بازگشت

اللمسات الأخيرة


و بعد كل ما تقدم..

فاننا علينا أن نسجل هنا الحقيقة التالية: و هي:

أن الامام الجواد «عليه السلام» قد قام بأعظم المهمات و أخطرها.. ولو أنه لم يقم طول حياته الشريفة بأي نشاط آخر، سوي ما ذكرناه من تثبيت دعائم الامامة، و حفظ خط الوصاية و الزعامة في أهل البيت عليهم التحية والسلام.. لكفاه ذلك رفعة و فخرا، و عظمة و مجدا، علي مدي الدهور و العصور..

فان نفس عجزهم عن النيل من مقام امامته عليه الصلاة والسلام، و يبقي هو الزعيم و القائد، و الوصي و الامام و عدم تمكنهم من مواجهته في أعظم ما يدعيه، رغم صغر سنه، و رغم أنه لم يتلق العلوم و المعارف من



[ صفحه 159]



أحد من الناس سوي أبيه الذي عاش معه لفترة وجيزة جدا، حينما كان طفلا.. ان هذا كاف في المراد، و واف في المقصود..

كما أن نفس قبول الشيعة بهذا الأمر، و التزامهم به، و هم الطائفة التي تأخذ علي نفسها أن تكون منسجمة كل الانسجام مع المنطق و العقل، و مع الدليل القاطع، و البرهان الساطع، مهما كانت الظروف، و أيا كانت النتائج..

نعم.. ان هذا و ذاك لهو من أعظم الأدلة علي أحقية هذا الخط، و علي سلامة هذا النهج، و علي وضوح هذا السبيل..

و حتي حينما عملوا علي قتله «عليه السلام»، بذلك الأسلوب العاجز و الجبان، و كان عمره الشريف لا يزيد عن خمس و عشرين سنة الا قليلا..

فان خليفته و وصيه، و القائم مقامه، هو الآخر يتولي هذا الأمر و هو صغير السن، بل كان عمره أقل من عمر أبيه حين تصدي لأمر الامامة.. فيقف ليتحداهم، و ليقهرهم، و يبهرهم، بنفس الحالة التي بهرهم و قهرهم بها أبوه من قبل..

ثم يتولي الامامة بعد ذلك: الامام الحجة «عليه السلام»، في سن أصغر من ذلك، حيث كان عمره خمس سنين فقط..

و يكون كل منهم «عليهم السلام» أعظم الدلالات، و أوضح السبل و المناهج، لتعريف الناس بمقام الامامة، الذي أراد أعداؤهم، و عملوا بكل ما في وسعهم لتعمية الدلالات عليه، و تشويش، و طمس السبل و المناهج اليه..

و قد كانت امامة الهادي، بعد الامام الجواد عليهماالسلام، تتحدي سلطانا غاشما، ظالما، متعصبا، لا يطيق ذكر الامام علي «عليه السلام» بخير



[ صفحه 160]



أبدا، و هو الذي حرث قبر الامام الحسين «عليه السلام»، و أجري عليه الماء، بهدف طمس معالمه، و ليعفي أثره، و كان منقادا لزعيم تيار أهل الحديث الذي يعتمد النصوص أساسا لحركته الفكرية و الايمانية، و قد كان هؤلاء في أوج قدرتهم و في عصرهم الذهبي، في ظل أكبر زعمائهم، و هو أحمد بن حنبل، تحميهم حراب سلطة لا تخاف الله في أهل البيت «عليهم السلام»، و في شيعتهم، مع حرصهم الشديد و الأكيد علي التشكيك بالنصوص.. خصوصا ما كان منها في حق الامام علي و أهل بيته «عليهم السلام»، و بالأخص ما يثبت امامتهم صلوات الله و سلامه عليهم..

و قد كان الفلج لأئمتنا الأطهار «عليهم السلام» علي كلا هذين التيارين: تيار الاعتزال، و تيار أهل الحديث، و حيث كان التشيع في أضعف حالاته باعتقاد الناس، في أهم عنصر يقوم عليه، و هو عنصر الامامة... و ذلك لصغر سن أئمتهم «عليهم السلام»..

ثم كان الاعتزال و أهل الحديث في أقوي حالاتهما، و في عصريهما الذهبيين، و في عهد عظماء أئمة الفريقين و مفكريهما، و حيث تتوفر كل الامكانات لهم، و هم تحت رعاية و حماية السلطة بكل عساكرها، وقواها المادية و المعنوية، و حيث يتوفر البطش و التعصب، و التسلح بالنص الديني المقدس، هو المسيطر في جانب أهل الحديث، و حيث يكون العقل و الحنكة و الحيلة و المكر، و السلطة و كل امكاناتها و رموزها، و عظماء النحلتين، هم المسيطرون و من ورائهم الشعب بكل طبقاته، و المذاهب، و النحل بجميع توجهاتها، في جانبهم..



[ صفحه 161]



نعم... ان النجاح للشيعة في هذين الحالين سيكون الضمانة للنجاح في كل العصور و الدهور، و سيكون هو الانجاز الأعظم و الأفخم كما قلنا..

فاتضح: أن هذه القضية - و هي امامة التقي الجواد عليه الصلاة والسلام علي صغر سنه - كانت من أعظم القضايا، التي مهدت لتلك المفاجأة الكبري، التي تعرض لها الشيعة الامامية في قضية الامام المهدي عليه الصلاة والسلام، الذي أصبح اماما، و عمره لا يزيد علي الخمس سنوات، ثم غاب عنهم غيبته الصغري، ثم الكبري، عجل الله تعالي فرجه، و سهل مخرجه، و جعلنا من أعوانه و أنصاره، و المجاهدين، و المستشهدين بين يديه، انه خير مأمول، و أكرم مسؤول..

و نعتقد: أن الرسول الأعظم «صلي الله عليه و آله»، هو الذي بدأ التمهيد لهذا الحدث الهائل، و ذلك حينما بايع الحسنين عليهما الصلاة والسلام في بيعة الرضوان - و لم يبايع صبيا غيرهما - حسبما ألمح المأمون اليه في كلامه المنقول عنه فيما تقدم..

و كذلك حينما أشهد الحسن «عليه السلام» علي كتاب لثقيف، ثم أخرجه النبي «صلي الله عليه و آله» مع أخيه «عليهماالسلام» للمباهلة مع نصاري نجران، و غير ذلك..

ثم تلا ذلك قضية استشهاد الزهراء البتول بهما صلوات الله و سلامه عليها و عليهما.. حسبما أوضحنا ذلك كله في كتابنا: «الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام».. فليراجعه من أراد..

وليكن هذا هو آخر كلامنا في ما يرتبط بالحياة السياسية للامام التقي



[ صفحه 162]



الجواد عليه الصلاة والسلام.. و نعتذر لعدم تمكننا من استيفاء الكلام في هذا المجال.. فان ذلك يحتاج الي توفر تام، و وقت طويل.. و ما لا يدرك كله، لا يترك جله..

والحمد لله، والصلاة والسلام علي محمد و آله الطيبين الطاهرين.



[ صفحه 163]