بازگشت

استقراء الغيب المجهول لدي الامام محمد الجواد


هنالك حديث شريف متواتر عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و هو قوله:

«أنا مدينة العلم و علي بابها... فمن أراد العلم فليأت الباب».

هذا الحديث الشريف يروي عن مائة و ثلاثة و أربعين مصدرا من مصادر أهل السنة.

و قد صححه اثنان و عشرون اماما من أئمة الحديث من علماء الجمهور فضلا عن اجماع الامامية عليه. [1] .

و اذا كان الأمر كذلك، و هو كذلك، فعلم أميرالمؤمنين (عليه السلام) مصدره صاحب الرسالة الغراء محمد (صلي الله عليه و آله و سلم)، و مصدر صاحب الرسالة الوحي عن السماء، و اذا روي الجمهور في أحاديثه الصحيحة علي شرط الشيخين مسلم و البخاري عن عمر بن الخطاب و أبي سعيد الخدري و حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم، و سواهم من شيوخ الصحابة أن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قام خطيبا (فلم يدع شيئا و يكون الي قيام الساعة الا أخبرهم به) أو أنه (حدثهم بما هو كائن الي أن تقوم الساعة) [2] .



[ صفحه 116]



فهل تري ان عليا (عليه السلام) كان يغفل عن ضبط و وعي و حفظ بل و تدوين ذلك، و هو صنو النبي و عيبة علمه و كان يلازمه ملازمة الظل للشاخص؟؟

الحق أن عليا من خلال مسؤوليته الرسالية و موقعه القريب من النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) كان معنيا بتسجيل ما يدور في هذا المحور بل و يدون ذلك أولا بأول كما ستري، فقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام):

«ان عندنا ما لا نحتاج معه الي الناس، و ان الناس ليحتاجون الينا، و ان عندنا كتابا باملاء رسول الله (صلي الله عليه و اله و سلم) و خط علي (عليه السلام)، صحيفة فيها كل حلال و حرام، و انكم لتأتون بالأمر فنعرف اذا أخذتم به، و نعرف اذا تركتموه» [3] .

و كان أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) يجمع «علم ما يحتاج الناس اليه من الحلال و الحرام حتي ارش الخدش» [4] .

و الامام جعفر الصادق (عليه السلام) يؤكد في هذا الخصوص علم أميرالمؤمنين يضاف اليه افادة الأئمة من بعده هذا العلم المتوارث يقول الامام (عليه السلام): «ان عليا كان عالما، و العلم يتوارث، و لن يهلك عالم الا بقي من بعده من يعلم علمه، أو ما شاء الله» [5] .

و يؤكد هذا ما رواه الحاج خليفة عن الشيخ كمال الدين بن طلحة الشافعي (ت 652 ه) بقوله:



[ صفحه 117]



«ان الأئمة من أولاد علي كانوا يعرفون (الجفر) رواية عن جدهم أميرالمؤمنين (عليه السلام)، و يخبرون عما جاء فيه من (أبناء الغيب) و أحكام الدين و هم يتوارثون ذلك كله» [6] .

و أنباء الغيب هذه تعلم من ذي علم، و قد كان الامام علي أميرالمؤمنين دقيقا في الرد علي من نسب اليه علم الغيب أصالة، فقال:

«ليس هو بعلم غيب، و انما هو تعلم من ذي علم و انما علم الغيب: علم الساعة و ما عدده الله بقوله:

(ان الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ما ذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير) [7] .

و ما سوي ذلك، فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه، و دعا لي بأن يعيه صدري، و تضطم عليه جوانحي» [8] .

فما تحدث عنه الامام علي (عليه السلام) من أبناء الغيب، و كذلك الأئمة المعصومون من بعده ليس من علم الغيب اختصاصا، و لكنه من علم الغيب افاضة، و شتان بين الاختصاص و الافاضة، فعلم الغيب بحد ذاته مما يختص به الله وحده فهو كصفة ذاتية لله عزوجل، و غيره يعد حالة استثنائية ممكنة، يخص بها الله من يشاء من عباده.

و علم الغيب بالملحظ الأول عبارة عن رصد حقائق الأشياء في الغيب المجهول تلقائيا، و التحدث عنها بلغة قاطعة فوق المنظور



[ صفحه 118]



الاعتيادي، باعتبارها واقعة حقيقية دون شك، و هذا ما يختص به الله وحده و لكن الله عزوجل قد أخبر نبيه بجزء من علم الغيب فيما مضي و مستقبليا، كما ورد ذلك في القرآن العظيم و أخبر بها الناس كالحديث عن خلق آدم، و سجود الملائكة له الا ابليس، و قتل قابيل هابيل، و قصة نوح و الطوفان، و حديث ابراهيم و قومه و القائه في النار، و الأصنام، و الكواكب، و الهجرة، و بناء البيت، و ضيف ابراهيم المكرمين، و نبأ عاد و ثمود، و أهل الكهف، و ذوي القرنين، و قصص موسي و فرعون، و حياة عيسي و يحيي و سليمان و داود و أيوب و يعقوب و يوسف و الأنبياء الآخرين ممن سلفوا، و تحدث عنهم القرآن غيبيا.

يضاف الي هذا كله، حديث القرآن عن غلبة الروم و غلبها، و عن فتح مكة، و عن انهزام الجمع، و عن انتصار المسلمين، كل ذلك في زمن مستقبلي، و حدث ذلك كله.

و كما كان هذا أمرا واقعا كان غيره أمرا ممكنا، فالله وحده قد خص الأنبياء و النبي محمدا بالذات، بايحاء كثير من علم الغيب، و لا استحالة عقلية من أن يكون النبي (صلي الله و عليه و آله و سلم) قد أفاض بذلك - جزءا أو كلا - علي أميرالمؤمنين (عليه السلام)، و أميرالمؤمنين قد أفاض ذلك علي المعصوم من ولده و هكذا...

و اذا أمكن ذلك شرعا و عقلا، فلا مانع من تحققه فعلا و استقراء [9] .

و الدليل علي ما تقدم من القول قوله عزوجل:



[ صفحه 119]



(عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا - الا من ارتضي من رسول) [10] .

و المعني في الآية الأولي: ان الله وحده هو عالم كل غيب يختص به، فلا يطلع علي الغيب - و هو مختص به - أحد من الناس.

و المفاد في هذا هو السلب الكلي، أي لا يظهر علي غيبه أحدا.

و في الآية الثانية في قوله (الا من ارتضي من رسول) استثناء من قوله (أحدا) في الآية الأولي.

و (من رسول) بيان لقوله (من ارتضي).

فيفيد أن الله تعالي يظهر رسله علي ما شاء من الغيب المختص به. [11] .

فهو جل جلاله يتعالي بعلم الغيب بذاته أصالة، و هو اذا شاء يعلم غيره تبعا.

و اذا سلمنا بهذا، فلا مانع أن يفيض الله من هذا الغيب علي النبي محمد (صلي الله عليه و اله و سلم) و النبي يفيض علي الامام (عليه السلام)، لاكمال متطلبات الرسالة، بدليل قوله: (أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون) [12] .

و هذا العلم عند أئمتنا (عليهم السلام)، تعلم خاص من ذي علم، للغاية التي بعث الله بها الأنبياء، باعتبار الامامة امتدادا حتميا للنبوة.



[ صفحه 120]



و هذا ما جعل الأسئلة تتوالي علي الأئمة المعصومين، لشيوع هذه الظاهرة في أحاديثهم، فكانت الاجابات متقاربة يتمم بعضها بعضا في ضوء ما بيناه سلفا.

فعن عمار الساباطي، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام)، عن الامام: يعلم الغيب؟ قال: لا، لكن اذا أراد ان يعلم الشي ء أعلمه الله ذلك» [13] .

و هنا نقطة جديرة باللحاظ: ان الامام نفي عنهم علم الغيب ذاتيا، و لم ينفه عنهم عرضيا، و أثبته للامام اذا اقتضت الضرورة الدينية، و ينبغي الالتفات ذهنيا الي ما رواه معمر بن خلاد، قال: سأل أبا الحسن (عليه السلام) رجل من فارس فقال له:

أتعلمون الغيب؟ فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام) يعني الامام الباقر: «يبسط لناالعلم فنعلم، و يقبض عنا فلا نعلم».

و قال: «سر الله عزوجل أسره الي جبرئيل، و أسره جبرئيل الي محمد (صلي الله عليه و آله و سلم)، و أسره محمد الي من شاء» [14] .

و قد استنكر الأئمة (عليهم السلام)، اضافة علم الغيب اليهم ذاتيا حتي يكون هناك غلو و افراط في التقدير، و لئلا يفسح المجال لقول ما يخرجهم عن كونهم عبادا لله مكرمين.

فعن الامام الصادق (عليه السلام): أنه خرج الي مجلسه يوما، و هو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال:



[ صفحه 121]



«يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب الا الله عزوجل، لقد هممت أن أضرب جاريتي فلانة، فهربت مني، فما علمت في أي بيوت الدار هي!!» [15] .

و هذا التقرير يوحي صراحة أن علم الغيب خاصة الهية لا يشاركه فيها أحد، ما في ذلك من شك، و لكنه تعالي قد يفيض من هذا الرافد علي نبيه الصادق الأمين، و يفيض رسوله علي أهل بيته، و يتحدث أهل بيته عن الأحداث المستقبلية، و عما سيكون بلغة الحتم و الجزم.

و قد يقتضي الانباء بشي ء من هذا العلم كشف الشبه، و دفع الظنون، و احراج الخصم، و اقامة الحجة، بما تترتب عليه مصلحة دينية عليا، فقد ورد في عدة مصادر:

ان أبا يوسف القاضي و محمد بن الحسن الشيباني زارا الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) في السجن و قال أحدهما للآخر: نحن علي أحد أمرين؟ أما أن نساويه أو نشكله!! فجلسنا بين يديه، فجاء رجل كان موكلا بالامام من قبل السندي فقال:

ان نوبتي قد انقضت، و أنا علي الانصراف، فان كان لك حاجة أمرتني حتي آتيك بها في الوقت الذي تخلفني النوبة، فقال الامام (عليه السلام): مالي حاجة.

فلما خرج، قال الامام لأبي يوسف و صاحبه: ما أعجب هذا؟ يسألني أن أكلفه حاجة من حوائجي ليرجع، و هو ميت في هذه الليلة!!



[ صفحه 122]



فقاما، و قال أحدهما للآخر انا جئنا نسأله عن الفرض و السنة، و هو الآن جاء بشي ء كأنه من علم الغيب!!

ثم بعثا برجل مع الرجل فقالا: اذهب حتي تلزمه، و تنظر في أمره هذه الليلة... فمضي الرجل فنام في مسجد في باب داره فلما أصبح سمع الناعية و رأي الناس يدخلون داره!! فقال: ما هذا؟

قالوا: مات فلان في هذه الليلة... فانصرف الرجل الي أبي يوسف و محمد و أخبرهما الخبر، فأتيا أبا الحسن (عليه السلام)، فقالا: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت الليلة؟

قال الامام: من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) علي بن أبي طالب!! فلما رد عليهما بهذا بقيا لا يحيران جوابا. [16] .

و هذا باب متسع لدي الأئمة المعصومين (عليه السلام)، و هو ليس من قبيل الفراسة أو الحدس أو التخمين، و انما هو تعلم من ذي علم.

اذا ثبت هذا و هو ثابت دون ريب، فقد كان ما فاجأبه الامام الجواد (عليه السلام) الأمة باستقراء الغيب المجهول، و التحدث الجازم بايحاء اللمح الغيبي، و القول الصادق بأنباء مستقبلية ليس أمرا جديدا، و انما هو جار بسبيل من سبل الأئمة (عليهم السلام)، حتي عاد حقيقة تاريخية واقعة.

هذه الحقيقة أشار اليها أميرالمؤمنين (عليه السلام) بقوله:



[ صفحه 123]



«الا، و انا أهل البيت، من علم الله علمنا، و بحكم الله حكمنا، و من قول صادق سمعنا، فأن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، معنا راية الحق، و من تبعها لحق، و من تأخر عنها غرق» [17] .

و الامام محمد الجواد (عليه السلام) في القمة الشامخة من هذا العلم اللدني، اذ لم يتكأ في علمه علي أساتيذ و شيوخ و حلقات درس، و من كان علمه من علم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، فهو في غني جميع طرائق التعليم.

و الامامية لا تستكثر علي أئمتها أي امداد تصاعدي في العلم الموهبي، و كذلك ذو و النظر العقلي من أهل الاسلام، بما في ذلك ما تحقق علي يد الصبي الامام محمد الجواد و الذي بعث الانبهار و العجب العجاب في شتي الأصعدة و المستويات.

يقول الأستاذ محمد حسن آل ياسين:

«لن يخالجنا أي احساس بعجب أو استغراب عندما نقف علي المأثور عن الامام الجواد، و علي ما قيل في سعة علمه و غزارة فضله، و عندما نلمس تدفق ذلك العطاء الفكري و امتداد آفاقه المترامية، علي الرغم من صغر سن الامام بالقياس الي الحسابات المتداولة في أعمار الناس، و ما يمكن أن يتعلموه في مثل تلك المدة الزمنية من العمر» [18] .

و كان هذا التقرير فيما يتعلق بافاضات الامام العلمية التي لا تناسب عمره الشريف في سن الصبا، فاذا أضفنا الي ذلك مشاهد اللمح



[ صفحه 124]



الغيبي في استقراء المجهول من قبل الامام و استباق الأحداث في انباءات الامام القاطعة، خرجنا بحصيلة جديدة تخرق العادة في استكناه الحقائق.

و لهذا فان ما ورد عن الامام في هذا المجال يعتبر بحق ظاهرة من ظواهر كشف الأستار و الحجب عن الوقائق القادمة بكل دقة و أمانة بحيث لا تتخلف الأخبار عن اصابة الواقع في شي ء مطلقا، و شواهد ذلك كثيرة كما ستري.

فعن ابراهيم بن محمد، قال: كان أبوجعفر محمد بن علي كتب الي كتابا، و أمرني أن لا أفكه حتي يموت يحيي بن أبي عمران.

قال: فمكث الكتاب عندي سنتين فلما كان اليوم الذي مات فيه يحيي بن أبي عمران فككت الكتاب فاذا فيه:

«قم بما كان يقوم به أو نحو هذا من الأمر: و كان ابراهيم يقول كنت لا أخاف الموت ما كان يحيي بن أبي عمران حيا» [19] .

و في هذا الكتاب ملحظان غيبيان:

الأول: الانباء بأن عمر ابراهيم بن محمد أطول من عمر وكيله يحيي بن أبي عمران لهذا، أسند اليه الأمر قبل وفاة يحيي بسنتين.

الثاني: القطع بأن ابراهيم بن محمد سوف لا ينحرف عن منهج أهل البيت طيلة هذه المدة بحيث استحق وكالة الامام، أو القيام بمهمة يحيي بن أبي عمران من بعده.



[ صفحه 125]



و عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت علي أبي جعفر الثاني، و معي ثلاث رقاع غير معنونة و اشتبهت علي، و اغتممت لذلك فتناول الامام احداهن، و قال: هذه رقعة الريان بن شبيب، و تناول الثانية، و قال: هذه رقعة محمد بن أبي حمزة، و تناول الثالثة، و قال: هذه رقعة فلان.

فبهت، فنظر الي و تبسم» [20] .

فبماذا نعلل هذا الانباء؟ و كيف يتم هذا الاكتشاف؟ و بم تفسر هذه الظاهرة؟ لقد ملكت الدهشة الوسط المحيط بالامام، و هما فريقان، أولياؤه و أعداؤه. أما الأولياء فآمنوا بالعلم الموهبي للامام. و أما الأعداء فكانوا بين بين، بين التسليم و بين العناد.

و هكذا شأن الناس، فعن محمد بن حمزة عن محمد بن علي الهاشمي، أنه دخل علي الامام الجواد، و أصابه العطش، و كره أن يدعو بالماء، يقول: فنظر أبو جعفر (عليه السلام) في وجهي، و قال: أراك عطشان؟ قلت: أجل. قال: يا غلام اسقنا ماء. فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم، و اغتممت لذلك.

فأقبل الغلام و معه الماء، فتبسم في وجهي، ثم قال: يا غلام، ناولني الماء، فشرب منه ثم ناولني فشربت، و أطلت عنده فعطشت فدعا بالماء ففعل كما فعل في المرة الأولي.

فشرب ثم ناولني و تبسم.



[ صفحه 126]



قال محمد بن حمزة: فقال لي محمد بن علي الهاشمي:

و الله اني أظن أن أباجعفر يعلم ما في النفوس، كما تقول الرافضة» [21] .

و روي الحميري أن أبا هاشم قال:

«ان أبا جعفر أعطاني ثلاثمائة دينار في صرة و أمرني أن أحملها الي بعض بني عمه، و قال: أما أنه سيقول لك:

دلني علي من أشتري بها منه متاعا، فدله:

قال: فأتيته بالدنانير، فقال لي:

يا أبا هاشم دلني علي حريف يشتري بها متاعا، ففعلت» [22] .

أتري الامام (عليه السلام) قد قرأ ما في نفس المرسل اليه فتحدث بذلك، أما أن هناك استقراء للمجهول تلوح بوادره؟

و روي عن أبي هاشم الجعفري، قال:

كلفني جمالي أن أكلم أبا جعفر (عليه السلام) ليدخله في بعض أموره، قال: فدخلت عليه لأكلمه فوجدته في جماعة فلم يمكني كلامه، فقال: يا أبا هاشم، كل، و قد وضع الطعام بين يديه، ثم قال ابتداء منه من غير مساءلة مني:

يا غلام، انظر الجمال الذي أتانا أبو هاشم فضمه اليك. [23] .



[ صفحه 127]



و لم يكن هذا اللمح الغيبي الذي يستخدمه الامام الا لتثبيت قلوب المؤمنين، و تعميق معرفتهم بمدركات الأئمة العلمية و أبعادها الطبيعية و الكسبية و اللدنية.

و أورد في الخرائج عن صالح بن عطية الأصحب، قال:

حججت فشكوت الي أبي جعفر (عليه السلام) الوحدة!!

فقال: أما انك لا تخرج من الحرم حتي تشتري جارية ترزق منها ابنا فقلت: تسير الي؟ قال: نعم، و ركب الي النخاس و كتب الي جارية، فقال: اشترها فاشتريتها فولدت محمدا ابني. [24] .

و عن عمران بن محمد الأشعري، قال:

دخلت علي أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، و قضيت حوائجي، و قلت له: ان أم الحسن تقرؤك السلام، و تسألك ثوبا من ثيابك تجعله كفنا لها، قال: قد استغنت عن ذلك!!

فخرجت، و لست أدري معني ذلك، فأتاني الخبر بأنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما أو أربعة عشر يوما. [25] .

و نظير هذا ما رواه عمران بن محمد نفسه، قال:

دفع الي أخي درعة أحملها الي أبي جعفر (عليه السلام) مع أشياء، فقدمت بها و نسيت الدرع، فلما أردت أن أودعه، قال: لي أحمل الدرع.



[ صفحه 128]



و سألتني والدتي أن أساله قميصا من ثيابه!!

فقال: ليس بمحتاج اليه!! فجائني الخبر أنها توفيت قبل عشرين يوما. [26] .

و كانت هذه الانباءات - و ما أوردناه غيض من فيض - مما كشف حجاب الريب عن أزمة الطفولة المدعاة و ألقت بمصادر التشكيك في مزبلة التأريخ، و كان لها الأثر الكبير في ترسيخ مفهوم الامامة في النفوس، لأنها دلائل و براهين ناطقة، ما اتفق أن تخلف انباؤها و لا مرة واحدة.



[ صفحه 129]




پاورقي

[1] ظ: الترمذي / الصحيح / 5 / 301، الذهبي / ميزان الاعتدال / 1 / 415، الحمويني / فرائد السمطين / 1 / 98، أبونعيم / حلية الأولياء 1 / 63، الأميني / الغدير في الكتاب و السنة و الأدب / 1 / 77 - 61.

[2] ظ: البخاري / الجامع الصحيح / 4 / 129، أبا داوود / السنن 2 / 410، الترمذي / الصحيح 4 / 483، أحمد بن حنبل / المسند 4 / 254، 5/ 385، 389، 401 و سواها من صحاح الجمهور.

[3] الكليني / الكافي / 1 / 242.

[4] الكليني / الكافي / 1 / 239 و 240 و 241، المفيد / الارشاد / 292.

[5] الكليني / الكافي / 1 / 221.

[6] حاجي خليفة / كشف الظنون / 1 / 591.

[7] سورة لقمان، 34.

[8] محمد عبده / شرح نهج البلاغة للامام علي / 239.

[9] ظ: المؤلف / الامام جعفر الصادق / زعيم مدرسة أهل البيت / 247 - 246.

[10] سورة الجن، 27 - 26.

[11] ظ: الطباطبائي / تفسيرالميزان / 20 / 53 بتصرف.

[12] سورة السجدة، 24.

[13] الكليني / الكافي / 1 / 253.

[14] الكليني / الكافي / 1 / 256.

[15] المصدر نفسه / 1 / 256.

[16] ظ: الراوندي / الخرائح و الجرائح / 202، المجلسي / البحار / 48 / 64.

[17] ابن عبد ربه / العقد الفريد / 4 / 67.

[18] محمد حسن آل ياسين / الامام محمد بن علي الجواد / 62.

[19] الصفار / بصائر الدرجات / 263، المجلسي / البحار / 50 / 38 - 37.

[20] الكليني / الكافي / 1 / 495، المفيد / الارشاد / 367.

[21] المفيد / الارشاد / 366.

[22] المجلسي / البحار / 50 / 41 و انظر مصادره و راجع / الكليني / الكافي / 495.

[23] الكليني / الكافي / 1 / 495، المجلسي / البحار / 50 / 42.

[24] المجلسي / بحارالأنوار / 50 / 43.

[25] الراوندي / الخرائج والجرائح / 237.

[26] المجلسي / بحارالأنوار / 50 / 45 و انظر مصدره.