بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين.

لم تكن دراسة حياة الامام الجواد عليه السلام تنطلق من الحاجة الي قراءات التاريخ الاسلامي بما ينسجم و تاريخ التحديات السياسية التي رافقت بلورة نظام الحكم و التنظيم السياسي الاسلامي، و ان كان ذلك أحد دواعي الدراسة كذلك، الا أن قراءة حياة الامام الجواد عليه السلام تمثل الحقيقة الحرجة لمعطيات الظرف العام الذي يعيشه المسلمون آنذاك، فالامام الجواد مثل تطلعا جديدا في العطاء العام للقيادة الاسلامية التي تقود الأمة نحو الهدف الأسمي و الأكمل، فالامامة المبكرة للامام الجواد عليه السلام كانت تحولا جديدا في صياغة الاطروحة الاسلامية للحكم، و التنظير لها بما بعطي قراءة جديدة للقيادة المعصومة التي تجاوزت الحسابات المادية؛ لكونها صياغة الهية مسددة بغض النظر عن عمر الامام الذي يتولي مهمة الامامة، بل يمكن أن نقول: ان امامة الجواد المبكرة كانت تحديا حقيقيا لتقليدية الحكم العباسي الذي تجاوز مرحلة النضج و الرشد للخليفة العباسي الوريث لحكم آبائه، فالخليفة العباسي كان يعيش محنة عدم النضج و التكامل، فانه ما أن وصل الي



[ صفحه 12]



منصب الخلافة بالوراثة التقليدية، حتي بذل الجهود في تربيته الخاصة لانضاجه، و لكنه رغم ذلك كان يعاني من تعثرات الأداء في ادارة الدولة، و يؤول الأمر الي استيلاء ذوي الحنكة السياسية من القادة و الخدم و الصبيان الذين يحيطون بالخليفة، فتدار الدولة علي أساس مشتهيات هذا اللوبي أو ذاك، في حين تثبت امامة الجواد المبكرة تحديا كبيرا لتقليدية الوراثة العباسية، و لنظرية الاستحقاق الوراثي الذي يتقلد من خلاله الخليفة العباسي منصبه.

و في عمر مبكرة كان للامام الجواد عليه السلام جولات صراع لاثبات أن الحق مع هذا الخط الالهي، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. و كانت المناظرات قائمة بين الامام و بين مخالفيه بما يشكل تهديدا حقيقيا للوجود العباسي، بل لوجود مدرسة الخلفاء المقابلة لمدرسة آل البيت المعصومة، و علي هذا الأساس أخذ الصراع العباسي منحي جديا، فهو اليوم يواجه خطرا حقيقيا يطبح بكل مبتنياته، بل يمكن القول: ان امامة الجواد المبكرة كانت ثورة تغلي و تتقد دواعيها بشكل خفي، حتي في مشاعر العباسيين أنفسهم، اذ يري هؤلاء أن الخلافة لا تنتقل بالوراثة النسبية التقليدية، بل هي قضية الهية لا يمكن تجاوزها، و الامام الجواد السباعي أو الثماني من العمر يشكل معلما رئيسيا لهذا التحدي الخطير، فقناعات العباسيين لامامة الجواد المبكرة تسير وفق قناعات الانسان بكل موضوعيته، و اعتباراته عقلائية، و معارضة العباسيين للامام الجواد عليه السلام تسير وفق سياقات التنافس السياسي، فهم بالنتيجة في أعماق ذواتهم «المنكسرة» يقتنعون بمعجزات الامام، و بالتالي بأحقيته في الخلافة و الامامة، الا أن هذا التحدي يعني الغاء دورهم كحاكمين و يحيلهم محكومين تابعين.



[ صفحه 13]



من هنا نشأ الصراع العباسي في قراءة متحدية لواقع أهل البيت عليهم السلام من قبل المأمون العباسي، الذي كان يعيش قلق الاستحقاق الحقيقي الذي يجده في آل البيت عليهم السلام، و كذلك يعيش هاجس انتقال السلطة من البيت العباسي الي البيت العلوي، و هو الهاجس نفسه الذي يعيشه العباسيون كذلك، فالمأمون مثلا كان يمثل حقبة الصراع العباسي - العباسي، و الامام الجواد يمثل التحدي الحقيقي لسلطة العباسيين التي يقرأ جميع فصولها المسلمون، و لذلك فحياة الامام الجواد عليه السلام مثلت مقطعا مهما من الصراع بين فلسفتين متناقضتين في الحكم و السياسة و الحياة بجميع مفاصلها، من هنا تنطلق أهمية دراسة حياة الامام الجواد عليه السلام و تاريخه الملي ء بالتحديات العباسية و المؤمرات و الفتن.

و من العجيب أن هذا المقطع التاريخي قد الغيت فصوله التاريخية، أو اختفي منها الكثير، و صودر الأكثر؛ لذا تجد أن الباحث في هذا المقطع التاريخي المثير يجد الصعوبة بمكان في تحديد معالم الصراع و الوقوف علي مفاصله؛ لندرة النصوص، أو الغاء الكثير من فصول هذا الصراع، و التعتيم علي هذه الفترة التاريخية الحرجة من حياة الامة الاسلامية؛ لذا تجد أن الدراسة عن الامام الجواد عليه السلام لا تتعدي سوي استعراض مبسط لجزء من حياته الشريفة، و الباقي صادرته كتابات المؤرخين بالاشارة الخاطفة لحياة هذا المقطع المثير، أو أخفت السلطات الحاكمة الكثير من هذا التراث التاريخي المهم، و بذلك فان المؤرخ الاسلامي متهم بالاهمال - علي أحسن تقدير - لهذه الفترة المعطاء من حياة الامام الجواد عليه السلام. أما علي أساس الكتابات الشيعية فهي بالرغم من أنها معدودة جدا الا أنها لا يتعدي أكثرها عن اشارات لحياة الامام الجواد عليه السلام عدا ما كتبه العلامة



[ صفحه 14]



المحقق السيد عبدالرازق المقرم في كتابه الامام الجواد عليه السلام: فكانت دراسة تحليلية في أكثر جوانبها بعيدة عن السرد، و مهما يكن من أمر فان حياة الامام الجواد عليه السلام تستدعي الوقوف كثيرا لقراءة هذا المقطع الرائع من «الامامة المبكرة و تداعيات الصراع العباسي».

شعبان ذكري ولادة الامام زين العابدين عليه السلام

1428 هـ

محمدعلي السيد يحيي السيد محمد الحلو



[ صفحه 15]