بازگشت

في علومه و فضله


كان عليه السلام قد بلغ في كمال العقل و الفضل و العلم و الحكم و الآداب، و رفعه منزلة ما لم يساوه فيها أحد من ذوي السن من السادات و غيرهم.

و لذلك كان المأمون مشغوفا لما رأي من علو رتبته و عظم منزلته في جميع الفضائل، فزوجه ابنته أم الفضل و حملها معه الي المدينة و كان متوفرا علي تعظيمه و توقيره و تبجيله.

«و روي في كتاب الاحتجاج»: عن (الريان بن شبيب) [1] قال:

لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل، أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام، بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، و استنكروه منه، و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع الرضا عليه السلام.



[ صفحه 102]



فخاضوا في ذلك، و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين (!) ان تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا.

فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عزوجل [2] و ينزع منا عزا قد ألبسناه الله، و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم و التصغير بهم!!

و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، فكفانا الله المهم من ذلك (يقصدون بذلك وفاة الامام الرضا عليه السلام).

فالله الله! أن تردنا الي غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم.

و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم، و أعوذ بالله من ذلك والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و قد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه من نفسي، و كان أمر الله قدر مقدورا!! [3] .

و أما أبوجعفر محمد - الجواد - بن علي عليه السلام فقد اخترته



[ صفحه 103]



لتبريزه (أي تفوقه) علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه. فقالوا له: ان هذا الفتي - و ان راقك منه هديه [4] - فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم! اني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان أهل هذا البيت علمهم من الله تعالي و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياء - في علم الدين و الأدب - عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.

قالوا: قد رضينا لك - يا أميرالمؤمنين!! [5] - و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه!!

و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم، و ذلك متي أردتم.

فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم، و هو - يومئذ- قاضي الزمان علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون



[ صفحه 104]



و سألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك.

فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، و حضر معهم يحيي بن أكثم، و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر - الجواد - دست [6] و يجعل فيه مسورتان [7] ، ففعل ذلك، و خرج أبوجعفر - الجواد - عليه السلام و هو يومئذ ابن تسع سنين - فجلس بين المسورتين و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم [8] و المأمون جالس علي دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام.

فقال يحيي بن أكثم - للمأمون -: يأذن لي أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك.

فأقبل عليه يحيي بن أكثم فقال: أتأذن لي - جعلت فداك - في مسألة؟ فقال أبوجعفر (الجواد) عليه السلام: سل ان شئت.


پاورقي

[1] هو خال المعتصم العباس، لأن (ماردة) أم المعتصم أخت الريان،

كان الريان من أصحاب الامام الرضا و الامام الجواد عليهماالسلام.

[2] يقصدون: السلطة، و علي زعمهم الخلافة.

[3] ان المأمون كان ذكيا في شيطنته، و هنا يظهر لك ذلك، فتراه يقول للعباسيين: (والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا...) ثم هو يقدم علي قتل الامام الرضا عليه السلام عن طريق دس السم اليه، و هذا التلون و التناقض بين القول و العمل دأب كل سياسي تابع للظروف.

[4] أي: و ان أعجبك سلوكه و سيرته.

[5] كلمة حول لقب (أميرالمؤمنين) و أنه خاص بخليفة رسول الله: الامام علي عليه السلام و ان من رضي بهذا اللقب - من الحكام - فهو علامة علي شذوذه الجنسي - كما في الحديث.

[6] الدست - كلمة فارسية -: الفراش الذي يجلس عليه.

[7] المسورة: المتكأ المصنوع من الجلد.

[8] أي: جلسوا في الأماكن المعدة لهم.