بازگشت

الجواد و وراثة التوحيد... دفاع عن الوحدانية الحقة


و لم يكتف «محمد عليه السلام» في دفاعه عن مبدأ الامامة ما لم يكن مطعما بمبدأ التوحيد، فالتشبيه و التجسيم صنمية الثقافة العباسية المستوردة من خلف الأسوار الاسلامية، تنتفض اليوم بعد أن دعاها معاوية بن أبي سفيان برجالاتها المنظرين: كعب الأحبار و أبوهريرة و أمثالهما؛ لايجاد صيغ جاهزة تحرف المسيرة التوحيدية عن اتجاهها المحمدي الذي أرسي قواعده ابان دعوته، و تتراجع هذه التنظيرات التجسيمية بعد تصدي أهل البيت عليهم السلام خصوصا، و عصر الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام يسمحان للتحرك بهذا الاتجاه، الا أن عصر المزاوجة الثقافية بين الغرب المسيحي و الشرق الاسلامي دعا المأمون أن يتسامح في اذكاء روح الثقافة التجسيمية من جديد، و لم يكن بوسع أئمة أهل البيت عليهم السلام الا أن يتصدوا



[ صفحه 91]



لمثل هذه التيارات و ايقاف عتوها المقتلع لثواب التوحيد.

و كان الامام علي بن موسي الرضا عليهماالسلام قد تمنع بفرصة الحوار مع اولئك المجسمة من المسلمين و الديانات الاخري: يهودية و نصرانية و مجوسية و غيرها، فاغتنم فرصة المحاورات الرسمية التي عقدها المأمون لاظهار فضل الامام الرضا عليه السلام و مقامه العلمي، و تصويب رأيه في اختياره الموفق للامام وليا للعهد، و اليوم خليفته الجواد يعتلي منصة الحوار، و يلقي من نظريات التوحيد ما توقف معها انتهاكات اولئك المجسمة و أمثالهم.

ففي جوابه لمن سأله عن الرب تعالي: أله أسماء و صفات في كتابه؟ و هل أسماؤه و صفاته هي هو؟

فقال أبوجعفر عليه السلام: «ان لهذا الكلام وجهين: ان كنت تقول: (هي هو) أنه ذو عدد و كثرة فتعالي الله عن ذلك، و ان كنت تقول: (هذه الأسماء و الصفات لم تزل) فان مما لم تزل محتمل علي معنيين.

فان قلت: لم تزل عنده في علمه و هو يستحقها فنعم، و ان كنت تقول: لم تزل صورها و هجاؤها و تقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شي ء غيره، بل كان الله تعالي ذكره و لا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه و بين خلقه، يتضرعون بها اليه و يعبدون، و هي ذكره و كان الله سبحانه و لا ذكر، و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل، و الأسماء و الصفات مخلوقات، و المعني بها هو الله، لا يليق به الاختلاف و لا الائتلاف، و انما يختلف و يتألف المتجزئ، و لا يقال له: قليل و لا كثير، ولكنه القديم في ذاته؛ لأن ما سوي الواحد متجزي، و الله واحد لا متجزئ و لا متوهم بالقلة و الكثرة، و كل متجزئ أو متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له، فقولك: (ان الله قدير)



[ صفحه 92]



خبرت أنه لا يعجزه شي ء، فنفيت بالكلمة العجز، و جعلت العجز لسواه، و كذلك قولك: (عالم) انما نفيت بالكلمة الجهل و جعلت الجهل لسواه، فاذا أفني الله الأشياء أفني الصورة و الهجاء و التقطيع فلا يزال من لم يزل عالما».

فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟

فقال عليه السلام: «لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأسماع، و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، و كذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك، و لم نصفه ببصر طرفة العين، و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي ء اللطيف مثل البعوضة و ما هو أخفي من ذلك، و موضع المشي منها و الشهود و السفاد، و الحدب علي أولادها، و اقامة بعضها علي بعض، و نقلها الطعام و الشراب الي أولادها في الجبال و المغاور و الأودية و القفار، و علمنا بذلك أن خالقها لطيف بلا كيف، اذ الكيف للمخلوق المكيف.

و كذلك سمينا ربنا قويا بلا قوة البطش المعروف من الخلق و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه و احتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا، فربنا تبارك و تعالي لا شبه له، و لا ضد و لا ند، و لا كيفية، و لا نهاية، و لا تصاريف، محرم علي القلوب أن تحمله، و علي الأوهام أن تحده، و علي الضمائر أن تصوره، جل و عز عن أداة خلقه، و سمات بريته، تعالي عن ذلك علوا كبيرا». [1] .

و في رواية داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: (قل هو الله أحد) [2] ما معني الأحد؟



[ صفحه 93]



قال: «المجمع عليه بالوحدانية، أما سمعته يقول: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض و سخر الشمس و القمر ليقولن الله) [3] ثم يقولون بعد ذلك: له شريك و صاحبة».

فقلت: قوله: (لا تدركه الأبصار)؟ [4] .

قال: «يا أباهاشم، أوهام القلوب أدق من ابصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها، و لم تدرك ببصرك ذلك، فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف تدركه الأبصار» [5] .

و في حديث بي أبي نجران قال: سألت: أباجعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهم شيئا؟

فقال: «نعم، غير معقول و لا محدود، فما وقع و همك من شي ء فهو خلافه، لا يشبهه شي ء و لا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل و خلاف ما يتصور في الأوهام؟ انما يتوهم شي ء غير معقول و لا محدود» [6] .

و سئل عليه السلام: أيجوز أن يقال لله: انه شي ء؟

فقال عليه السلام: «نعم، تخرجه من الحدين: حد الابطال، و حد التشبيه» [7] .

في واقع اسلامي أغرقته نظريات المتفلسفين القادمة ضمن حملات الترجمة التي بدأها المأمون في جلب الكثير من كتابات الروم الفلسفية، و توجهات الهند



[ صفحه 94]



القصصية، و مساعي الفرس الأدبية، فضلا عن ثقافات أهل الصين، و محاولات الترك، و نزعات البربر، و فنون اليونان، و غيرها من تجسيمات اليهود، و تثليث النصاري، و اختلافات أهل الملة، كل ذلك أربكت عقلية الفرد و أودت بالجماعة الاسلامية الي تقمصات هذه الثقافات الجديدة غير الواعية في معرفة صفات الله، فخلطت بين صفات الذات و صفات الفعل، و أثبتت من صفات التنزيه ما كان ينبغي أن تجل عنه الذات و توصف به أفعاله تعالي، و انزلق المجتمع الاسلامي الي مهاوي التشبيه و محاولات الالحاد، حتي كان للامام الجواد و قبله والده الامام الرضا عليهماالسلام الأثر في صد عادية هذه التيارات الفكرية المنحرفة.. و أنت تري ما لهذه الاسس التوحيدية في كلام الامام الجواد من أثر في انتشال المدرسة الاسلامية من مخاطر الانحراف الفكري القادم.


پاورقي

[1] الاحتجاج للطبرسي 2 / 467، ح 321 - عنه البحار: 4 / 153، ح 1.

[2] الاخلاص: 1.

[3] العنكبوت: 61.

[4] الأنعام: 103.

[5] الاحتجاج 2 / 465، عنه البحار: 4 / 39، ح 17.

[6] التوحيد: ص 103، ح 6، عنه البحار: 3 / 266، ح 22.

[7] التوحيد: ص 104، عنه البحار: 3 / 260، ح 29، الاحتجاج: 2 / 466، ح 320.