بازگشت

الحدث.. في نصه التاريخي


يقول النص التاريخي: انه لما عزم المأمون علي أن يزوج ابنته أم الفضل من أبي جعفر «عليه السلام»، قال له العباسيون:

«أتزوج ابنتك، و قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، و لا يعرف حلاله من حرامه، و لا فرضا من سنته؟ - و لأبي جعفر اذ ذاك تسع سنين - فلو صبرت حتي يتأدب، و يقرأ القرآن، و يعرف الحلال من الحرام؟!».

فقال المأمون: «انه لأفقه منكم، و أعلم بالله و رسوله، و سنته، و أحكامه، و أقرأ لكتاب الله منكم، و أعلم بمحكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و ظاهره و باطنه، و خاصه و عامه، و تنزيله و تأويله منكم، فاسألوه، فان كان الأمركما وصفتهم قبلت منكم»..

و في نص آخر قال لهم: «ويحكم، اني أعرف بهذا الفتي منكم»..

الي أن قال: «فان شئتم، فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت



[ صفحه 114]



من حاله..».

و في نص ثالث، بعد أن ذكروا: أنه صبي صغير السن، قال: «كأنكم تشكون في قولي، ان شئتم فاختبروه، أو ادعوا من يختبره، ثم بعد ذلك لوموا فيه، أو اعذروا»..

قالوا: و تتركنا و ذلك؟

قال: نعم.

قالوا: «فيكون ذلك بين يديك، تترك من يسأله عن شي ء من أمور الشريعة، فان أصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين. و ان عجز عن ذلك كفينا خطبه، و لم يكن لأميرالمؤمنين عذر في ذلك».

فقال لهم المأمون: «شأنكم و ذاك، متي أردتم..».

ثم تذكر الروايات: اطماعهم يحيي بن أكثم في هدايا، علي أن يحتال علي أبي جعفر «عليه السلام» بمسألة في الفقه، لا يدري ما الجواب فيها..

ثم تذكر مساءلته اياه بحضور: «خواص الدولة، و أعيانها، من أمرائها، و حجابها، و قوادها»..

ثم تذكر جوابه عليه الصلاة والسلام بذلك الجواب الدقيق و الشامل، الذي لم يكن يتوقعه أحد حتي السائل نفسه، حتي ذهل يحيي بن أكثم و ارتبك، و تحير في أمره.

تقول الرواية - و النص هنا لكتاب الاحتجاج - ما يلي:

«و خرج أبوجعفر «عليه السلام»، و هو ابن تسع سنين و أشهر،



[ صفحه 115]



فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، فقام الناس في مراتبهم، و المأمون في دست متصل بدست أبي جعفر «عليه السلام».

فقال يحيي بن أكثم للمأمون: تأذن يا أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟

فقال المأمون: استأذنه في ذلك.

فأقبل عليه يحيي بن أكثم، فقال: أتأذن لي - جعلت فداك - في مسألة؟

فقال أبوجعفر «عليه السلام»: سل ان شئت.

فقال يحيي: ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيدا؟!

فقال أبوجعفر «عليه السلام»:

قتله في حل أو حرم؟

عالما كان المحرم أو جاهلا؟

قتله عمدا أو خطأ؟

حرا كان المحرم أو عبدا؟

صغيرا كان أو كبيرا؟

مبتدئا بالقتل أو معيدا؟

من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟

من صغار الصيد أم من كباره؟

مصرا علي ما فعل أو نادما؟

في الليل كان قتله أم بالنهار؟



[ صفحه 116]



محرما كان بالعمرة اذ قتله، أو بالحج كان محرما؟

فتحير يحيي بن أكثم، و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و تلجلج حتي عرف جماعة أهل المجلس عجزه.

فقال المأمون: الحمد لله علي هذه النعمة، و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي أهل بيته، فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟!

ثم أقبل الي أبي جعفر، فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟

ثم تذكر الرواية خطبته «عليه السلام» و تزويج المأمون اياه..

الي أن قالت الرواية:

فلما تفرق الناس، و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر «عليه السلام»، جعلت فداك:

ان رأيت أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم، لنعلمه، و نستفيده..

فقال أبوجعفر «عليه السلام»: نعم، ان المحرم اذ قتل صيدا في الحل، و كان الصيد من ذوات الطير، و كان من كبارها، فعليه شاة، و ان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا..

و اذا قتل فرخا في الحل: فعليه حمل قد فطم من اللبن، فاذا قتله في الحرم، فعليه الحمل و قيمة الفرخ.

فاذا كان من الوحش، و كان حمار وحش، فعليه بقرة، و ان كان نعامة فعليه بدنة، و ان كان ظبيا فعليه شاة، و ان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفا: هديا بالغ الكعبة..



[ صفحه 117]



و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهوي فيه، و كان احرامه للحج، نحره بمني، و ان كان بعمرة، نحرة بمكة..

و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المأثم، و هو موضوع عنه في الخطأ..

و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه. و هي علي الكبير واجبة، و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه عقاب الآخرة.

فقال المأمون: أحسنت يا أباجعفر، أحسن الله اليك، فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك..

فقال أبوجعفر «عليه السلام» ليحيي: أسألك؟

قال: ذلك اليك جعلت فداك؛ فان عرفت جواب ما تسألني عنه، و الا استفدته منك.

فقال أبوجعفر «عليه السلام»: أخبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار؛ فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له؛ فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة؟ و بماذا حلت له، و حرمت عليه؟!

فقال له يحيي بن أكثم: لا والله، لا أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدنا.



[ صفحه 118]



فقال أبوجعفر «عليه السلام»: هذه أمة لرجل من الناس، نظر اليها أجنبي في أول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها طلقة واحدة، فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له..

فقال المأمون: ويحكم، أما علمتم: أن أهل هذا البيت ليسوا خلقا من هذا الخلق؟

أما علمتم: أن رسول الله «صلي الله عليه و آله»، افتتح دعوه بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام، و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين، و هما صبيان، و لم يبايع غيرهما طفلين..

أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم، و أنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!

قالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين..

و تقول الرواية أخيرا: ان المأمون التفت الي أهل بيته، الذين أنكروا تزويجه، فقال: «هل فيكم من يجيب هذا الجواب»؟!

قالوا: لا والله، و لا القاضي يا أميرالمؤمنين، كنت أعلم به منا.



[ صفحه 119]



ثم تذكر الرواية: أنه قد زوجه ابنته في نفس ذلك المجلس [1] .

أما انتقالها اليه، فكان في بلدة تكريت في سنة خمس عشرة و مئتين للهجرة، فقد قال أبوالفضل أحمد بن أبي طاهر الكاتب:

«خرج أميرالمؤمنين من الشماسية الي البردان، يوم الخميس، صلاة الظهر، لست بقين من المحرم، سنة خمس عشرة و مئتين، و هو اليوم الرابع و العشرين من آذار. ثم سار حتي أتي تكريت.

و فيها قدم محمد بن علي بن موسي، بن جعفر، بن محمد بن علي، بن الحسين بن علي بن أبي طالب من المدينة، في صفر ليلة الجمعة..

فخرج من بغداد حتي لقي أميرالمؤمنين بتكريت، فأجازه، و أمره أن يدخل عليه امرأته، ابنة أميرالمؤمنين، فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف،



[ صفحه 120]



التي علي شاطي ء دجلة، فأقام بها، فلما كان أيام الحج خرج بأهله و عياله، حتي أتي مكة، ثم أتي منزله بالمدينة، فأقام به..» [2] .


پاورقي

[1] راجع فيما تقدم: الاتحاف بحب الأشراف ص 172 - 171 و تحف العقول ص 453 - 451 و الاختصاص ص 101 - 98 و الاحتجاج ج 2 ص 245 - 240 و كشف الغمة ج 3 ص 144 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 381 و جلاء العيون ج 3 ص 108 و الصواعق المحرقة ص 204 و نور الأبصار ص 161 و دلائل الامامة ص 208 - 206 و روضة الواعظين ص 238، فما بعدها، و الارشاد للمفيد ص 359 و 360 فما بعدها و اعلام الوري ص 351 فما بعدها و البحار ج 50 ص 75 عن الاحتجاج، و عن تفسير القمي، و الامام محمد الجواد، لمحمد علي دخيل ص 41 - 37 و أعيان الشيعة ج 2 ص 34 - 33. و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 256 - 253.

[2] بغداد ص 143 - 142.