بازگشت

محمد... الامام... القديس... ذلك المعجز


و لم يقف القوم عند «محمد» الحكيم عند هذا الحد من عبقات بلاغته الموروثة من آبائه حتي يتوج عطاءه بالمعجزة الشاهدة علي صدق دعواه، أو بالكرامة المؤيدة لمقامه الالهي...

انه «محمد» الامام... الحجة... القديس الذي يبعث الأمل في نفوس أتباعه، بل في نفوس الكثير حينما ينقطع عنهم حديث القرب الي الله، و حينما يحال الزمان الي خواطر مغامرات القتل و الحيل، أو مدعيات القداسة المزيقة، أو تنهاوي القيم من أجل كسب قضية يرعاها البلاط و يتدافع عليها فقهاؤه، اولئك المتسولون علي أبوابه، أو المقتنصون رضا الخليفة، أو المزدحمون علي عطاء القصر الملوكي في زحمة الفتاوي التي يطلقها الفقهاء ارضاء لنزوات أسيادهم، أو شهوات الوزراء المدججين بمدي التحايل و خطط المؤامرات، تلتبس علي الامة مصاديق



[ صفحه 115]



القداسة، و تختلط عليها حقائق الصدق من تسويات الدجل، فينفرج الأمر عن «محمد» المعجز، ذلك الامام الذي جرت علي يده الكرامات، و تدحرجت من تحت قدميه مدعيات بني العباس الذي أوهموا الناس بأحقية الخلافة دون غيرهم، و تنازع أسلافهم مع أهل الحق، فاحتلبوا شطرها ملأ القعب دما عبيطا، كما أشار الي ذلك علي عليه السلام في تقويمه لتهالك القوم عليها.

و هكذا ينتزع «محمد» الامام شرعية الخلافة و أحقية السيادة بما أثبته من أنه هو القديس المعجز...، فضلا عما أثبته لأولئك المنكرين لامامته، أو المشككين في انتسابه لآبائه الطاهرين... فأجري الله علي يده كرامات الامامة و معجزات الحجة، و كم هي وطيدة الانتساب لكرامات الآباء الميامين يوم كان الأتباع يتطاولون بأمانيهم أن يريهم الله كراماته في أوليائه، تجري أمامهم و تحدث براهينها كلما أحوجتهم المحاججة أو الدليل لاثبات أحقية ما يعتقدونه في أهل البيت فيفيضون ما أفاض الله عليهم من هذه الكرامة، أو تلك المعجزة، أو ذلك البرهان الذي لا يفتأ في اثبات الحق لأهله..

و محمد بن علي الجواد عليهماالسلام من أهل هذه المعجزات المنتسبة لآل الله الميامين... و لربما يجد البحث طريقه في الكم الهائل من كرامات الجواد و معجزات امامته؛ لما تقتضيه ظروف الاثبات و الانتساب، فكان محمد عليه السلام سخيا علي الملأ من الناس؛ ليفيض بما أفاض الله عليه من الحق و الدلالة علي النهج القويم. و سنحاول الخوض في عباب هذه الملاحم الجوادية من الكرامة و المعجز و الدليل، و ما جري له - صلوات الله عليه - مع أصحابه و مع غيرهم ممن توقفوا في القول بامامته و البخوع بأحقيته. و مما يجدر التنويه اليه أن الامام كان كثيرا ما يقف علي ضمائر



[ صفحه 116]



الناس و ما في نفوسهم بفراسة تزيل الشك، و تقتلع الشبهة، و تهدي الي الصراط المستقيم.