من أئمة أهل البيت؟

و بهذا فان القول نفسه ينطبق علي حياة الامام الجواد عليه السلام، فانك لم تجد من المديح ما يذكر من شعراء عصره عدا ما تجده من قصائد المديح لشعراء محدثين تنطوي علي مشاعر خاصة يتأثر بها الشاعر حينما يقف علي حياة الامام الجواد عليه السلام، أو ما يعزز وجدانياته الخاصة و هو يقرأ من سيرة الامام ما تجيش به شاعريته و تحتفل فيه ملكة الشعر و أحاسيس الولاء.


پاورقي

[1] الغدير: 2 / 429، أعيان الشيعه: 7 / 270.

[2] اعيان الشيعة: 1 / 172، الغدير: 3 / 483.

[3] أعيان الشيعة: 3 / 520، شرح احقاق الحق للسيد المرعشي: 9 / 697.