بازگشت

العقرب تعود من جديد


و لم يقف الأمر عند حد ما جري بين الامام «عليه السلام» و المأمون و العباسيين، و لا عند حد ما جري بين الامام و المأمون و يحيي بن أكثم، حينما أراد أن يقطع الامام ولو في مسألة واحدة..

بل عادت العقرب للظهور من جديد، في ثوب يحيي بن أكثم ليطرح مسائله علي الامام. و كأني به «عليه السلام» يبتسم آنئذ بمرارة و سخرية، و لسان حاله يقول:



[ صفحه 127]





ان عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضرة



و قد كان «عليه السلام» يعلم: أن هذه المحاولات ستزيد المأمون خزيا و حقدا..

و قد جاءت الأسئلة هذه المرة ذات طعم خاص، و نكهة خاصة، اذ انها ترتبط بفضائل أبي بكر و عمر - و ذلك بحضور جماعة كثيرة، و فيهم المأمون نفسه..

فقد روي: أن المأمون بعد ما زوج ابنته أم الفضل أباجعفر «عليه السلام»، كان في مجلس، و عنده أبوجعفر «عليه السلام»، و يحيي بن أكثم و جماعة كثيرة، فقال له يحيي بن أكثم:

ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي أنه: «نزل جبرئيل «عليه السلام» علي رسول الله «صلي الله عليه و آله»، و قال: يا محمد، ان الله عزوجل يقرؤك السلام، و يقول لك: سل أبابكر، هل هو عني راض، فاني عنه راض؟!».

فقال أبوجعفر: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله «صلي الله عليه و آله» في حجة الوداع: لقد كثرت علي الكذابة، و ستكثر بعدي، فمن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده في النار، فاذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي، فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به، و ما خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به..

و ليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان



[ صفحه 128]



و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [1] فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتي سأل عن مكنون سره؟!

هذا مستحيل في العقول..

ثم قال يحيي بن أكثم: و قد روي: أن مثل أبي بكر و عمر في الأرض، كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء؟!

فقال: و هذا أيضا يجب النظر فيه، لأن جبرئيل و ميكائيل ملكان لله، لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا بالله عزوجل، و ان أسلما بعد الشرك، فكان أكثر أيامهما في الشرك بالله، فمحال أن يشبههما بهما..

قال يحيي: و قد روي أيضا: أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه؟

فقال «عليه السلام»: و هذا الخبر محال أيضا، لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، و لا يكون فيهم كهل..

و هذا الخبر وضعه بنوأمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله «صلي الله عليه و آله» في الحسن و الحسين «سيدا شباب أهل الجنة»..

فقال يحيي بن أكثم: و روي: أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.

فقال «عليه السلام»: و هذا محال أيضا، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم، و محمد، و جميع الأنبياء و المرسلين، لا تضي ء الجنة بأنوارهم حتي تضي ء بنور عمر؟!



[ صفحه 129]



فقال يحيي: و قد روي: أن السكينة تنطق علي لسان عمر.

فقال «عليه السلام»: لست بمنكر فضائل عمر، ولكن أبابكر أفضل من عمر، فقال علي رأس المنبر: «ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني»..

فقال يحيي: قد روي أن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: لو لم أبعث لبعث عمر.

فقال «عليه السلام»: كتاب الله أصدق من هذا الحديث،يقول الله في كتابه: (و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح) [2] فقد أخذ الله ميثاق النبيين، فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه؟!

و كل الأنبياء لم يشركوا بالله طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك، و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله..

و قال رسول الله «صلي الله عليه و آله»: نبئت و آدم بين الطين و الجسد.

فقال يحيي بن أكثم: و قد روي: أن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: ما احتبس عني الوحي قط الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب.

فقال «عليه السلام»: و هذا محال، لأنه لا يجوز آن يشك النبي «صلي الله عليه و آله» في نبوته، قال الله تعالي: (الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس) [3] فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالي الي من أشرك به؟!



[ صفحه 130]



قال يحيي: روي أن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: لو نزل العذاب لما نجا منه الا عمر..

فقال «عليه السلام»: و هذا محال أيضا: لأن الله تعالي يقول: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون) [4] فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله «صلي الله عليه و آله»، و ما داموا يستغفرون.. [5] .


پاورقي

[1] الآية 16 من سورة ق.

[2] الآية 7 من سورة الأحزاب.

[3] الآية 75 من سورة الحج.

[4] الآية 33 من سورة الأنفال.

[5] هذه الرواية في الاحتجاج ج 2 ص 248 - 245 و البحار ج 50 ص 83 - 80.