بازگشت

المناخ العرفاني في سلوك الامام


و كان السلوك في رياضة النفس، و النهج العرفاني في ادارة الذات للامام محمد الجواد في القمة الصاعدة لدي رصد علاقة المرء بربه و ربط تصرفات الكائن الأرضي بالسماء، في نموذج لتلك الحالة من الانابة و الاخبات و الخشوع فهو ذو برنامج خاص في الطاعة و العبادة الخالصة مما يذكرنا بآبائه من الأئمة المعصومين.

و كان عابدا ناسكا كثير النوافل و المستحبات حتي روي أنه كان يصلي ركعتين يقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة، و سورة الاخلاص سبعين مرة. [1] .

و في مثابرة جادة لتخير أماكن العبادة و مراعاة آداب الزيارة يحدثنا عبدالله بن رزين قائلا:

(كنت مجاورا بالمدينة - مدينة الرسول -، و كان أبوجعفر (عليه السلام) يجي ء كل يوم مع الزوال الي المسجد فينزل الي الصخرة و يمر الي الرسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و يسلم عليه و يرجع الي بيت فاطمة و يخلع نعله فيقوم فيصلي)... [2] .

و كان يعلم أتباعه و أولياءه ما يقوله النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) اذا فرغ من صلاته:

(اللهم اغفر لي ما قدمت و ما أخرت و ما أسررت و ما أعلنت، و اسرافي علي نفسي و ما أنت أعلم به مني...



[ صفحه 40]



اللهم اني أسألك خشيتك في السر و العلانية و كلمة الحق و الغضب و الرضا و القصد في الفقر و الغنا)... [3] .

و كان يعطي بعض الشهور أهمية خاصة في مراسم العبادة و طقوس الانابة سيما في شهر رجب الأصب.

و كان ما تناقله الرواة عنه لدي حضوره الي بغداد مثار اعجابهم، فقد حدث الريان بن الصلت قائلا:

(صام أبوجعفر الثاني (عليه السلام) لما كان ببغداد يوم النصف من رجب و يوم سبع و عشرين منه و صام معه جميع حشمه، و أمرنا أن نصلي بالصلاة التي هي: اثنتا عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد سورة، فاذا فرغت قرأت الحمد أربعا و قل هو الله أحد أربعا، و قلت: لا اله الا الله و الله أكبر و سبحان الله و الحمد لله و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم أربعا، و الله الله ربي، لا أشرك به شيئا أربعا و لا أشرك بربي أحدا أربعا) [4] .

و قد ورد عنه (عليه السلام) أنه كان يقول:

«ان في رجب لليلة خير مما طلعت عليه الشمس، و هي ليلة سبع و عشرين من رجب» و ذكر فيها صلاة خاصة. [5] .

و من أرقي نماذج الانابة التوجه نحو الله تعالي بالدعاء، و قد أورد الشيخ الصدوق أمثلة من الدعاء لكل امام حتي اذا ذكر الامام محمد الجواد (عليه السلام)، أورد له هذا الدعاء:



[ صفحه 41]



«يا من لا شبيه لعظمته و لا مثال، أنت الله لا اله الا أنت، و لا خالق الا أنت، تفني المخلوقين و تبقي أنت، حلمت عمن عصاك و في المغفرة رضاك» [6] .

و قد حدب الامام (عليه السلام) علي تلقين أوليائه تلك الأذكار الجارية مجري الأمثال في بلاغتها و ايجازها، و مؤادها، مما سيره في الخلوات و قدمه بين يدي حاجاته عملا بما في التنزيل:

(و اذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعاني) [7] و انصاتا لقوله تعالي: (قال ما يعبأ بكم ربي لو لا دعاؤكم) [8] .

فقد علم محمد بن الفضيل ما سأله أن يعلمه اياه، يقول:

كتبت الي أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله أن يعلمني دعاء فكتب الي، تقول اذا أصبحت و أمسيت:

(الله الله ربي الرحمن الرحيم، لا أشرك به شيئا، و ان زدت علي ذلك فهو خير ثم تدعو بما بدا لك في حاجتك، فهو لكل شي ء باذن الله تعالي) [9] .

يقول الأستاذ محمد حسن آل ياسين:

(ثم أثرت عن الامام (عليه السلام) تعليمات و توجيهات في ميادين صقل الروح و تهذيب النفس، و تعميق العلاقة بين العبد و ربه بالتسليم له



[ صفحه 42]



و التوكل عليه و الاستعانة به في التماس الحاجات و حل المشكلات و تسهيل المعضلات، و قد جاء في جملة تلك الاشارات و التوجيهات أدعية و أذكار حث الامام المؤمنين علي تردادها كل صباح و مساء لقضاء الحوائج و تيسير عقد الأمور) [10] .

و لقد قال محمد بن الفرج:

كتب الي أبوجعفر بن الرضا (عليه السلام) بهذا الدعاء و علمنيه، و قال: من قاله في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة الا تيسرت له و كفاه الله ما أهمه:

«بسم الله و بالله و صلي الله علي محمد و آله؛ و أفوض أمري الي الله ان الله بصير بالعباد، فوقاه الله سيئات ما مكروا، لا اله من أنت سبحانك اني كنت من الظالمين، فاستجبنا له و نجيناه من الغم و كذلك ننجي المؤمنين، حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء، ما شاء الله لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم» [11] .

و في توجهه الدعائي لمحمد بن الفرج:

«اذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل: رضيت بالله ربا، و بمحمد نبيا، و بالاسلام دينا، و بالقرآن كتابا، و بفلان و بفلان أئمة»... [12] .



[ صفحه 43]



و من دلائل انقطاعه الي الله و اخباته له، تلك المراسم و المستحبات التي رواها الحسن بن علي الكوفي مشاهدة في حج الامام لبيت الله الحرام، يقول:

«رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) في سنة خمس عشرة و مأتين، و دع البيت بعد ارتفاع الشمس، و طاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلما كان الشوط السابع استلمه و استلم الحجر و مسح بيده، ثم مسح وجهه بيده، ثم أتي المقام فصلي خلفه ركعتين، ثم خرج الي دبر الكعبة الي الملتزم، فالتزم البيت و كشف الثوب عن بطنه، ثم وقف طويلا يدعو، ثم خرج من باب الحناطين و توجه.

قال: فرأيته في سنة 219 ه و دع البيت ليلا يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود في كل شوط فلما كان الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني...

و كشف الثوب عن بطنه ثم أتي الحجر فقبله و مسحه و خرج الي المقام فصلي خلفه ثم مضي و لم يعد الي البيت، و كان وقوفه علي الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط و بعضهم ثمانية»... [13] .

و روي علي بن مهزيار شيئا من المراسم التي أداها الامام في الحج فقال:

«رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ليلة الزيارة طاف طواف النساء، و صلي خلف المقام، ثم دخل زمزم، فاستقي منها بيده



[ صفحه 44]



و الدلو الذي يلي الحجر، و شرب منه، و صب علي بعض جسده، ثم طلع في زمزم مرتين. و أخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد ذلك في سنة فعل مثل ذلك» [14] .

ان هذه اللمسات العرفانية التي التقطنا بعض شذراتها في مسلكية الامام الروحية و التوجيهية و الدعائية تمثل جانبا مشرقا آخر في سيرة الامام محمد الجواد (عليه السلام)، فهو في شبابه المتبرعم كما هو صباه المتقدم يعطي الصورة التكاملية لحياة الامام في البذل و العطاء و الهدي و الانابة.



[ صفحه 45]




پاورقي

[1] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 5 / 298.

[2] الكليني / الكافي / 1 / 493، المجلسي / البحار / 50 / 6.

[3] الكليني / الكافي / 2 / 549.

[4] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 5 / 243.

[5] المصدر نفسه / 5 / 242.

[6] الأمين الحسيني العاملين أعيان الشيعة / 4 / ق 3 / 245 و انظر مصدره.

[7] سورة البقرة، 186.

[8] سورة النور، 77.

[9] الكليني / الكافي / 2 / 534.

[10] محمد حسن آل ياسين / الامام محمد الجواد / 70.

[11] الكليني / الكافي / 2 / 548.

[12] الكليني / الكافي / 2 / 548.

[13] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 10 / 232.

[14] ظ: باقر شريف القرشي / حياة الامام محمد الجواد / 73، و انظر مصدره.