التجربة المأساة
و قد عرفنا فيما سبق: أن المأمون كان يهتم بجمع العلماء، و أرباب الكلام، من أهل الفرق والملل، ليناظروا الامام الرضا «عليه السلام»، علي أمل أن يقطعه واحد منهم، و لو في مسألة واحدة..
و قد كثرت هذه المناظرات و زادت، ولكن حصادها كان هو اظهار عظمة الامام، و الخيبة و الخزي لأعدائه، و المأمون منهم، فندم المأمون حيث لا ينفعه الندم، ثم اقترف جريمته النكراء بحق الامام الرضا «عليه السلام»، حسبما هو معروف و مشهور..
والآن.. فلماذا لا يجرب هذا الأسلوب مرة أخري مع ولده الجواد، الذي ظن: أنه بسبب صغر سنه، لا خبرة له بأساليب الكلام، و لا معرفة له بدقائق الحقائق، و لم تكفه اجابة الامام علي سؤاله عما صاده البازي الأشهب.. فلعلها كانت رمية من غير رام.. و لعل.. و لعل..
و تجربة واحدة، لو أحكم تدبيرها، و وضعت الخطة له بدقة و عناية، فلربما تنهي هذا الأمر، و تضع حدا لجميع المشاكل المحتملة، و تقضي علي مصدر كل المتاعب و الأخطار،و الي الأبد..
[ صفحه 112]
و ان لم تنجح هذه التجربة، بتحقيق هذا الهدف الكبير، فان بامكانها أن تحقق قسطا هاما من التقدم في هذا السبيل..
و خاض المأمون غمار هذا الحدث، بكل ما لديه من حنكة و دهاء، و رصد لها كل ما يملك من رصيد معنوي و سياسي، و نفذها بعناية فائقة، و دقة لا تجاري..
ولكن هل استطاع المأمون أن يؤمن حتي الحد الأدني من النجاح في هذا المجال؟!
هذا ما سوف يتضح لنا فيما يلي من صفحات..