بازگشت

الامام يناظر في السنة


و كما ناظر الامام محمد الجواد (عليه السلام) في القرآن و شؤونه في ضوء قضايا التوحيد القائمة في مضمار التنظير الكلامي، فانه - (عليه السلام) - ناظر في السنة الشريفة، ورد الأحاديث الموضوعة، و فند الكاذب من الروايات، بأدلة عقلية و نقلية و استقراء لعوالم الحديث الشريف.

فقد أورد فريق من المؤرخين أن المأمون بعد ما زوج الامام من ابنته أم الفضل، كان في احدي مجالسه، و عنده الامام (عليه السلام)، و يحيي بن أكثم قاضي القضاة، و جماعة آخرون من الوجوه و الأعيان و القادة.

فقال يحيي بن أكثم للامام محمدالجواد (عليه السلام):

ما تقول يا ابن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): في الخبر الذي روي أنه نزل جبرائيل (عليه السلام) علي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و قال: يا محمد، ان الله عزوجل يقرؤك السلام و يقول لك: سل أبابكر، هل هو عني راض؟ فاني عنه راض!! فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام): لست بمنكر فضل أبي بكر، و لكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) في حجة الوداع:

«قد كثرت علي الكذابة، و ستكثر فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدة من النار، فاذا أتاكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي،



[ صفحه 240]



فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به، و ما خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به».

و ليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال تعالي: (و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [1] فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتي سأل من مكنون سره؟ هذا مستحيل في العقول.

ثم قال يحيي بن أكثم: و قد روي أن مثل أبي بكر و عمر كمثل جبرائيل و ميكائيل في السماء؟!!

فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):

و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه، لأن جبرائيل و ميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا بالله عزوجل، و ان أسلما بعد الشرك، و كان أكثر أيامهما في الشرك بالله، فمحال أن يشبهما بهما.

قال يحيي: و قد روي أنهما سيدا كهول أهل الجنة!! فما تقول فيه؟

فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):

و هذا الخبر محال أيضا، لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، و لا يكون فيهم كهل، و هذا الخبر وضعه بنوا أمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) في الحسن و الحسين بأنهما: سيدا شباب أهل الجنة. فقال يحيي بن أكثم: و روي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة!!



[ صفحه 241]



فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):

و هذا أيضا محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم و محمد و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضي ء بأنوارهم حتي تضي ء بنور عمر؟.

فقال يحيي بن أكثم: و قد روي ان السكينة تنطق علي لسان عمر!!

فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):

لست بمنكر فضائل عمر، و لكن أبا بكر أفضل من عمر، فقال علي رأس المنبر: ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني!!

فقال يحيي: قد روي أن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: لو لم أبعث لبعث عمر!!

فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):

كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (و اذا أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسي و عيسي ابن مريم و أخذنا منهم ميثاقا غليظا) [2] فقد أخذ الله ميثاق النبيين، فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه، و كان الأنبياء عليهم السلام، لم يشركوا طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك، و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله؟

و قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): نبئت و آدم بين الروح و الجسد.

فقال يحيي بن أكثم: و قد روي ان النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: ما احتبس الوحي عني قط الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب!!

فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):



[ صفحه 242]



و هذا محال أيضا، لأنه لا يجوز أن يشك النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و في نبوته، قال تعالي: (الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس...) [3] فيكف يمكن أن تنقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالي الي من أشرك به؟.

قال يحيي بن أكثم: روي أن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: لو نزل العذاب لما نجا منه الا عمر!!

فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):

و هذا محال أيضا، أن الله تعالي يقول: (ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون) [4] .

فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و ما داموا يستغفرون الله تعالي. [5] .

و هذه المناظرة التي فرضت علي الامام فرضا بقصد اثارة الصراع الانساني، أجاب الامام عن مفرداتها بالدليل العقلي تارة، و بالدليل النصي تارة أخري، دون أن تمس بأحد مسا عنيفا، و لكن أجوبته كانت مسكتة بحيث لم يتجرأ السائل أن يجد فيها مطعنا فيرد عليها، و انما أفحم افحاما لا متنفس معه.



[ صفحه 245]




پاورقي

[1] سورة ق، 16.

[2] سورة الأحزاب، 7، و الآية لن ترد كلها في الرواية فأكملناها.

[3] سورة الحج، 75.

[4] سورة الأنفال، 33.

[5] الطبرسي / الاحتجاج / 230 - 229، المجلسي / البحار / 83 - 80.