بازگشت

المولود المبارك


هذا.. ولكن رغم كل تلك المؤامرات و الدسائس الرامية الي الحط من الامام الجواد «عليه السلام» في المناسبات المختلفة، فان الامام صلوات الله و سلامه عليه قد بقي القمة الشامخة، التي لم تنل منها العوادي، و لم تدنسها أهواء المبطلين، حتي ليقول النص التاريخي:

«احتال المأمون علي أبي جعفر «عليه السلام» بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شي ء» [1] .

نعم.. لم يمكنه من شي ء، و كان «عليه السلام» يزداد عظمة و تألقا، و يزيد أمره تجذرا و رسوخا، بشكل مرعب و مخيف لطلاب الدنيا، و علي رأسهم المأمون و العباسيون، و من تابعهم، و شايعهم، و قد استطاع «عليه السلام» أن يجتاز بالامامة و الأمة ذلك المخاض الصعب و المجهد، التي تعرضت له، علي أحسن و أفضل ما يمكن، فركز دعائم الدين، و أقام الحجة، و أنار السبيل للمدلجين. و تجسد فيه قول أبيه الامام المعصوم، علي بن موسي الرضا صلوات الله و سلامه عليه بصورة تامة و جلية:

«هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام أعظم بركة منه» [2] .

و علي حسب نص آخر: «هذا المولود، الذي لم يولد مولود أعظم علي



[ صفحه 136]



شيعتنا بركة منه» [3] .

كما أننا نقرأ في زيارته عليه الصلاة والسلام: «هادي الأمة، و وارث الأئمة، و خازن الرحمة، و ينبوع الحكمة، و قائد البركة، و عديل القرآن في الطاعة، و واحد الأوصياء في الاخلاص و العبادة. و حجتك العليا، و مثلك الأعلي، و كلمتك الحسني، الداعي اليك، و الدال عليك، الذي نصبته علما لعبادك، و مترجما لكتابك، و صادعا بأمرك، و ناصرا لدينك، و حجة علي خلقك، و نورا تخرق به الظلم، و قدوة تدرك بها الهداية، و شفيعا تنال به الجنة الخ..» [4] .

نعم.. و لم يزل أمر الامام «عليه السلام» يعلو، و نجمه يتألق، حتي أصبح - علي صغر سنه - يقر له بالعلم و الفضل المؤالف و المخالف، و العدو و الصديق.

و لربما تكون تلك المجالس التي كانت السلطة وراء اقامتها قد ساهمت في اظهار علمه و فضله، و انتشار صيته «عليه السلام» الي حد بعيد..

و من يراجع حادثة التزويج يجد الثناء العظيم عليه - و كان عمره آنئذ تسع سنين - حيث يذكر المأمون أيضا: أنه «انما اختاره لتميزه علي كافة أهل



[ صفحه 137]



الفضل علما، و معرفة، و حلما، علي صغر سنه».

كما أنه: «لم يزل مشغوفا به، لما ظهر له بعد ذلك من فضله و علمه، و كمال عظمته، و ظهور برهانه، مع صغر سنه» [5] .

و قال سبط ابن الجوزي: «و كان علي منهاج أبيه في العلم، و التقي، و الزهد، و الجود» [6] .

كما أن الجاحظ المعتزلي العثماني النزعة، و المنحرف عن الامام علي «عليه السلام» و أهل بيته الأطهار، والذي كان يعيش في البصرة، كان طويل الباع، و واسع الاطلاع، و قد كتب في كثير من الفنون، التي كانت شائعة في عصره، والذي كان معاصرا للامام الجواد، و لأبنائه من بعده «عليهم السلام»..

الجاحظ هذا - قد جعل الامام الجواد عليه الصلاة والسلام: «من الذين يعد من قريش، أو من غيرهم، ما يعد الطالبيون في نسق واحد، كل واحد منهم: عالم زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، فمنهم خلفاء، و منهم مرشحون: ابن ابن، ابن ابن، هكذا الي عشرة، و هم:



[ صفحه 138]



الحسن بن علي، بن محمد، بن علي، بن موسي، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي.

و هذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب، و لا من العجم الخ..» [7] .

و قال علي جلال الحسيني: «برز علي أهل زمنه في العلم، و الفضل، مع صغر سنه» [8] .

و قال محمود بن وهيب البغدادي الحنفي: «و هو الوارث لأبيه علما و فضلا، و أجل اخوته قدرا و كمالا» [9] .

و كلمات العلماء في هذا المجال كثيرة لا مجال لتتبعها [10] .


پاورقي

[1] الكافي ج 1 ص 413 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 396 و البحار ج 50 ص 61.

[2] البحار ج 50 ص 20 عن الخرائج و الجرائح.

[3] اعلام الوري ص 347 و الارشاد للمفيد ص 358 و الكافي ج 1 ص 258 و البحار ج 50 ص 23 و 35 عمن تقدم، و روضة الواعظين ص 237 و الصراط المستقيم ج 2 ص 167 و اثبات الوصية ص 211.

[4] مفاتيح الجنان ص 481 عن ابن طاووس في المزار، و مصابيح الجنان ص 323.

[5] راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 254 و 253 و الصواعق المحرقة ص 204 و نورالأبصار ص 161 و روضة الواعظين ص 237 و كشف الغمة ج 3 ص 143 و 160 و اعلام الوري ص 351 - 350 و الارشاد للمفيد، و غير ذلك مما تقدم في حديث الزواج.

[6] تذكرة الخواص ص 359 - 358 و عنه الامام الجواد لمحمد علي دخيل ص 72.

[7] آثار الجاحظ ص 235، و الحياة السياسية للامام الرضا ص 403 و ليراجع ما هناك من التوضيح.

[8] الامام محمد الجواد، لمحمد علي دخيل ص 76 عن كتاب الحسين ج 2 ص 207.

[9] المصدر السابق عن جوهرة الكلام ص 147.

[10] راجع علي سبيل المثال: الارشاد للمفيد، و اعلام الوري، و أعيان الشيعة ج 2 ص 33، و الفصول المهمة للمالكي ص 251.