السلطة و الامام
من الضروري ان نشير ابتداء الي أن الحكم العباسي في عصر الامام الجواد (ع) (فترة المأمون - المعتصم) قد شهد حالة من الاستقرار، بعد مرحلة عصيبة مر بها الحكم علي أثر الانشقاق السياسي الخطير الذي شق الدولة الي جناحين: جناع بغداد الذي يديره الامين بن الرشيد، و يدعمه قطاع من الاسرة الحاكمة و جناح
[ صفحه 73]
«خراسان» الذي يقف المأمون بن الرشيد علي رأسه، و قد حسم الموقف لصالح المأمون بعد حرب ضروس بين الاخوين، فانتهت اخطر مراحل الصراع داخل الاسرة العباسية الحاكمة.
و مر حكم المأمون بعد أن صفا له الجو السياسي بمرحلة استقرار مناسب، و ان كان جهاد العلويين، و مظاهر الخروج علي الحكام غير الشرعيين لم تكن قليلة في عصره.
و في هذه المرحلة السياسية بالذات تصدي ابوجعفر محمد بن علي الجواد (ع) لمسؤولية امامة المسلمين، و هو في مرحلة الصبا - كما اشرنا سابقا -. و بالنظر لحقيقتين:
1- قوة التيار الموالي لائمة أهل البيت (ع) في المجتمع و في الدولة في عصر الامام (ع) كنتيجة لجهود تاريخية ضخمة بذلها اسلاف الامام الجواد و اتباعهم من امثال الامام الصادق و الكاظم و الرضا عليه السلام.
2- شيوع أنباء كون المأمون قد تسبب في مقتل الامام علي بن موسي الرضا (ع) «ولد الامام الجواد (ع)»، و ان الرضا (ع) قد اغتيل بالسم بتدبير من المأمون [1] ، الأمر الذي له أبعاده الخطيرة علي مسيرة الحكم العباسي يومئذ.
أقول بالنظر لهاتين المسألتين عمل المأمون وسعه، للتظاهر بولائه للامام الجواد (ع)، و حدبه عليه و شغفه بحبه، لكي يوهم الموالين لاهل البيت (ع) ببرائته من دم الامام الرضا (ع) و يقطع السنة
[ صفحه 74]
الاشاعات في البلاد، و يأمن التحرك المضاد الذي قد يبديه الشطر الكبير من الامة الموالي لاهل البيت (ع).
پاورقي
[1] عيون اخبار الرضا (ع) ج 2 ص 240 - ص 250، و مقاتل الطالبيين ص 566 - ص 567.