بازگشت

و ما بعد الزواج


هنا سنتابع الأحداث و الأمور التي وقعت للامام الجواد عليه السلام خلال فترة الأشهر القليلة التي أمضاها في بغداد بعد عقد القران أو الزواج، لحين رحيله عنها. و مع أن التاريخ بخل علينا في الكثير من جوانب حياة الامام سلام الله عليه، أضف الي ذلك أن الظالمين و الموتورين بأسلافهم عتاة قريش و كفارها في الجاهلية و الاسلام كأبي سفيان و أضرابه، و الذين استهوتهم الشياطين و هي تأزهم أزا فأصبحوا أولياء لها، راحوا يلاحقون بقية النبوة الخاتمة و خلفها، و حملة الرسالة الخالده، و عدل القرآن، و يشبعونهم هوانا و سجنا و تقتيلا.

و هكذا جاء بنوالعباس فاستفادوا في تجربتهم من أحقاد بني أمية و أضافوا اليها أحقادهم و لؤمهم، فأخذوا يطاردون شيعة أهل البيت و العلويين تحت كل مدر، و يضيقون الخناق علي آل رسول الله، حتي ان امامنا الجواد عليه السلام لم يسلم من العديد من محاولات الوقيعة و الكيد به، التي مارسها حاكما زمانه المأمون و المعتصم، الذي أشهد عليه جماعة زورا و كذبا أنه يجمع المال و السلاح ليقوم بثورة عليه.

بمثل هذا و أشباهه كان البغاة يعاملون و ريث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أشرف من علي الأرض. فأول حدث وقع للامام مع أحد الأصحاب بعد زواجه، و سجلته لنا صحائف التأريخ، يرويه الشيخ المفيد رحمه الله بسنده، و خلاصته: أن محمد بن علي



[ صفحه 123]



الهاشمي كان أول الداخلين علي أبي جعفر عليه السلام صبيحة عرسه ببنت المأمون، فأصابه العطش لتناوله دواء.

فاستدعي له الامام ماء، فخاف محمد أن يأتوه بماء مسموم، و اغتم لهذا الأمر، فتبسم في وجهه الامام و شرب قبله ثم ناوله الماء فشرب و هو مطمئن من ذلك.

و لما أطال الجلوس عند الامام عطش ثانية، ففعل الامام كما فعل في المرة الأولي، فتعجب محمد من هذا الأمر غاية التعجب، و قال: انني أظن أن أباجعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة.

هكذا أورد الشيخ المفيد العبارة الأخيرة، و يظهر منها أن هذا الهاشمي من بني العباس و ليس علويا، أو أنه ليس من شيعة الامام عليه السلام علي الأقل؛ لأن الذي من شيعته لا يظن به ذلك الظن و يصف أصحابه و مواليه بالرفض.

و علي كل حال فالخبر يتعلق بموضوع التوسم و الفراسة، و قد أوردناه هناك مفصلا.

و خبر آخر نقل عن الحافظ رجب البرسي في مشارق الأنوار قوله:

عن أبي جعفر الهاشمي [1] قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام ببغداد، فدخل عليه ياسر [2] الخادم يوما و قال: يا سيدنا ان سيدتنا أم جعفر تستأذنك أن تصير اليها.

فقال للخادم: «ارجع فاني في الأثر»، ثم قام و ركب البغلة و أقبل حتي قدم الباب.



[ صفحه 124]



قال ]أبوجعفر الهاشمي[: فخرجت أم جعفر أخت المأمون، و سلمت عليه، و سألته الدخول علي أم الفضل بنت المأمون، و قالت: يا سيدي أحب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد، فتقر عيني.

قال ]الهاشمي[: فدخل و الستور تشال بين يديه، فما لبث أن خرج راجعا و هو يقول: «(فلما رأينه أكبرنه)» [3] .

قال: ثم جلس، فخرجت أم الفضل تعثر في ذيولها، فقالت ]أم جعفر[: يا سيدي أنعمت علي بنعمة فلم تتمها.

فقال لها: «(أتي أمر الله فلا تستعجلوه) [4] انه قد حدث ما لم يحسن اعادته، فارجعي الي أم الفضل فاستخبريها عنه».

فرجعت أم جعفر فأعادت عليها ما قال.

فقالت: يا عمة و ما أعلمه بذلك؟ ثم قالت: كيف لا أدعو علي أبي و قد زوجني ساحرا، ثم قالت: والله يا عمة انه لما طلع علي جماله، حدث لي ما يحدث للنساء، فضربت يدي الي أثوابي و ضممتها.

قال ]الهاشمي[: فبهتت أم جعفر من قولها، ثم خرجت مذعورة، و قالت: يا سيدي و ما حدث لها؟

قال ]الامام عليه السلام[: «هو من أسرار النساء».

فقالت: يا سيدي تعلم الغيب؟!

قال: «لا».

قالت: فنزل اليك وحي؟



[ صفحه 125]



قال: «لا».

قالت: فمن أين لك علم ما لا يعلمه الا الله و هي؟

فقال: «و أنا أيضا أعلمه من علم الله».

قال ]الهاشمي[: فلما رجعت أم جعفر، قلت: يا سيدي و ما كان اكبار النسوة؟

قال ]الامام[: «هو ما حصل لأم الفضل من الحيض». [5] .

الي غير ذلك من الأخبار و الأحداث التي أثبتناها خلال تضاعيف الكتاب، كل حسب موضوعه.

و لا تطول فترة اقامة الامام في بغداد في ظلال البساتين و القصور، و أبهة السلاطين و الملوك التي عاشها، فقد ضاق بها ذرعا، و كان يعد الأيام و ينتهز الفرص للتخلص من الوضع الذي كان يعيشه.

فقد روي محمد بن أورمة عن الحسين بن هاشم المكاري قال: دخلت علي أبي جعفر - الجواد عليه السلام - ببغداد، و هو علي ما كان من أمره، فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع الي موطنه أبدا، و أنا أعرف مطعمه. قال: فأطرق رأسه ثم رفعه، و قد اصفر لونه، فقال: «يا حسين خبز شعير و ملح جريش في حرم رسول الله أحب الي مما تراني فيها». [6] .

و يقترب موسم الحج، فيعتزم السفر اليه مصطحبا معه ابنة المأمون، و يخرج من بغداد في موكب توديعي حاشد، و يصف لنا الشيخ المفيد خروجه من بغداد



[ صفحه 126]



و ما حدث في ذلك اليوم فيقول:

و لما توجه أبوجعفر عليه السلام من بغداد منصرفا من عند المأمون و معه أم الفضل قاصدا بها المدينة، صار الي شارع باب الكوفة و معه الناس يشيعونه، فانتهي الي دار المسيب عند مغيب الشمس، نزل و دخل المسجد، و كان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة، فصلي بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولي منها الحمد و اذا جاء نصر الله، و قرأ في الثانية الحمد و قل هو الله أحد، و قنت قبل ركوعه فيها، و صلي الثالثة و تشهد و سلم، ثم جلس هنيهة يذكر الله تعالي، و قام من غير تعقيب فصلي النوافل أربع ركعات، و عقب بعدها و سجد سجدتي الشكر، ثم خرج.

فلما انتهي الي النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا، فتعجبوا من ذلك، و أكلوا منها فوجدوه نبقا حلوا لا عجم [7] له [8] .

و في المناقب [9] لابن شهر آشوب نقل عن الشيخ المفيد قوله انه قد أكل من ثمرها، و كان لا عجم له. و مثل هذا القول لم ينقله الشيخ المفيد رحمه الله في الارشاد، فقد يكون نقله في غيره من كتبه، أو حدث به كما نقل ذلك الشيخ الحر العاملي في اثبات الهداة، فقال: قال الشيخ أبوالصلاح الحلبي في كتاب (تقريب المعارف) عند ذكر معجزات الأئمة عليهم السلام:... و ذكر رواية الشيخ المفيد، ثم قال في آخرها: حدثني الشيخ أبوالحسن محمد بن محمد قال: حدثنا الشيخ أبوعبدالله محمد بن محمد المفيد رضي الله عنه أنه أكل من نبقها و هو لا عجم له. [10] .



[ صفحه 127]



ثم قال المفيد في ارشاده: و ودعوه و مضي عليه السلام من وقته الي المدينة، فلم يزل بها الي أن أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين و مائتين الي بغداد، فأقام بها حتي توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة، فدفن في ظهر جده أبي الحسن موسي عليه السلام. [11] .

من خلال رواية الشيخ المفيد هذه يتبين أن الثابت لديه أن للامام عليه السلام رحلتين الي بغداد لا غير.

و عنه أيضا قال: و قد روي الناس: أن أم الفضل بنت المأمون كتبت الي أبيها من المدينة تشكو أباجعفر عليه السلام و تقول: انه يتسري علي و يغيرني، فكتب اليها المأمون: يا بنية، انا لم نزوجك أباجعفر لتحرمي عليه حلالا، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها.


پاورقي

[1] لم أقف عليه، و الظاهر هو نفسه ذلك الهاشمي الذي ورد في الرواية السابقة؛ لأن زمان الروايتين متقارنان، و يظهر أن هذا الهاشمي كان يلازم الامام و يتعاهده في هذا الوقت.

[2] هو خادم الامام الرضا عليه السلام، و يبدو أن خدمته استمرت للامام الجواد عليه السلام. تأتي ترجمته في باب أصحاب الامام و رواته.

[3] يوسف: 31.

[4] النحل: 1.

[5] مشارق أنوار اليقين: ص 98، و عنه بحارالأنوار: 50 / 83. أقول: أعتقد أن هذه الواقعة و التي قبلها حدثت في الرحلة الثانية، و ليس في الرحلة الأولي يوم عقد عليها و كان عمره تسع أو عشر سنوات، و أم الفضل أقل من هذا العمر في أغلب الظن.

[6] بحارالأنوار: 50 / 48.

[7] العجم واحدها عجمة: النوي.

[8] الارشاد: 2 / 288.

[9] مناقب آل أبي طالب: 4 / 390.

[10] الأنوار البهية للمحدث الشيخ عباس القمي: ص 211.

[11] الارشاد: 2 / 289.