بازگشت

مشهد الامام محمد الجواد في الكاظمية المقدسة


الكاظمية المقدسة روضة غناء تحيط بها أزاهير الرياحين، و تتخللها حدائق الورد، و لتعمرها البساتين الفارعة في أشجارها و نخيلها، و يكاد أن يحيط أراضيها نهر دجلة من ثلاث جهات تستدير عليها، ينعش من هوائها، و يطيب مناخ أجوائها، حتي عادت مصطفافا و مرتعا، و فيها البناء التراثي في عمارتها القديمة، و فيها البناء الجديد في طوابقه و مدارجه، و من حولها البيوت الفارهة و القصور المعتدلة في تنظيمها و اصطفافها، و قد اتسعت في العمارة و البناء حتي كادت تبلغ العطيفية شرقا، و التاجي جنوبا، و سواهما شمالا و غربا، و في وسطها يربض مشهد الامامين موسي بن جعفر (عليه السلام) و حفيده الامام محمد الجواد (عليه السلام) و هو من الخارج حتي الداخل عبارة عن صحن كبير بين الاستطالة و التربيع، ذي جدار ضخم و سور عال علي أساس متين من الآجر و الطابوق الأثري القديم، بنيت من داخله غرف من جهاته الأربع يأوي اليها الزائرون عند الحاجة، و فيها المكتبات و مقرات بعض العلماء و رجال الدين، و عادة ما يدفن فيها العلماء و أهل الدين و الأشراف و أعيان الشيعة، و أمام كل غرفة ايوان بمساحة أربعة عشرا مترا تقريبا بلطت باحته بالرخام، و غلفت جدرانه بالكاشاني المقرنص و المزركش و المزجج، و يحتوي الصحن علي عشرة أبواب للداخل اليه و الخارج منه.

و قد وصف الشيخ راضي آل ياسين الصحن بقوله: «و هو محل متسع الساحة ذرعه من شرق الي غرب 130 مترا، و طوله من جنوب الي شمال



[ صفحه 262]



135 مترا، و قد أحيط بسور بنيت في وجهه الغرف و الايوانات، فأشغلت من سعته مستديرا عرضه سبعة أمتار، و أرضه المحفوفة بالايوانات و الغرف مفروشة كلها بالمرمر، و في باطنها سراديب محكمة البناء... طولا و عرضا و عمقا، و هي مرتبة بأشكال لطيفة و نقوش طريفة، و في جبهة هذا السور كتيبة فائقة الحسن، و بقلم ثلثي تقرؤ بعض سور القرآن المجيد، و تنتهي بالزاوية التي بالشمال الغربي لصحن المراد... و تشق في هذا السور الايونات التي في وسطها الغرفات، فتراها مرتبة منظمة تروق العيون، و هي (86) ايوانا و (75) غرفة و ذلك لأن بعض مواقع الايونات اتفقت مداخل للصحن، ففي الجبهة القبلية ثلاثة و عشرون ايوانا، منها ايوانان صغيران في الزاويتين، و اثنتان و عشرون غرفة لمكان الباب الكبير أواسط هذه الجهة.

و في الجهة الشرقية ثلاثة و عشرون ايوانا، منها أربعة صغار في الزاويتين و في جانبي الباب الكبير، و تسع عشرة غرفة لمكان البابين الصغير و الكبير...

و في الجهة الغريبة ثلاث و عشرون ايوانا، منها أربعة صغار كما في الصحن الشرقي، و احدي و عشرون غرفة لمكان البابين الكبير و الصغير في هذه الجهة.

و في الجهة الشمالية أربعة عشر ايوانا و اثنتا عشرة غرفة لمكان البابين الشماليين» [1] .

و يفضي الصحن الشريف الي طارمات ثلاث مسقفة ببناء ضخم، و قد زينت بالنقوش الثمينة بالذهب و الفضة و الازورد و (العينة كاري) و هي قطع المرايا الصغيرة المصنوعة بأشكال هندسية عاكسة ثلاثية و رباعية و خماسية و سداسية. و هذه الطوارم الثلاث هي:



[ صفحه 263]



1- طارمة باب المراد، و هي الطارمة الشرقية.

2- طارمة قريش، و هي الطارمة الغربية.

3- طارمة القبلة، و هي الطارمة الجنوبية.

و قد وصفها جميعا بأحجامها و أشكالها و كتابات جدرانها الشيخ آل ياسين. [2] .

و يتخلل كل طارمة ايوان ذهبي أو زجاجي علي نمط فريد من الأحكام و الهندسية المعمارية، و تفصل هذه الطوارم بجدار أروقة الحرم الشريف، عن طريق الأبواب الذهبية التي توصل ايوان الطارمة بالرواق المفضي الي الحرم المطهر، و أكبرها طارمة (باب المراد) المسماة تبركا بلقب الامام محمد الجواد (عليه السلام).

و هذه الأروقة جميعها يفضي بعضها الي بعض من جهات الحرم الشريف الأربع، و كلها مبلطة بالرخام الثمين المرمري، و جدرانها مزينة بالرخام النفيس الي ارتفاع أكثر من مترين، ثم تبدو الجدران و السقوف كلها مزينة و منقوشة بالمرايا و الزجاج المقرنص و المقطع بأشكال هندسية خاصة تسمي بالعرف (العينة كاري) و هذه الأروقة ثلاثة سميت بأسماء الجهات التي تتجه اليها و هي الرواق الشمالي، و الرواق الغربي و الرواق الشرقي، و هي تتصل بالروضة المقدسة للامامين الكاظم و الجواد (عليهماالسلام) من خلال عدة أبواب، أهمها أبواب الرواق الشرقي، و بينه و بين الحرم بابان، و يتصل من جهته الشرقية بطارمة باب المراد عدة أبواب هي:

الباب الشمالي، و الباب الجنوبي، و الباب الأوسط.



[ صفحه 264]



و ليس بالامكان عزل الامام الكاظم عن حفيده الامام الجواد في حديثنا عن الحرم الكاظمي الشريف، فقد اضطم علي جثمانيهما الطاهرين، و هي فرصة نتحدث بها عن الضريحين المباركين و توابعهما بحسب الاجمال باذن الله تعالي.

و الروضة المقدسة قد وصفها وصفا ميدانيا دقيقا سماحة الأخ الشيخ محمد آل ياسين بقوله:

«و نعني بها (الروضة) [3] ذلك الفضاء المحيط بالضريح داخل المشهد مما اصطلح الناس علي تسميته ب (الروضة) و هي تنقسم الي قسمين أو روضتين:

جنوبية، و تدعي روضة الامام الكاظم (عليه السلام).

و شمالية، تدعي روضة الامام الجواد (عليه السلام).

و يصل بينهما من الشرق الغرب طريقان ضيقان، و يقع الضريح المطهر في الوسط بين الروضتين.

ان طول الضريح الفضي (6. 74 م) و عرضه (5. 17 م) و ترتفع أعلي نقطة فيه قرابة ثلاثة أمتار و نصف المترعن الأرض، و هو مشبك و منقوش علي نحو جميل جدا...

و قد أقيم علي الضريح علي قاعدة من الطابوق و الاسمنت مغلفة من خارجها بالرخام، تعلو عن أرض الروضة 22 سم، و يعلو فوقها



[ صفحه 265]



المشبك، بارتفاع 142 سم، و بعرض 107 سم لكل نافذة منه، و يفصل بين كل نافذة و أخري فاصل أو عمود مطلي بالفضة بعرض 20 سم.

و في سنة 1385 ه وضعت كتيبة قرآنية بعرض 24 سم فوق الشبابيك متصلة بها، و قد صنعت قاعدتها من الميناء، و كتبت عليها بالذهب سورتا الدهر و الفجر.

ثم تأتي فوق هذه الكتيبة نقوش ذهبية تدور حول الضريح كله بارتفاع حوالي 130 سم، و قد تم صنعها عام 1378 ه و كانت قبل ذلك من الفضة.

و يقع باب الضريح في وسط جهته الشرقية، و بداخل الضريح (الصندوقان الخشبيان) الموضوعان علي القبرين الشريفين، و هما صندوقان كبيران متساويان في الهيئة و الحجم، مسطحا أشكل، من الخشب الجيد المتين، طول كل منهما نحو ثلاثة أمتار و نصف المتر، و عرض كل منهما نحو مترين، و كذلك ارتفاعهما، و هذه الأبعاد تقريبية. و كل صندوق منهما يتكون من أربعة ألواح كبيرة، و ثمانية ألواح صغيرة، متصلة بأطراف الألواح الكبيرة، أي أن كل جهة من جهات الصندوق الأربع تتكون من ثلاثة ألواح، أحدها كبير في الوسط، و في كل طرف منه لوح صغير تعلوه الأفاريز المزخرفة و المزينة بالنقوش و الكتابات، و كل لوح منم هذه الألواح الصغيرة و الكبيرة مكون من عدد كبير من قطع صغيرة صنعت بأشكال هندسية مختلفة و متنوعة، تتصل مع بضعها فتتداخل و ترتبط بمتانة و احكام حتي يتكون منها لوح واحد منسق يحيط بأطرافه الأربعة اطار مزخرف ينتهي بالأفاريز، يعلوها الغطاء، و هو محاط بافريز بارز، و كل قطعة من تلك القطع الهندسية الصغيرة زخرف و زينت بنقوش هندسية و زهرية، و نقوش أخري مختلفة بالحفر و التطعيم و التلوين.



[ صفحه 266]



و تكاد تكون زخرفة كل لوح تختلف عن اللوح الآخر، و قد عرف هذا النقش بنقش (الخاتم) و هو أدق و أجمل نقش معروف.

و قد استعمل للزخرفة و التطعيم خشب الآبنوس، و العناب، و الليمون، و الصاج، و عظم العاج، و الجمل، و الحصان، و الأصداف، و سبائك البرونز، و المعادن الملونة، من مذهبة و مفضضة، و الأصباغ المعنوية الملونة البراقة، و دهن الصندلوس، و مواد دهنية أخري، الي غير ذلك مما لا يمكن استيفاء و صفة، كما تزين بعض الألواح كتابات نسخية مركبة متداخلة بأحرف بارزة واضحة جميلة، و قد كتب بعض الكلمات بالخط الكوفي علي طريقة النقش للتزيين»... [4] .

و ليس فيما تقدم وصفه مبالغة أو اضافة، بل هو واقع مشاهد ميدانيا أدركناه بأنفسنا، و لو سمح للخيال أن يتأنق باختيار ألفاظ الوصف لما فيه من الابداع و حسن الصنعة، لفاق الوصف هذا القدر من الاضاءة و التنوير.

«و الصندوقان مغلفان بالزجاج السميك حماية لهما من الغبار، و قد شارك في نفقة هذا الزجاج كل من الحاج عبدالهادي الچلبي الكاظمي و الحاج محمد علي أبو الصمون.

و سقف الضريح من الداخل من الخشب الساج الجيد المصنوع علي شكل نقوش هندسية و زهرية...

ان طول كل روضة عشرة أمتار و اثنان و ستون سنتمترا، بعرض سبعة أمتار و خمسة و خمسين سنتمترا، و طول كل من الطريقين الموصلين بين الروضتين 6.74 م بعرض 1.17 م.



[ صفحه 267]



و الروضة بقسميها و طريقيها مبلطة بالرخام الجيد، و تزين جدرانها من الأرض الي ارتفاع 140 سم قطع الرخام أيضا، و قد تم عمل هذا الرخام في 25 محرم الحرام سنة 1370 ه.

لم يلي الرخام كتابة قرآنية بعرض 75 سم، و تبدأ بعدها النقوش الزجاجية الرائعة المسماة ب (العينة كاري) مرتفعة علي الجدران الي باطن القبتين المنقوش بنفس بالكاشاني الجميل، و في أعلي الروضتين نوافذ للتهوية و النور تنفذ الي سطح الحرم، و يرتفع كل واحد منها حوالي مترين، و فوق هذه النوافذ من الخارج كتيبة قرآنية من الطابوق الكاشاني بعرض 60 سم، تدور حول سطح الروضتين، و قد جددت سنة 1387 ه.

والقبتان و الماذن الأربعة الصغيرة مغلفة - بأجمعها - بالذهب، و كذلك المآذن الأربعة الكبيرة في قسميها العلوي من مكان وقوف المؤذن فيها الي قمتها.

و علي الرغم من عدم استطاعتنا تحديد ارتفاع القبتين و المآذن و ضبط قطر كل منها، فقد علمنا من بعض المطلعين أن عدد الطابوق الذهبي في كل قبة سبعة آلاف طابوقة بامتداد 20 سم ضربدر 20 سم لكل واحدة» [5] .

هذه قبسات لامعة - قد تكون مفيدة - من تاريخ المشهد الكاظمي ضمت بين دفتيها أبعادا وصفية ميدانية لضريحي الامامين العظيمين موسي بن جعفر و محمد الجواد (عليهماالسلام) و هي تسجل جزءا من التطور التاريخي الجاري علي المشهد في نظرات سريعة.

و هنا ينبغي أن نشير أن سيدنا الأستاذ الامام السيد أبوالقاسم الخوئي «قدس سره»، قد أوعز قبل ربع قرن من الزمان باقامة ضريح



[ صفحه 268]



جديد نفيس للروضة الكاظمية المقدسة، و تصميم ذلك وفق أحدث المواصفات الفنية التي تتوافق و معالم التطور الحضاري في صنع الضرائح جدة و هندسة و براعة و مادة مزيجة بين الذهب الخالص و الفضة المنتقاة، و لوائح الزجاج المرمري النفيس، و صفائح الساج الثمين، و قد حالت الحكومة البائدة والحرب العراقية الايرانية عن وصوله الي الكاظمية، و قد علمت - اجمالا - بأنه صنع بأمانة و اتقان علي أيدي أمهر الصناع و العملة و المهندسين المتخصصين في العالم.

و في عام 2004 م قدمت لجنة من العلماء و التجار و أرباب الصناعة و رجال الفن، و كان من بينها صديقنا العلامة الجليل الشيخ محمد رضا الروحاني - كما أخبرني بذلك و هو أحد تلامذة سيدنا الأستاذ الخوئي «طاب ثراه»، و هم يحملون الضريح المطهر بصناديق و خزائن محكمة لغرض القيام بنصبه.

و قد تم نصبه في موقعه من الروضة الكاظمية المباركة علي القبرين الشريفين منذ عام علي ما حدثني به ولدنا المفضال الشيخ حسين آل ياسين «دام مجده»، و لم أستطع الوقوف علي ذلك بنفسي، فقد حالت برامج الارهاب الدموي، و جرائم القتل السياسي و الطائفي عن سفرنا الي بغداد و الكاظمية منذ سقوط النظام و حتي اليوم: الجمعة 11 / شوال / 1427 ه مساوي 3 / 11 / 2006 م. و الله المستعان، و هو حسبنا و نعم النصير.



[ صفحه 269]




پاورقي

[1] راضي آل ياسين / تاريخ الكاظمية / فصل منه / اعداد سبطه الطيب محمد حسين آل ياسين / 163 - 162. عن مجلة الهدي العمارية.

[2] المرجع السابق / 189 - 187.

[3] و يبدو لي أن هذه التسمية منشأ قديم يمتد لي عهد الرسول الأعظم (ص) حيث قال: (بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة) فعمم هذا القول علي الضرائح المقدسة، و وصف به حرم كل امام من أئمة اهل البيت عليهم السلام.

[4] محمد حسن آل ياسين / تاريخ المشهد الكاظمي / 70 - 69.

[5] محمدحسن آل ياسين / تاريخ المشهد الكاظمي / 158 - 154.