بازگشت

المناقشة و النتائج


مما مر من الروايات و النصوص في مبلغ عمر الامام الجواد عليه السلام لدي زواجه، يتبين لنا أن هناك ثلاثة أقوال: قولان للطبريان؛ العامي المخالف صاحب التاريخ و التفسير؛ و الامامي صاحب دلائل الامامة. و القول الثالث هو للشيخ المفيد و من اعتمد قوله، و ابن طلحة الشافعي، و ابن شعبة الحراني، و علي بن ابراهيم القمي و من تبعهم و أخذ عنهم، مع تقريب أقوالهم.

معلوم من خلال الثوابت التي أشرنا اليها، أن الامام عليه السلام و قبل سنة (215) لم



[ صفحه 102]



يكن قد دخل بأم الفضل حسب الظاهر. فيوم أرسل اليه المأمون يستدعيه من المدينة الي بغداد، و هو خارج في مهمة كبيرة جدا و هي حرب الروم، لابد و أن يكون في الأمر أهمية حساسة، و بالغة، بحيث لا يمكن أن يصرفه عنها الاستعدادات الجارية لخوض حرب خطيرة و عظيمة.

و في تقديرنا أن مشكلة كبيرة كانت قائمة بين الامام و زوجته أم الفضل من جهة، و بين الامام و والدها المأمون من جهة أخري، فالمأمون كان يداري الامام الجواد كثيرا، و يظهر للملأ العام اعظامه و اجلاله و وده له، لكنه في الوقت نفسه لم يكن مرتاحا لوضع ابنته الشابة (الزوجة البائسة). التي كانت تكتب اليه كثيرا شارحة وضعها التعيس، و حظها العاثر. فكان والدها يصبرها و يعدها بايجاد حل لمشكلتها، و أحيانا كان يتغاضي عنها مداراة لأبي جعفر عليه السلام، رغم أن ابنته المدللة زوجة في الظاهر، لكنها بلا زوج في الواقع.

ثم ان مكاتيبها لأبيها لم تكن - حسب الظاهر - تقتصر علي بيان سوء حالتها الزوجية، و هجرها في المضجع. بل، كانت البنت موظفة بأن تكتب عن أحوال الامام و تحركاته، الأمر الذي من أجله كان هذا الزواج التحميلي.

علي أية حال، فمن هذا الاستدعاء، و في هذا الظرف الحساس يتبين أن الامام أباجعفر عليه السلام لم يدخل بأم الفضل طيلة وجودها عنده مدة عشر سنوات. فخلال هذه المدة كان الامام قد تزوج بامرأة من ولد عمار بن ياسر، كما جاء في الرواية عن أم الفضل نفسها. ثم تملك جارية أو جاريتين لغرض استيلادهن، كما صار له منهن أولاد.

فبنت شابة في مقتبل العمر، و أوان فورة شبابها، و تري أمام عينيها زوجها الشاب يدير لها ظهره، و يتشاغل عنها بغيرها من الاماء و الجواري، فكان هذا يغيضها، و يلهب أحاسيسها و عواطفها، و يحزنها كثيرا جدا، الأمر الذي كان



[ صفحه 103]



يحدوها الي محاولة الفرار أو الانتحار؛ لكنها لم تكن تمتلك الشجاعة الكافية و الجرأة علي الاقدام لتنفيذ هذه الفكرة، أو محاولة الانتقام من الامام عليه السلام و يبدو هنا أن الامام كان حذرا منها و من أعوان أبيها أشد الحذر. فلم يكن عندها حينئذ خيار غير الدعاء علي أبيها الذي كان السبب في تعاستها الزوجية.

علاوة علي ذلك، فان المأمون كان يطمع في أن يكون جدا لأحد أبناء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لغاية في نفسه لم تقض له. ثم انه عازم علي لقاء الروم، و لا يعلم ما سيكون عاقبة أمره. و حتما أن النساء (زوجته، أخته...) تدخلن في الأمر، و أخذن في الضغط عليه لا يجاد حل للمعضلة. لهذا كله أراد المأمون أن يحسم القضية قبل خروجه من بغداد، فأرسل الي الامام يستدعيه.

و لما تأخر عليه الامام؛ لشهوده الموسم، و أدائه الحج، فقد كانت استعدادات المأمون قد تهيأت، و خرجت طلائع جيوشه - و التي كانت بقيادته - أمامه تغذ السير نحو بلاد الروم. و لم يعد بامكانه التأخير أكثر من هذا، فخرج علي اثرها يثقل الخطي من أجل وصول الجواد عليه السلام و أم الفضل و اللقاء بهما، و تدبير أمرهما بنفسه.

و أخيرا يلتقيه الامام بتكريت، و هناك يرتب المأمون دارا (و يأمر) الامام الجواد بأن يدخل بأم الفضل، و الظاهر من هذا (الأمر) - و هو المتربع علي عرش الخلافة الذي لا يعصي له أمر قط شرقا و غربا - أنه شدد علي الامام، و أجبره علي طاعته بشأن مواقعة عروسه. و الظاهر أن الامام أفشل مخططه بطرقه الخاصة بعد أن ولي بوجهه مع جيشه نحو بلاد الروم.

و هناك رواية عن أبي جعفر الهاشمي داود بن القاسم ذكرناها في باب ما بعد الزواج من هذا الفصل، تدلل في فقراتها أن قصتها وقعت بعد ذلك الدخول يوم زفت اليه في دار أحمد بن يوسف. ففي اعتقادي أن أم جعفر أخت المأمون مع



[ صفحه 104]



والدة أم الفضل، و نساء أخريات كن يراقبن وضع الفتاة، و لما وجدنها لم تعلق من أبي جعفر عليه السلام استدعته عمتها هذه المرة الي منزلها حيث كانت أم الفضل عندها، و الامام كان في منزل آخر لا يبعد كثيرا عن منزلها، و ليس هو بالقريب بحيث يأتيه ماشيا. فالزوجان - حسب الظاهر - لم تكن نطفهما لتنعقد بتدبير من الامام الجواد عليه السلام، و لهذا كانت تحقد عليه، و تتبرم منه، فاستغل عمها المعتصم، و أخوها جعفر هذه الظاهرة فيما بعد لتأليبها علي الامام، و دفعها للانتقام منه.

و أخيرا، فبين التماس أم جعفر العباسية من الامام، و بين احراجها له بالتهديد و الوعيد، لا يجد الامام الجواد عليه السلام بدا من الرضوخ لما طلب اليه. و يدخل علي البنت التي أعدوها له، و أعدت هي نفسها اعدادا لا مفر فيه من المواقعة، لكن الله تعالي لا يشاء كما يشاء الظالمون. فحال بينهما الطمث الذي نزل في لحظات، ليرتاح الامام من أذاهم، و يعود من حيث أتي.

و أما القول الثاني للطبري الامامي المعروف بالطبري الصغير، فهو الآخر انفرد بروايته الخاصة التي نص فيها علي أن قدومه عليه السلام الي بغداد و زواجه من أم الفضل كان في سن السادسة عشرة، أي سنة (210 أو 211). فاما أن نحتمل تصحيف الست عشرة سنة، و اما أن نقول - و هو احتمال أيضا - بأن المأمون دعاه و زوجته أم الفضل لحضور زواجه من (بوران) ابنة الحسن بن سهل. فيحضر ابن الرضا عليه السلام زواج عمه، ثم يجيزه المأمون، و يطلب منه الدخول بأم الفضل، أو بالأحري يأمره بذلك، و هو لسان الرواية.

و تبقي الرواية في محل تأمل كما تقدم.

و أما القول الثالث فهو الذي يتفق و الثوابت التي حددت سابقا، الا ما كان من قولي ابن طلحة الشافعي من القدماء، و من المتأخرين قول المحدث القمي (عليه الرحمة).



[ صفحه 105]



فاذا قربنا قول ابن طلحة و تنزلنا بالاحدي عشرة سنة الي ما حولها و هو سن العاشرة.

و اذا صححنا ما في رواية المحدث القمي من تصحيف لبعض نسخ الارشاد.

فسيكونان حينئذ قد وافقا بقية الأقوال، ضمن هذه المجموعة القائلة بأنه عليه السلام كان ابن تسع سنين و أشهر، أو قل عشر سنين.

و يتبين لنا من كل ذلك مع اضافة الثوابت الأربعة السالفة هذه الخلاصة التأريخية:

1- سنة 195 ولادته المباركة عليه السلام.

2- سنة 199 - 196 سني الرضاع و الطفولة و هو في المدينة المنورة.

3- سنة 200 رحيل أبيه الرضا عليه السلام عنه الي خراسان، و تركه في مكة المكرمة و قد أتم الخامسة من عمره الشريف و دخل في سن السادسة.

4- سنة 201 المأمون العباسي يسمي له ابنته الصغيرة أم الفضل في حفل تنصيب الرضا عليه السلام لولاية العهد.

5- سنة 202 يقوم بزيارة والده في خراسان علي رواية البيهقي و قد تكون هي زيارته لغسل أبيه و تجهيزه.

6- سنة 203 يتلقي نبأ وفاة والده، و يذهب الي خراسان لغسله و الصلاة عليه، ثم العودة الي المدينة.

7- سنة 204 طلب المأمون من محمد بن عبدالملك الزيات أن يتكفل في من يحمله اليه الي بغداد.

8- سنة 205 وصول الامام الي بغداد، و اجراء حفل عقد قران فخم و باذخ تصرف فيه الملايين و يستمر ليومين. و في نهاية السنة يخرج من بغداد مع زوجته الصغيرة متجها نحو بيت الله الحرام، ثم المدينة المنورة.



[ صفحه 106]



9- سنة 210 - 206 بما أن هذه الفترة من حياة الامام غير معلوم أين قضاها عليه السلام، فالاحتمال أنه عاد الي المدينة و أقام فيها الي موسم الحج من سنة (210)، فخرج من مكة حاجا ثم متجها الي بغداد. و دليلنا الوحيد علي أنه سنة (207 أو 209) كان في مكة، وجود رواية ذكرناها في الفصل السادس في مبحث مكانة الامام العلمية باب العتق، تؤكد أنه عليه السلام شهد حج سنة (207 أو 209) علي اختلاف النسخ.

10 - سنة (211) وصوله الي بغداد في أوائل هذا العالم، علي رواية الطبري الصغير في دلائل الامامة، فيما لو صحت بدليل أو قرينة، و زفافه و دخوله بزوجته أم الفضل، ثم استئذانه المأمون بالسفر لأداء فريضة الحج قرب الموسم فيذهب الي الحج برفقة زوجته أم الفضل و من مكة يعرج علي المدينة المنورة و يقيم فيها. و هذا التأريخ يبقي محل تأمل كما قلنا.

11 - سنة 212، و قيل: في التي بعدها ولادة علي الهادي ابنه من جارية مغربية اسمها سمانة، كان قد اشتراها الامام لهذا الغرض العام الماضي، و يحج أيضا في هذا العام كما في الأعوام السابقة.

12- سنة 214 - 213 الاقامة في مدينة جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يخرج منها الا لموسم الحج.

13 - سنة 215 استدعاؤه عليه السلام الي بغداد لغرض لقاء المأمون و دخوله بأم الفضل. و قد تم هذا الأمر في تكريت. ثم يعود الي بغداد و يستقر بها الي قرب موسم الحج فيخرج مع زوجته حاجا، و يعرج من هناك الي موطنه المدينة المنورة.

14- سنة 219 - 216 الاقامة في المدينة المنورة، و لم يخرج منها الا حاجا بيت الله الحرام.



[ صفحه 107]



15 - سنة 220 و في 28 محرم يصل الامام الي بغداد باستدعاء من المعتصم العباسي مصطحبا معه أم الفضل بنت المأمون، تاركا ولده و نساءه بالمدينة. و موصيا بالامامة الي ابنه علي من بعده لأنه علم أنه خارج و لن يعود.

و في آخر ذي القعدة من السنة نفسها تفيض روحه القدسية الي بارئها، و يذهب الامام المعصوم المظلوم الي حيث الخلود الدائم.