بازگشت

الامام الجواد... راوية الحديث المحظور


لم يزل حديث علي عليه السلام محاصرا يعاني من الحظر الرسمي الذي لا يجوز معه في عرف السياسة أن تبقي آثاره كمعارضة شاخصة تدين النظام القائم، و تحرض الامة أن تقرأ واقعها علي أساس معطيات الاسلام الأصيل، و لم يزل رواته يحفظونه في صدورهم، و يكتمونه خشية الملاحقة و القتل و التنكيل، و هو مع هذا كله يخترق حواجز الممنوع و حجب المحظور، و سياسات الأنظمة لا تقوي علي قهر ارادة الامة في حقها للوقوف علي المعرفة الحقيقية حينما تجدها في منابعها الروائية، فالحظر لم يرهب الحديث النبوي يوم كان محظورا عليه و محجورا علي



[ صفحه 97]



رواته، و هو لا يوقف رغبة الامة في سماعها الحديث، و لا يلغي دور رواته في مناقلته و العمل علي ضوئه، و لم يجد الحديث متنفسا بعيد رحيل نبيه صلي الله عليه و آله، حتي مر بفترات الحظر و المطاردة و القهر، بل و حتي التحريف يوم كان معاوية بن أبي سفيان متوثبا ليلفق أحاديث موضوعة تحط من مناقب أعدائه و فضائلهم و كل ما ورد في علي و آل علي عليهم السلام، و تحدث ما ينافي ذلك لتنسج الفضائل علي لسان النبي صلي الله عليه و آله و سلم في شخص معاوية و آل ابي سفيان، و فيما ذكرناه في بحوث تاريخ الحديث النبوي بين سلطة النص و نص السلطة غني عن كل مجريات معاناة الحديث و حملته و رواته.

في ظل هذا الصراع المحتدم بين الحديث النبوي و بين السلطة صراع بكل حيثياته و دقائقه و توجهاته، بل صراع بين مفاهيم الحديث و قيمه، و بين دواعي السلطة و طموحها في الاستحكام علي مناشئ الحديث و رواته؛ لتغلق منافذ الطريق علي القيم الأصيلة التي يحملها الحديث النبوي، أضف الي ذلك أن الحديث النبوي بمثابة الرقيب علي الحاكم و نظامه، فهو اذن حالة من حالات العرقلة لتحركات النظام باتجاهاته الخاصة البعيدة عن الشريعة و التزاماتها، و بذلك سيعيش النظام مذعورا من الحديث،، تطارده هواجسه التي ما فتئت تدين النظام و رجالاته، من هنا تعرف مدي الهوة الساحقة بين الحديث النبوي كمفهوم و بين السلطة كتوجهات و طموحات جامحة، و مثل هذا الوضع الحذر الذي يعيشه النظام من الحديث لا يسمح بعد ذلك لرواته أن يؤسسوا مدرستهم الروائية علي أساس مبتنيات سليمة، و معني ذلك أن الحديث الملاحق يبقي محاصرا، الا أنه يجد متنفسا أحيانا ليبيح به حملته الي أسماع الثقات.



[ صفحه 98]



و اذا كان النظام قد أذن أن تتخذ ثقافة أهل البيت عليهم السلام متسعا من الحركة ابان المأمون العباسي الذي أسس نظرية امكانية التعايش مع العلويين و دعا الي سياسة التسامح و الحوار، فان الامام محمد الجواد عليه السلام سيكون في طليعة اولئك المعنيين بهذه النظرية المأمونية التي من خلالها أشرف الحديث النبوي من نافذة الامامة علي ثقافة الامة و توجهاتها، و كان الامام الجواد عليه السلام حاضرا في تمتين العلاقة بين الامة و بين الحديث النبوي؛ لذا سيجد الحديث متنفسا يتجه بامتداداته الي قطاعات الامة بكل ألوانها؛ لذا فان الامام عليه السلام قدم نماذج المعرفة علي أساس صيغ الحديث النبوي، أو الحديث العلوي المضمخ بدماء آل علي منذ عقود حتي يصل معافي دون أن تمسه يد الوضع و التحريف.

فقد روي عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام، قال: «بعثني النبي صلي الله عليه و آله الي اليمن، فقال لي و هو يوصيني: يا علي، ما حار من استخار، و لا ندم من استشار. يا علي، عليك بالدلجة (أي السير بالليل) فان الأرض تطوي في الليل ما لا تطوي بالنهار، يا علي، اغد باسم الله فان الله بارك لامتي في بكورها» [1] .

و قال عليه السلام: «من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة» [2] .

و عنه عليه السلام و قد سئل عن حديث النبي صلي الله عليه و آله: «أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار؟ فقال: خاص للحسن و الحسين». [3] .

و عنه، عن علي عليه السلام قال: «في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام: أن ابن آدم أشبه شي ء



[ صفحه 99]



بالمعيار، اما راجح بعلم - و قال مرة بعقل - أو ناقص بجهل» [4] .

و عنه: قال علي عليه السلام لأبي ذر رضي الله عنه: «انما غضبت لله عزوجل، فارج من غضبت له، ان القوم خافوك علي دنياهم و خفتهم علي دينك، و الله لو كانت السماوات و الأرضون رتقا علي عبد ثم اتقي الله لجعل الله له منها مخرجا، لا يؤنسنك الا الحق، و لا يوحشنك الا الباطل» [5] .

و عنه، عن علي عليه السلام أنه قال لقيس بن سعد و قد قدم عليه من مصر: «يا قيس ان للمحن غايات لابد أن ينتهي اليها، فيجب علي العاقل أن ينام لها الي ادبارها، فان مكايدتها بالحيلة عند اقبالها زيادة فيها». [6] .


پاورقي

[1] أمالي الطوسي: ص 136، ح 33، كشف الغمة: 2 / 859.

[2] أمالي الطوسي: ص 84، ح 33.

[3] أعيان الشيعة: 2 / 35.

[4] اعيان الشيعه: 2 / 35، كشف الغمة: 2 / 859.

[5] اعيان الشيعة: 2 / 35، كشف الغمة: 2 / 859.

[6] اعيان الشيعة: 2 / 35، كشف الغمة: 2 / 859.