بازگشت

النهاية المؤسفة... و فتوي فقهاء الارهاب...


و من المؤسف أن تصل التنافسات بين فقهاء البلاط للوصول الي حظوة القرب من الخليفة العباسي بأن تحاك ضد الامام المؤامرات لتصفيته بعد أن رأوا أنه عليه السلام قد اكتسح وجودهم المهزوم، بعدما اعتقد الخليفة بأعلميته و أنه حاز من العمل ما لم يكن أحد منهم قد حازه و حباه الله به و اجتباه، و كان العمل قائما علي التنافس بين علماء البلاط لاثبات أيهم أصلح و أوفق لخدمة السلطان، و اذا ما هدد وجوده مقامهم العلمي - في نظر السلطان - و أخرهم عن رتبة التقدم فانهم يسعون لاتخاذ أي اجراء يضمن ابقاءهم علي هيبتهم، أما اذا كسرت هيبة هؤلاء المتدافعين علي



[ صفحه 123]



مكانتهم لدي البلاط فانهم لا يتأخرون عن التآمر و الانتقام من أجل الابقاء علي مكانتهم، و بما أن الجواد عليه السلام يبقي منافس فقهاء البلاط فان هؤلاء لم يجدوا بعده عليه السلام هذا غير تأخرهم عن رتبتهم الرسمية، فهم اذن بعد ذلك لابد أن يستعيدوا مقامهم المفقود من أعلمية «محمد بن الرضا» و المنافس لهم في منتدياتهم العلمية، فيدبروا التآمر عليه و تصفيته، و الانتقام لكرامتهم المفقودة في أروقة البلاط، و المناظرة التالية تتيح - في نظر هؤلاء - أن يتفقوا علي تصفية الامام الجواد عليه السلام و قتله:

روي العياشي في تفسيره باسناده عن زرقان صاحب ابن أبي داوود قال: رجع ابن أبي داوود ذات يوم من عند المعتصم و هو مغنم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قدمت منذ عشرين سنة، قلت له: و لم ذاك؟

قال: لما كان من هذا الأسود [1] أبي جعفر محمد بن علي بن موسي اليوم بين يدي أميرالمؤمنين.

قال: قلت له: و كيف ذلك؟

قال: ان سارقا أقر علي نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، و قد أحضر محمد بن علي.

فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟

قال: فقلت: من الكرسوع.

قال: ما الحجة في ذلك؟

قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع، و الكف الي الكرسوع لقول الله في التيمم



[ صفحه 124]



(فأمسحوا بوجوهكم و أيديكم) [2] و اتفق معي علي ذلك قوم.

و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق.

قال: و ما الدليل علي ذلك؟

قالوا: لأن الله لما قال: (و أيديكم الي المرافق) [3] في الغسل دل ذلك أن حد اليد هو المرفق.

قال: فالتفت الي محمد بن علي عليه السلام فقال: ما تقول في هذا يا أباجعفر؟

فقال عليه السلام: «قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين».

قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.

فقال عليه السلام: «أما اذا أقسمت علي بالله، اني أقول: انهم أخطؤوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل اصول الأصابع، فيترك الكف».

قال: و ما الحجة في ذلك؟

قال: «قول رسول الله صلي الله عليه و آله: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، و قد قال الله تعالي: (و أن المساجد لله) [4] ، يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، (فلا تدعوا مع الله أحدا) [5] ، و ما كان لله لن يقطع».

قال: فأعجبت المعتصم ذلك، و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.



[ صفحه 125]



قال ابن أبي داوود: قامت قيامتي و تمنيت أني لم أكن.

قال ابن أبي زرقان: ان ابن أبي داوود قال: صرت الي المعتصم بعد ثلاثة، فقلت: ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة، و أنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار. قال: و ما هو؟

قلت: اذا جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علماءهم لأمر واقع من امور الدين، فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، و قد حضر مجلسه أهل بيته و قواده و وزراؤه و كتابه، و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الامة بامامته، و يدعوه أنه أولي منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء.

قال: فتغير لونه و انتبه لما نبهته له، و قال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا.

قال: فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه الي منزله، فدعاه، فأبي أن يجيبه، و قال: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم.

فقال: اني انما أدعوك الي الطعام و احب أن تطأ ببابي [6] و تدخل منزلي فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك.

فصار اليه، فلما طعم منها (أي الطعام) أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم.

قال: خروجي من دارك خير لك.

فلم يزل يومه ذلك و ليله في خلفة [7] حتي قبض [8] .



[ صفحه 126]



هذه هي مؤامرات النظام العباسي و فقهائه، فهم بعد أن دعوه و عزموا عليه الاجابة غاضهم تقدمه علي جميع فقهاء البلاط، و علموا أن ذلك سيكون سببا في تفاقم أمره عند المسلمين، و اعترافهم بأن شطر هذه الامة تقول بامامته و هذا دليل علي أن الامة تنصاع للامام عليه السلام معتقده بامامته و أهليته للخلافة دون بني العباس، و مجرد احتمال الجهاز العباسي من تأثير الامام في الامة، و احتمالية أن تكون مجريات الامور لصالح الامام فان الخليفة العباسي لم يمهله حتي أمر بتصفيته فورا؛ دون أدني انتظار و حساب لأي العواقب المترتبة علي هذا التصرف الطائش.

و بالرغم من كون الامام الجواد يمثل الخط المنافس لخط فقهاء البلاط فان المعتصم حسم الفتوي لصالح قول الامام عليه السلام، و كأن المعتصم لم يرتض أقوال هؤلاء الجمع من فقهاء الدولة؛ لما يستبين الرشد برأي الامام عليه السلام، فالامام من بيت زقوا العلم زقا، و اجتباهم بأسرار خصهم بها و حباهم.


پاورقي

[1] هكذا يلقبون الامام الجواد عليه السلام لشدة سمرته؛ تنكيلا به و حقدا عليه.

[2] النساء: 43.

[3] المائدة: 6.

[4] الجن: 18.

[5] الجن: 18.

[6] و في رواية: تطأ ثيابي.

[7] الخلفة، الاسهال.

[8] مدينة المعاجز: 536 - 535 عن كتاب حياة اولي النهي: 213 - 211.