بازگشت

احباط مخططات النظام


محمد بن الريان قال: احتال المأمون علي أبي جعفر عليه السلام بكل حيلة، فلم يمكنه في شي ء، فلما اعتل و أراد أن يبني عليه ابنته دفع الي مائة وصيفة من أجمل ما يكن، الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر يستقبلون أباجعفر عليه السلام اذا قعد في موضع الأختان، فلم يلتفت اليهن.

و كان رجل يقال له: مخارق صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون، فقال: يا أميرالمؤمنين، ان كان في شي ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام فشهق مخارق شهقة اجتمع اليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده و يغني، فلما فعل ساعة و اذا أبوجعفر عليه السلام لا يلتفت اليه لا يمينا و لا شمالا، ثم رفع رأسه اليه.

و قال عليه السلام: «اتق الله يا ذا العثنون!».

قال: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيده الي أن مات.

قال: فسأله المأمون عن حاله؟ قال: لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا. [1] .

و كأن احتياله لادخاله فيما فيه من اللهو و الفسوق. و بني علي أهله بناء: زفها. و العثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت علي الذقن و تحته



[ صفحه 120]



سفلا، أو هو طولها. و العثون أيضا، شعيرات تحت حنك البعير. [2] .

و لا يهمنا سرد معجزاته، فهي أكثر من أن تحصي، و قد أعرضت عن تعدادها لعلمي أنها لا يستوعبها مختصر استطرد فيه بعض سيرته، فآثرت العدول عن سردها لكثرتها، و وجدت أنه عليه السلام قد اختص بكثرة المعاجز و تعداد الكرامات، و يبدو أن متطلبات عصره التشكيكي بامامته المبكرة اقتضت اظهار كراماته بهذا الكم الهائل، تأكيدا للحجة، و اتماما للبينة التي يتطلبها مقام امامته الذي كثر التساؤل عن امكانيته و هو لا يزال ابن العاشرة أو دونها، مما حدا بالبعض أن يتوقف ان لم يتساءل، أو يتساءل ان لم يشكك، أو يشكك ان لم يعارض، و هكذا تضطرب مفاهيم الناس بامامته عليه السلام، و تعتور الأذواق بامكانية أدائه لمهمة آبائه الذين تصدوا للامامة في سن اعتاد عليه الناس، و ألفته العامة، و استأنس في أهليته الجميع.

و لم يكن محمد بن علي الجواد عليهماالسلام ذلك الامام الثماني من العمر قد اختلف فيه الجميع، بل قبله من عرفه، و أثني عليه من خالطه، و أكبره من سمع منه، و آمن به من جالسه، و اعتقد فيه من شاهده، و لكأني أجد سرد الفضائل فضولا من القول، فخشيت الاطالة و آثرت الايجاز، و توسلت بمآثر الثناء، و تقاريض المدح، و الامام أرفع من أن يعرف قدره بمدح المادحين، و اطراء الحامدين له، الا أن ذلك من مجريات البحث و مطاوي الكلام، و عزمت استعراض بعض ما حضرني من كلمات الثناء و جمل التقريض.

روي الشيخ المفيد بسنده عن الريان بن شبيب ما نقله عن المأمون: و أما أبو



[ صفحه 121]



جعفر محمد بن علي عليهماالسلام قد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه.

فقال بنوالعباس: ان هذا الفتي و ان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب و يتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم! اني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله، و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به بما وصفت من حاله.... [3] .

و في وصيته لابنته: يا بنية، احتمليه فانه بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله. [4] .

و ما نقله الطبرسي عن موقف المأمون من الامام بقوله: و كان المأمون مشغوفا بأبي جعفر عليه السلام لما رأي من فضله مع صغر سنه، و بلوغه في العلم و الحكمة و الأدب و كمال العقل... و كان متوفرا علي اكرامه و تعظيمه و اجلال قدره. [5] .

و عن ابن الصباغ المالكي: قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: مناقب أبي جعفر محمد الجواد عليه السلام ما اتسعت جلبات مجالها، و لا امتدت أوقات آجالها، بل قضت عليه الأقدار الالهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها و سجالها، فقل في الدنيا مقامه، و عجل عليه فيها حمامه. فلم تطل لياليه و لا امتدت أيامه، غير أن الله خصه بمنقبة أنوارها متألفة في مطالع التعظيم، و أخبارها مرتفعة في معارج التفضيل



[ صفحه 122]



و التكريم. [6] .

و قال الشبلنجي: و ان كان (الجواد عليه السلام) صغير السن، فهو كبير القدر، رفيع الذكر، و مناقبه عليه السلام كثيرة. [7] .

و ما نقله ابن شهر آشوب، عن الأسقف الذي رأي الامام عليه السلام، فقال: يوشك أن يكون هذا الرجل نبيا أو من ذرية نبي. [8] .

هذه شهادة من شاهد «محمدا» و عرف مكارمه، و سمع مناقبه، فألجأه الاعجاب الي التقريض فيه، و آذنه الاكبار للثناء عليه، و دعاه الاكرام الي التبجيل و التعظيم، و هو بعد ذلك لحمة رسول الله و بضعته و وريثه، فيتصاغر عند ذلك كل ثناء و ذكر كبير.


پاورقي

[1] مناقب آل أبي طالب: 4 / 427، عنه البحار: 50 / 61، ح 37.

[2] البحار: 50 / 62 بيان.

[3] الارشاد 282:2.

[4] موسوعة الامام الجواد عليه السلام 362:1.

[5] نفس المصدر.

[6] الفصول المهمة لابن الصباغ: 266.

[7] نور الأبصار: 326.

[8] المناقب لابن شهر آشوب 384: 4.