بازگشت

الصلاة


بما أن الصلاة هي عمود الدين، و علي أساس منها يكون قبول باقي الأعمال أو ردها من قبل الباري تعالي؛ لذا يجب علي الانسان المسلم أن يتوخي الدقة في صلاته، و من حيث مقدماتها من الوضوء، و نظافة البدن و الثياب و طهارتهما، كما ينبغي مراعات المكان الذي تؤدي فيه الصلاة، و مما يجب ملاحظته و مراعاته هو استجلاب حالة التوجه و الخشوع و التذلل لوقوف العبد المصلي بين يدي خالقه جل شأنه، الي غير ذلك من الأمور المتعلقة بأداء الصلاة علي أكمل و أتم وجه.

و نظرا للأهمية البالغة للصلاة في الاسلام، فقد أولاها القرآن الكريم اهتماما زائدا و كبيرا، أكثر من أي عمل عبادي آخر، الا ما كان من أمر الجهاد و القتال في سبيل الله، من أجل حفظ الكيان الاسلامي العظيم.

فقد ذكر الله تبارك و تعالي في كتابه العزيز لفظتي (الجهاد) و (القتال) معا في نحو (72) موردا، تراوحت ما بين أمر، وحث، و ترغيب في الجهاد أو القتال في سبيل الله.

في حين أن الأمر ب (الصلاة) و وجوب اقامتها و المواظبة عليها جاء في نحو (56) آية، أضف الي ذلك (10) آيات جاءت بصورة أحكام للصلاة و مقدماتها، و أن (17) موردا في القرآن جاءت تصف حالات الصلاة و المصلين من المداومة و الخشوع و المحافظة علي أوقاتها، و وصف حالات المنافقين في صلاتهم الي غير ذلك.



[ صفحه 286]



أما ذكر الصلاة علي أنها دعاء فقد جاء في (9) آيات في القرآن الكريم.

فيكون مجموع الآيات التي تحدثت عن الصلاة باعتبارها فرض عبادي نحو (83) آية.

بينما نجد أن (الصيام) الذي يلي الصلاة مرتبة لم يرد في وجوبه أو الأمر به من آي سوي في (3) موارد، كما أن هناك (8) آيات تعتبر أحكاما، اذ أمرت بالصيام ككفارة عن بعض المخالفات.

و اذا تصفحنا آيات (الحج) الذي هو من جملة الفرائض الواجبة، و أصل من أصول الدين الاسلامي الحنيف، فسنجد أن هناك (10) آيات تعرضت لهذه الفريضة، خمسة منها أمر وحث علي وجوب الحج لمن استطاع اليه سبيلا، و خمسة بصورة أحكام أو نحو ذلك.

و الفرض الآخر الذي طالما قرن مع الصلاة في القرآن الكريم و هو (الزكاة)، فقد ورد الأمر بها مقرونة مع الصلاة بلفظها في (26) آية، و لو حدها في (7) آيات.

يبقي لدينا أمر مندوب تكرر ذكره في الكتاب العزيز و هو (الصدقة)، فقد وردت في نحو (16) آية.

من خلال هذا الاستطلاع و المقارنة نتبين أهمية الصلاة العظيمة في نظر الشارع الأقدس، و ما أولاها من عناية فائقة، و شرط لها من شروط خاصة بها و بمقدماتها و حالاتها أو حالة المصلي سواء اماما كان أو مأموما.

من هذا المنطلق جاء تركيز الشارع علي امام الجماعة، فأوجب فيه شروطا لا تصح الصلاة خلفه الا بها، منها: عدالته في سيره و سلوكه، و سلامة عقيدته، لأنه سيكون قدوة للمسلمين المصلين خلفه في دينهم و دنياهم.

و بناء علي هذه الأخيرة جاء تأكيد الامام الجواد عليه السلام علي امام الجماعة في



[ صفحه 287]



أن يكون علي جانب من التقوي و الورع، و سلامة المعتقد.

فقد ورد في تهذيب الشيخ الطوسي رحمه الله: عن أبي عبدالله محمد بن خالد البرقي أنه كتب الي أبي جعفر الجواد عليه السلام يسأله: أيجوز - جعلت فداك - الصلاة خلف من وقف علي أبيك و جدك؟

فأجاب: «لا تصل وراءه». [1] .

و السائل قصد من الذين وقفوا علي أبيه الامام الرضا عليه السلام و لم يقولوا بامامته هم (الواقفية). [2] .

و أما الذين وقفوا علي جده الامام موسي الكاظم عليه السلام فهم (الفطحية) [3] ؛ لذا



[ صفحه 288]



نهي الامام الجواد عليه السلام عن الصلاة خلفهم لفساد عقيدتهم.

و جاء في الكافي للكليني، و التهذيب للطوسي باسنادهما عن أبي علي الحسن بن راشد البغدادي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان مواليك قد اختلفوا فأصلي خلفهم جميعا؟

فقال عليه السلام: «لا تصل الا خلف من تثق بدينه و أمانته». [4] .

و في تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله، عن ابراهيم بن شيبة، قال: كتبت الي أبي جعفر عليه السلام أسأله عن الصلاة خلف من يتولي أميرالمؤمنين و هو يري المسح علي الخفين أو خلف من يحرم المسح و هو يمسح.

فكتب: «ان جامعك و اياهم موضع فلم تجد بدا من الصلاة، فأذن لنفسك و أتم، فان سبقك الي القراءة فسبح». [5] .

و ثلاثة أسئلة وردت للامام عليه السلام حول ترك السورة عمدا في الصلاة الواجبة، و تعيين الفجر لصلاة الصبح، و قضاء الصلاة في أحد المساجد الثلاثة، أتحسب للمصلي الركعة بمئة، كما في الخبر المروي؟



[ صفحه 289]



أجاب عنها الامام بخطه و ذكرنا ذلك ضمن مجموعة الرسائل و الكتب الصادرة عن الامام عليه السلام.

و كان جوابه عليه السلام عن السؤال الأول باعادة الصلاة، و عن الثاني بأن الفجر هو الخيط الأبيض المعترض، و ليس هو الأبيض صعداء، و عن الثالث بأن الأجر يتضاعف للمصلي، و أما ما فاته من الصلاة، فعليه القضاء بعدد ما فاته.

و في التهذيب: عن عمران بن محمد قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك، ان لي ضيعة علي خمسة فراسخ (خمسة عشر ميلا) فربما خرجت اليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام، فأتم الصلاة أم أقصر؟

فقال عليه السلام: «قصر في الطريق، و أتم في الضيعة». [6] .

و روي الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (عليه الرحمة) بسنده عن ابراهيم ابن شيبة، قال: كتبت الي أبي جعفر عليه السلام أسأله عن اتمام الصلاة في الحرمين.

فكتب الي: «كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يحب اكثار الصلاة في الحرمين، فأكثر فيهما و أتم». [7] .

و في التهذيب [8] بسنده، عن محمد بن ابراهيم الحضيني، قال: استأمرت أباجعفر عليه السلام في الاتمام و التقصير.

قال: «اذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتم الصلاة».

فقلت له: اني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة.

قال: «انو مقام عشرة أيام و أتم الصلاة».

و كتاب كتبه علي بن مهزيار الي الامام الجواد حول هذا الموضوع أيضا



[ صفحه 290]



أوردناه ضمن الكتب و الرسائل، فيه تفصيل عن القصر و التمام في الحرمين مع الاقامة أو عدمها، فراجع هناك.

و كتب اليه يحيي بن أبي عمران يسأله عن الصلاة في فراء السنجاب و الفنك و الخز، و قال له: جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك.

فكتب بخطه الي: «صل فيها». [9] .

و في الكافي و التهذيب بسنديهما عن أبي علي الحسن بن راشد البغدادي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الفراء أي شي ء يصلي فيه؟

قال: «أي الفراء؟».

قلت: الفنك و السنجاب و السمور [10] .

قال: «فصل في الفنك و السنجاب، فأما السمور فلا تصل فيه».

قلت: فالثعالب، يصلي فيها؟

قال: «لا، و لكن تلبس بعد الصلاة».

قلت: أصلي في الثوب الذي يليه؟

قال: «لا». [11] .

و في الكافي: عن القاسم بن الصيقل، قال: كتبت الي الرضا عليه السلام: أني أعمل أغماد السيوف من جلد الحمر الميتة، فيصيب ثيابي، فأصلي فيها؟



[ صفحه 291]



فكتب عليه السلام الي: «اتخذ ثوبا لصلاتك».

فكتبت الي أبي جعفر الثاني عليه السلام: كنت قد كتبت الي أبيك عليه السلام بكذا و كذا، فصعب علي ذلك، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية.

فكتب عليه السلام الي: «كل أعمال البر بالصبر - يرحمك الله - فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس». [12] .

و أورد الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده عن علي بن الريان، قال: كتب بعض أصحابنا بيد ابراهيم بن عقبة اليه - يعني الجواد عليه السلام - يسأله عن الصلاة علي الخمرة المدنية. [13] .

فكتب ]عليه السلام[: «صل فيها ما كان معمولا بخيوطه، و لا تصل علي ما كان بسيوره». [14] .

و في التهذيب عن علي بن مهزيار قال: رأيت أباجعفر عليه السلام صلي - حين زالت الشمس يوم التروية - ست ركعات خلف المقام و عليه نعلاه لم ينزعهما. [15] .

و في الكافي: عن يحيي بن أبي عمران، قال: كتبت الي أبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك، ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب، فلما صار الي غير أم الكتاب من السورة تركها؟

فقال العباسي [16] : ليس بذلك بأس



[ صفحه 292]



فكتب بخط: «يعيدها، يعيدها، علي رغم أنفه». [17] .

أي يعيد الصلاة علي رغم أنف العباسي.

و جاء في التهذيب عن علي بن مهزيار قوله: قرأت في كتاب رجل الي أبي جعفر عليه السلام: الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر، من صلاة الليل هي أم من صلاة النهار؟ و في أي وقت أصليهما؟

فكتب عليه السلام بخطه: «احشوهما في صلاة الليل حشوا». [18] .

و روي الشيخ الصدوق باسناده، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، قال: «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي ء يناجي به ربه عزوجل».

قال الصدوق في معرض استنباط حكم شرعي من هذه الرواية: ذكر شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، عن سعد بن عبدالله أنه كان يقول: لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسية، و كان محمد بن الصفار يقول: انه يجوز، و الذي أقول به:انه يجوز.

ثم قال: و لو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: و كل شي ء مطلق حتي يرد فيه نهي، و النهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد لله رب العالمين. [19] .

و روي الكليني في الكافي [20] بسنده عن سعيد بن جناح: قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام في منزله بالمدينة، فقال مبتدءا: «من أتم ركوعه لم تدخله وحشة في القبر».



[ صفحه 293]




پاورقي

[1] تهذيب الأحكام: 3 / 28.

[2] الواقفة أو الواقفية: فرقة من الشيعة أنكروا وفاة الامام الكاظم موسي بن جعفر عليه السلام، و أنكروا بذلك امامة ولده الرضا عليه السلام. و تسمي هذه الفرقة أيضا (الممطورة) أو (الكلاب الممطورة). و هذه الفرقة كانت بزعامة علي بن أبي حمزة البطائني، و زياد بن مروان القندي، و عثمان بن عيسي الرواسي، و حيان السراج.

يقول الكشي في رجاله: ص 459 ح 871 في بدء نشوء هذه الفرقة و كيفيته: (كان بدء الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثه لزكاة ما لهم، و ما كان يجب عليهم فيها، فحملوه الي وكيلين لموسي - الكاظم عليه السلام - بالكوفة، أحدهما: حيان السراج، و الآخر كان معه.

و كان موسي في الحبس، فاتخذا بذلك دورا، و عقدا العقود، و اشتريا الغلات.

فلما مات موسي، و انتهي الخبر اليهما، أنكرا موته، و أذاعا في الشيعة أنه لا يموت؛ لأنه هو القائم. فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة. و انتشر قولهما في الناس، حتي كان عند موتهما أوصيا بدفع ذلك المال الي ورثة موسي عليه السلام، فاستبان للشيعة أنهم وقفوا علي امامته حرصا علي المال؛ لذلك سمي أصحابهم؛ الواقفة). و قد فصلنا القول عنها في فصل كامل ضمن المجلد الثاني عشر من هذه الموسوعة عن حياة الامام الرضا عليه السلام. كما افردنا بذلك كراسا خاصا.

[3] الفطحية: فرقة من الامامية، أتباع عبدالله بن جعفر - الصادق - الأفطح (ت / 148 ه).

كان أفطح الرأس عريضه؛ لذا سمي بالأفطح، و قيل: كان أفطح الرجلين.

عاش بعد أبيه سبعين يوما أو نحوها فمات. مال اليه جل فقهاء الشيعة و مشايخهم بعد وفاة الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، و قالوا بامامته، و لما مات و لم يخلف ولدا؛ لذا رجع عامة الشيعة آنذاك الي القول بامامة موسي بن جعفر عليه السلام. كما سبق ذكر ذلك مفصلا في كتاب الرضا علي بن موسي من هذه الموسوعة.

و هناك فرقة تسمي (الفطحية الخلص): و هم يجيزون امامة أخوين. و الامام عندهم هو جعفر بن علي - الهادي - المعروف بالكذاب بعد الامام الحسن العسكري عليه السلام؛ لأن العسكري - علي زعمهم - ليس له ولد؛ لذا فالامامة تؤول الي أخيه من بعده.

[4] الفروع من الكافي: 3 / 410، تهذيب الأحكام: 2 / 210.

[5] تهذيب الأحكام: 3 / 276.

[6] تهذيب الأحكام: ص 210.

[7] الفروع من الكافي: 4 / 524.

[8] تهذيب الأحكام: 5 / 427 ح 1484.

[9] من لا يحضره الفقيه: 1 / 262 ح 808.

[10] الفنك و السنجاب مر تعريفها في باب رسائل الامام و مكاتيبه، و السمور: حيوان ثديي من فصيلة السموريات، موطنه أورپا الشمالية و بعض أصقاع آسيا الشماليه. يشبه ابن عرس لكنه أكبر منه، يتراوح طوله بين (50 - 33) سنتيمترا باستثناء ذيله الذي يتراوح طوله بين (18 - 13) سنتيمترا. لونه أحمر مائل الي السواد. فراؤه ثمين. شجري العادات، و غذاؤه البيض و الحيوانات الصغيرة.

[11] الفروع من الكافي: 3 / 410، التهذيب: 2 / 210.

[12] الفروع من الكافي: 3 / 407.

[13] الخمرة المدنية، نوع من الحصر تنسج من الخوص، تعمل في المدينة؛ لذا سميت باسمها. و قيل لها خمرة؛ لأن خيوطها مستورة بسعفها و قد تنسج بخيوط من جنسها، و قد تنسج بخيوط من جلد، يقال للواحد منها: سير، جمعها؛ سيور.

[14] تهذيب الأحكام: 2 / 306.

[15] تهذيب الأحكام: 2 / 233.

[16] مرت ترجمته في رسائل الامام و مكاتيبه.

[17] الفروع من الكافي: 3 / 313.

[18] تهذيب الأحكام: 2 / 132.

[19] من لا يحضره الفقيه: 1 / 316.

[20] الفروع من الكافي: 3 / 321 ح 7.