بازگشت

طائفة الشيعة.. و موقعها


و اذا نظرنا الي طائفة الشيعة الامامية، فسنجد: أنها تعتبر من أعرق الفرق و أشهرها، و أبلغها حجة، و أشدها في الصراع الفكري شكيمة.. حتي لقد بلغ



[ صفحه 59]



من قوتها، و عظمة دعوتها: أن اضطرت السلطة للتعامل مع قائدها و زعيمها - و هو الامام الرضا «عليه السلام»، الذي اغتالته بالأمس - بذلك الأسلوب الخاص، والنادر جدا، و الفريد من نوعه.. و ذلك بالبيعة له بولاية العهد، حتي اذا رأوا أنهم قد فشلوا في تحقيق مقاصدهم، بادروا الي التخلص منه بالطريقة التي عرفها كل أحد، و هي دس السم اليه، حسبما أوضحناه، في كتابنا: «الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام».

و ذلك ان دل علي شي ء فانما يدل علي قوة حجة الأئمة «عليهم السلام»، ثم علي مدي نفوذ و قوة فرقة الشيعة الامامية، و تأثير كلمتها، و آرائها في الناس، و في عواطفهم، و مواقفهم.

الي حد أن سائر الفرق، أصبحت تري فيها: أنها أقوي منافس فكري عقائدي لها، و أنها هي الأوضح حجة، و الأبين دليلا، و أنها لو أفسح لها المجال، فسوف تكتسح الساحة، و تستقطب مختلف قطاعات الأمة، بما تملكه من فكر حي، و بما لها من أصالة متجذرة في أعماق الفطرة، و العقل، و الوجدان.

و هذا معناه: أن أي حدث عقائدي فريد من نوعه، و خطير تتعرض له هذه الفرقة بالذات.. كصيرورة الامامة الي من هو في سن السبع أو الثمان سنوات.. لسوف يلفت أنظار خصومها، و يشد عقولهم اليه، و سوف تغريهم السلطة، و طبيعة الحدث معا، بالاستفادة من هذه الحالة العارضة، لشن هجوم عنيف و حاسم، يستهدف الفكر العقائدي لهذه الفرقة في الصميم..



[ صفحه 60]



و هذا الهجوم سيثلج صدر السلطة، التي لن تألوا جهدا، و لن تدخر وسعا في المساعدة عليه، و خلق الظروف الملائمة لتحقيق أكبر قدر من النجاح له.. لأنه ينسجم كل الانسجام مع أطروحتها الرامية للتخلص من الفكر العقائدي لهذه الفرقة، و محوه من الوجود بالكلية..

و اذا ما أتيح لهم و للسلطة ذلك، فان جميع فرص النجاح علي الصعيد العام، لسوف تكون متاحة لهم، و يحق لهم - و الحالة هذه - أن يحلموا بمستقبل زاهر، يحمل لهم معه كل الامتيازات و المكاسب، دونما رقيب، و دونما منازع، حيث لم يعد ثمة ما يمكن أن يعتبر خطرا جديا يتهدد المستقبل العقائدي لهؤلاء، و السياسي لأولئك علي حد سواء..

نعم.. ان معاصرة هذه الفرقة لتلك النهضة الفكرية القوية جدا منذ بدايتها، و لمدة طويلة، في أعظم الأمور حساسية، و هو أمر الامامة و القيادة.. و في حالة مثيرة للانتباه، لافتة للنظر، و هي تشير للخصوم بأن هذه الفرقة في أشد حالات الضعف و الوهن - بنظرهم - المتمثل في صغر سن الامام الجواد «عليه السلام»، ثم الامام الهادي عليه الصلاة والسلام، و الامام الحجة المنتظر صلوات الله عليه من بعده.

ثم استمرار هذه الحالة لسنوات كثيرة، ترافق ذلك الانفتاح و التجاذب الفكري - ان ذلك - من شأنه أن يهي ء الفرصة، و يثير الشهية لطرح ما أمكنهم من الأسئلة التشكيكية، و اثارة كل ما يقع تحت يدهم من الشبهات في أعظم قاعدة دينية، تخاض من أجلها اللجج، و بذلت، و تبذل دونها المهج، حتي ليقول الشهرستاني:



[ صفحه 61]



«و أعظم خلاف بين الأمة خلاف الامامة، اذ ما سل سيف في الاسلام علي قاعدة دينية، مثل ما سل علي الامامة في كل زمان» [1] .

و لهم أن يتخيلوا كيف أن ذلك سيجبر فرقة الشيعة الامامية الي الانسحاب من الساحة، لتقبع في زوايا الخمول، و ليؤول أمرها - من ثم - كما آل أمر كثير غيرها الي الاضمحلال و التلاشي.


پاورقي

[1] الملل و النحل ج 1 ص 24.