محمد بن أحمد بن حماد، أبوعلي المروزي المحمودي
هذا هو الملقب بالمحمودي كما مرت الاشارة اليه في ترجمة أبيه.
ذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الامام الهادي عليه السلام، و كان الأرجح أن يذكره أيضا في أصحاب الامام أبي محمد العسكري عليه السلام لا أن يذكر أباه، كما علمت في ترجمته، و قد يكون هذا السهو من قلم النساخ و اشتباهاتهم،
[ صفحه 419]
لا من شطفة قلم الشيخ الطوسي رحمه الله، و الله العالم.
و في كتاب وصية أرسله الامام الحسن العسكري عليه السلام الي اسحاق بن اسماعيل النيسابوري ذكر فيه من جملة من ذكر المحمودي هذا، و أوصي عليه السلام اسحاق أن يقرأ الكتاب عليه، فقال: «و يا اسحاق... و اقرأه علي المحمودي عافاه الله. فما أحمدنا له [1] ؛ لطاعته». [2] .
و ليس بعد هذه الالتفاتة من الامام عليه السلام و الدعاء للمترجم بالعافية دليل علي جلالة و شرف منزلته، و علو قدره لدي الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام.
كما أنه كان مقربا لدي حاشية الخليفة و يحضر مجالسهم، و كان حذرا ذكيا و ذا فطنة و تدبير.
فقد روي الكشي في رجاله عن محمد بن مسعود العياشي، قال: حدثني المحمودي أنه دخل علي علي بن أبي دؤاد [3] و هو في مجلسه، و حوله أصحابه، فقال لهم ابن أبي دؤاد: يا هؤلاء ما تقولون في شي ء قاله الخليفة البارحة؟
فقالوا: و ما ذلك؟
قال: قال الخليفة: ما تري العلائية [4] تصنع ان أخرجنا اليهم أباجعفر
[ صفحه 420]
سكران ينشي، مضمخا بالخلوق؟
قالوا: اذا تبطل حجتهم، و يبطل مقالهم.
قلت ]و القائل المحمودي محمد بن أحمد[: ان العلائية يخالطوني كثيرا و يفضون الي بسر مقالتهم، و ليس يلزمهم هذا الذي جري.
فقال ]ابن أبي دؤاد[: و من أين قلت؟
قلت: انهم يقولون: لابد في كل زمان، و علي كل حال لله في أرضه من حجة، يقطع العذر بينه و بين خلقه.
قلت: فان كان في زمان الحجة من هو مثله أو فوقه في النسب و الشرف، كان أدل الدلائل علي الحجة، لصلة السلطان من بين أهله، و ولوعه به.
قال ]المحمودي[: فعرض ابن أبي دؤاد هذا الكلام علي الخليفة، فقال: ليس الي هؤلاء القوم حيلة، لا تؤذوا أباجعفر. [5] .
أقول: يتبين من خلال فقرات الحديث، أن المعتصم العباسي لما استدعي الامام الجواد عليه السلام الي بغداد أخذ يفكر في كيفية التخلص من الامام الذي أخذت مواقفه و آراؤه من جهة، و لما يحمل من علوم النبوة و الرسالة، ثم صلات الامام عليه السلام الكثيرة لفقراء المسلمين و يتاماهم و محتاجيهم من جهة أخري، ما جعلت الجماهير المؤمنة و الملتزمة بالخط الرسالي الأصيل تتجه بأنظارها الي الامام الجواد عليه السلام و تنبهر به. فكان هذا التوجه يقض مضجع المعتصم العباسي الحاقد، و يقلقه كثيرا.
فخطر في بال المعتصم أن يشوه سمعة الامام، و يدنس قداسته، و يسقطه من أعين الناس و خاصة شيعته و أصحابه، بأن يسقيه الخمر قسرا ثم يخرجه الي
[ صفحه 421]
الناس و هو في نشوة السكر مضمخا بطيب الملوك الخاص.
و بهذا العمل تصور أنه يستطيع أن يقضي علي الامام و هو حي، و يقضي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام بعد سقوط اعتبار و هيبة امامهم.
هكذا يفكر البلهاء دون حساب مقدمات أعمالهم و نتائجها.
فأراد المعتصم جس نبض المجتمع البغدادي عبر قاضيه ابن أبي دؤاد، و موقفه من هذا الحدث، ثم مدي تأثير ذلك علي الشيعة الذين أسماهم بالعلائية.
فاستبشر أصحاب ابن أبي دؤاد المغفلون مع عدد من وعاظ السلاطين و اللاحسين فضالات الموائد، و توقعوا انهيار مذهب أهل البيت، و بطلان معتقد الشيعة بعصمة أئمتهم.
لكن محمد بن أحمد المحمودي رحمه الله أراد أن يدفع ذلك عن الامام بفذلكة ذكية و حذرة، فأشار الي أن عملهم هذا سيعطي نتائج معكوسة لما يتوقعون، فسوف يترسخ اعتقاد الشيعة بالامام اذا رأوه علي تلك الحال؛ ذلك لأنهم سيجدون فيه أنه هو الامام المتعين، و هو الحجة لله في أرضه و لذلك قصده الخليفة بهذا الأذي ليشوه سمعته.
فأعلم ابن أبي دؤاد سيده بهذا الرأي، و كان قد استحسنه، فصرف نظره عما كان يبغي، باعترافه أن ليس الي هؤلاء (الشيعة) حيلة. بل ان خطتهم كانت هزيلة.
و أما عبادة المترجم، و مبلغ تقواه فنستخلصه من رواية الكشي الأخري بسنده، عن الفضل بن هاشم الهروي أنه قال:
ذكر لي كثرة ما يحج المحمودي، فسألته عن مبلغ حجاته، فلم يخبرني بمبلغها، و قال: رزقت خيرا كثيرا و الحمدلله.
فقلت له: فتحج عن نفسك أو عن غيرك؟
[ صفحه 422]
فقال: عن غيري بعد حجةالاسلام، أحج عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أجعل ما أجازني الله عليه لأولياء الله، و أهب ما أثاب علي ذلك للمؤمنين و المؤمنات.
فقلت له: فما تقول في حجك؟
فقال: أقول: اللهم اني أهللت لرسولك محمد صلي الله عليه و آله و سلم و جعلت جزائي منك و منه لأوليائك الطاهرين عليهم السلام، و وهبت ثوابي لعبادك المؤمنين و المؤمنات بكتابك و سنة نبيك، الي آخر الدعاء. [6] .
پاورقي
[1] أي وجده أهلا لأن يحمد حاله، و يرضي فعله.
[2] اختيار معرفة الرجال: ص 579 ح 1088.
[3] مرت ترجمته في أوائل مبحث مكانة الامام العلمية من الفصل السادس.
[4] الظاهر أنه أراد العلياوية أو العلبائية، يصف بهم الشيعة الامامية تنقيصا لهم. و هؤلاء فرقة من غلاة الشيعة أصحاب العلباء بن دراع الأسدي، و قيل: العلياء بن دراع الدوسي، كان قد ولي البحرين لبني أمية زمن الامام الصادق عليه السلام، و هم يقولون بالاباحة و التناسخ و التعطيل. و يزعمون أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم عبد لعلي بن أبي طالب عليه السلام. راجع موسوعة الفرق الاسلامية: ص 390. و أما العلائية فهي من فرق المرجئة.
[5] اختيار معرفة الرجال: ص 560 ح 1058.
[6] اختيار معرفة الرجال: ص 511 ح 987.