الامام الجواد و الشيعة
و يقول مؤلف كتاب عيون المعجزات و غيره: «.. لما قبض الرضا «عليه السلام» كان سن أبي جعفر نحو سبع سنين؛ فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد، و في الأمصار. واجتمع الريان بن الصلت، و صفوان بن يحيي و محمد بن حكيم، و عبدالرحمن بن الحجاج، و يونس بن عبدالرحمن، و جماعة من وجوه الشيعة، و ثقاتهم، في دار عبدالرحمن بن الحجاج في «بركة زلول» يبكون، و يتوجعون من المصيبة..
[ صفحه 35]
فقال لهم: يونس بن عبدالرحمن: دعوا البكاء من لهذا الأمر؟ و الي من نقصد بالمسائل الي أن يكبر هذا.. يعني: أباجعفر «عليه السلام».
فقام اليه الريان بن الصلت، و وضع يده في حلقه، و لم يزل يلطمه، و يقول له: أنت تظهر الايمان لنا، و تبطن الشك و الشرك، ان كان أمره من الله، فلو أنه كان ابن يوم واحد، لكان بمنزلة الشيخ و قوته، و ان لم يكن من عند الله، فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس. هذا مما ينبغي أن يفكر فيه؟..
فأقبلت العصابة عليه تعذله و توبخه. و كان وقت الموسم، فاجتمع من فقهاء بغداد و الأمصار، و علمائهم ثمانون رجلا؛ فخرجوا الي الحج، و قصدوا المدينة، ليشاهدوا أباجعفر؛ فلما وافوا..
تقول الرواية التي أوردها في المناقب و البحار (و النص للبحار) [1] :
«فجئنا و دخلنا القصر، فاذا الناس فيه متكابسون، فجلسنا معهم، اذ خرج علينا عبدالله بن موسي، شيخ، فقال الناس: هذا صاحبنا..
فقال الفقهاء: قد روينا عن أبي جعفر، و أبي عبدالله «عليهماالسلام»: أنه لا تجتمع الامامة في أخوين بعد الحسن و الحسين «عليهماالسلام»، فليس هذا صاحبنا، فجاء حتي جلس في صدر المجلس.
فقال رجل: ما تقول أعزك الله في رجل أتي حمارة؟
فقال: تقطع يده، و يضرب الحد، و ينفي من الأرض سنة.
ثم قام اليه آخر، فقال: ما تقول آجرك الله في رجل طلق امرأته عدد
[ صفحه 36]
نجوم السماء؟
قال: بانت منه بصدر الجوزاء، و النسر الطائر، و النجم الواقع..
فتحيرنا في جرأته علي الخطأ، اذ خرج علينا أبوجعفر «عليه السلام»، و هو ابن ثمان سنين، فقمنا اليه، فسلم علي الناس، و قام عبدالله بن موسي من مجلسه، فجلس بين يديه، و جلس أبوجعفر «عليه السلام» في صدر المجلس، ثم قال: سلوا رحمكم الله.
فقام اليه الرجل الأول، و قال: ما تقول - أصلحك الله - في رجل أتي حمارة؟ قال: يضرب دون الحد، و يغرم ثمنها، و يحرم ظهرها و نتاجها، و تخرج الي البرية، حتي تأتي علي منيتها، سبع أكلها، ذئب أكلها..
ثم قال بعد كلام: يا هذا، ذاك الرجل ينبش عن ميتة، يسرق كفنها، و يفجر بها، و يوجب عليه القطع بالسرق، و الحد بالزني، و النفي، اذا كان عزبا، فلو كان محصنا لوجب عليه القتل و الرجم..
فقال الرجل الثاني: يابن رسول الله «صلي الله عليه و آله»، ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟
قال: تقرأ القرآن؟
قال: نعم.
قال: اقرأ سورة الطلاق الي قوله: (و أقيموا الشهادة لله) [2] .
[ صفحه 37]
يا هذا لا طلاق الا بخمس: شهادة عدلين، في طهر، من غير جماع، بارادة و عزم..
ثم قال بعد كلام: يا هذا، هل تري في القرآن عدد نجوم السماء؟
قال: لا..» (الخبر)..
و في نص آخر يقول الراوي: بعد أن ذكر أن عبدالله بن موسي أجاب بغير الواجب:
«فورد علي الشيعة ما حيرهم و غمهم، واضطربت الفقهاء، و قاموا، و هموا بالانصراف، و قالوا: لو كان أبوجعفر يكمل جواب المسائل لما كان من عبدالله ما كان، من الجواب بغير الواجب..».
ثم تذكر الرواية: أن الناس بعد أن أجابهم أبوجعفر «عليه السلام» بالحق، فرحوا، و ألحوا عليه بمسائلهم..
ثم تذكر الرواية: ما جري بينه و بين أسحاق بن أبراهيم، فليراجعها من أراد [3] .
[ صفحه 38]
و بعد.. فانه اذا كانت تلك هي حال حتي بعض العلماء والفقهاء، من أمثال يونس بن عبدالرحمن - و هو من أصحاب الاجماع - ذلك الرجل. الكبير، و الثابت القدم في موالاة أهل البيت «عليهم السلام».. فكيف اذن تكون حال الآخرين، ممن لم يستضيؤا بنور العلم، و لا يملكون قناعات ثابتة و مركزة في كثير من العقائد، و لاسيما في الأمور التفصيلية منها؟!.
و قد لاحظنا: أن الريان بن الصلت قد واجهه بالقواعد الثابتة، التي تزيل كل شبهة، و تقطع كل عذر..
كما و يلاحظ أيضا: أن الأسئلة التي طرحت لمعرفة الامام قد كانت من الأسئلة التي لا تنال أجوبتها بالعقول، بل تحتاج الي تعليم و توقيف.
پاورقي
[1] المناقب ج 4 ص 384 - 382 و البحار ج 50 ص 90 و 91 و راجع ص 85 و 86.
[2] الآية 2 من سورة الطلاق.
[3] عيون المعجزات ص 121 - 119، و اثبات الوصية ص 215 - 213 و دلائل الامامة ص 206 - 204 و 212 و البحار 50 ص 100 - 99 و قاموس الرجال ج 9 ص 499.
و ذكر جانب من هذه القضية أيضا في البحار ج 50 ص 92 - 91 و 86 - 85 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 383 - 382 عن الجلاء و الشفاء، و الاختصاص للشيخ المفيد ص 102.