بازگشت

بشارة النبي


كان النبي يتطلع ماوراء الغيب... يترنم بكلمات لم يدركها اولئك النفر الذين يحيطون به صلي الله عليه و آله، الا أنهم يستمعون الي مناجاة تسمو في روعتها تراتيل النبوة في سفر الغيب المكنون... انهم لا يدركون شيئا الا أنها متعة الاستماع لكلمات يضوع شذاها فمه الطاهر... فالنبي الآن يستذكر حفيده السابع... يفديه بأبيه، و يذكر أن امه هي خيرة الاماء المنتجبة، يستمعون اليه و هو يقول: «بأبي ابن خيرة الاماء، ابن



[ صفحه 61]



النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم» [1] .

و لم يخف النبي صلي الله عليه و آله عن جابر بن عبدالله الأنصاري أسماء أوصيائه و خلفائه من بعده.. فجابر يحبوه النبي بكرامة البشارة، انه يحمله أمانة التبليغ، و جابر قمين أن يؤدي الأمانة كما ائتمنه النبي صلي الله عليه و آله، كيف لا و جابر يتشوق الي حديث الغيب؟ و أي رجل لا يفخر بهذه المهمة؟! فحقيق بجابر أن يفخر و هو يتحدث في مجلسه الذي يضم شيوخ الرواية، كجابر بن يزيد الجعفي و أمثاله، فقد سمع من جابر الأنصاري يقول: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله:

«يا جابر، ان أوصيائي و أئمة المسلمين من بعدي أولهم علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر، ستدركه يا جابر، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم اسمه اسمي، و كنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي...» [2] .

و لم يقتصر الأمر علي ذكر وصايته صلي الله عليه و آله لحفيده الامام القادم محمد بل كانت خلقته النورية كآبائه الطاهرين موضع اهتمامه، و هي دلالة عظمته، و علو قدره، و كمال منزلته، فهو كآبائه شرقا، و مرتبة، و مقاما..

كان صلي الله عليه و آله ينقل مشاهداته عن عروجه الي الملكوت الأعلي، يروي نعم الله تعالي عليه و علي ذريته، خلفائه من بعده، و أوصيائه علي امته.. فلعل حديثه ذاع



[ صفحه 62]



و استطار في آفاق الدنيا، كسريانه في آفاق النفس المتلهفة لمعرفة المجهول، كان يحدث أصحابه صلي الله عليه و آله فيقول:

«ليلة اسري بي الي السماء قال لي الجليل جل و علا: (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه) [3] ، قلت: و المؤمنون، قال: صدقت يا محمد، من خلفت في امتك؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب قال: يا محمد، اني اطلعت الي الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي فلا اذكر في موضع الا ذكرت معي، فأنا المحمود و أنت محمد. ثم اطلعت الثانية فاخترت عليا و شققت له اسما من أسمائي، فانا الأعلي و هو علي. يا محمد، اني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، و عرضت ولايتكم علي أهل السماوات و أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتي ينقطع، أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتي يقر بولايتكم، يا محمد، أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب.

فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فاذا أنا بعلي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسي بن جعفر، و علي بن موسي، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و المهدي، في ضحضاح من نور قياما يصلون



[ صفحه 63]



و هو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري.

قال: يا محمد، هؤلاء الحجج، و هو الثائر من عترتك، و عزتي و جلالي انه الحجة الواحبة لأوليائي، و المنتقم من أعدائي». [4] .

هكذا كان محمد النبي يبشر بمحمد الوصي... كان الجد يقرأ الحفيد علي أنه ملحمة الكرامة النبوية، و عطاء الرب الذي لا ينضب.


پاورقي

[1] اصول الكافي: 1 / 323، ضمن ح 14.

[2] كشف الغمة للأربلي: 2 / 1006.

[3] سورة البقرة: آية 258.

[4] فرائد السمطين: 2 / 319.