بازگشت

انتقال الامامة و موقف المأمون منه


اقتضت سياسة المأمون العباسي - و هي حال كل مغتصب للسلطة، يقيم حكمه بقوة الحديد و النار - تصفية خصومه و منافسيه علي الحكم. فبعد أن قضي علي أخيه الأمين سنة (198ه / 813 م)، و وطد سلطته شيئا فشيئا في بغداد، و أطراف الدولة التي كانت تنتابها القلاقل، بويع له خليفة للمسلمين في كل أنحاء الامبراطورية الاسلامية.

و بعد أن استتب له أمر خراسان و بقية المناطق، جعل مقر خلافته المؤقت مدينة (مرو)، ثم استدعي اليه الامام الرضا عليه السلام و جماعة من كبار و رؤوس الهاشميين من آل أبي طالب من المدينة المنورة سنة (200 ه / 815 م)، لما كان يري من انثيال الناس علي ابن موسي بن جعفر عليه السلام و تعطفهم عليه، و أنه أخذ يستهوي قلوب القاصي و الداني. فكان هذا الأمر يقلقه كثيرا، اضافة الي ذلك فان المأمون العباسي كان يري أن لجماعة الهاشميين و علي رأسهم الامام الرضا عليه السلام دور في الثورات و الحركات - العلوية خاصة - التي حدثت في الكوفة أو اليمن أو المدينة و مكة، كثورة ابن طباطبا و أبي السرايا سنة (199 ه / 814 م) التي انطلقت من الحجاز و امتدت الي الكوفة ثم تطورت فشملت أكثر مناطق العراق. و حركة ابراهيم بن موسي بن جعفر في اليمن، و ثورة محمد بن جعفر الصادق في المدينة المنورة علي عهد هارون الرشيد. و ثورة زيد بن موسي بن جعفر الملقب ب (زيد النار) في البصرة. خاصة و أن دعواتهم كانت تنطلق باسم: (للرضا من آل محمد).



[ صفحه 87]



و في مناورة سياسية حاذقة دبرها المأمون مع وزيره الفضل بن سهل، رأي أن يسلم الخلافة للامام الرضا عليه السلام فأبي عليه الامام اباء شديدا، فأصر عليه المأمون قبول ولاية العهد. و أحسن الامام بالمناورة و أهدافها البعيدة، فقبل ذلك بشروط رآها عليه السلام تحقق المصلحة العامة، علي الأقل في مرحلته الراهنة.

و لم تمر سنة و نصف علي جلوس الامام الرضا عليه السلام في ولاية العهد، كان خلالها المأمون يتحين الفرصة السانحة للقضاء عليه دون أن يشعر أحد بذلك، و دون أن توجه اليه أصابع الاتهام، و يسخط عليه الرأي العام.

و فعلا فقد نجح الداهية اللعين في مسعاه ذلك، و قضي علي أفضل رجل علي وجه الأرض، كما عبر هو بذلك عنه. [1] .

ثم بعد أن استراح من تصفية أعظم و أقوي شخصية دينية و اجتماعية و سياسية، كانت تقض مضجعه، و هو متوجه في طريقه الي بغداد، للقضاء علي التمرد الذي حدث فيها، من قبل العباسيين الناقمين و الحاقدين عليه لمقتل الأمين و تنصيبه للرضا عليه السلام وليا للعهد، مع حقدهم علي آل أبي طالب، و استبداله لبس الخضرة بدل السواد شعار العباسيين التقليدي. فقد كان العباسيون أن أعلنوا الانفصال في بغداد، و بايعوا ابراهيم الخليع الماجن خليفة عليهم، و تبعه الغوغاء من الناس، و أهل المجون و الطرب.

و قبل دخول المأمون بغداد في المحرم من سنة (204 ه / 818 م) هرب ابراهيم و أعوانه مختفين في بغداد مدة طويلة، يطاردهم الخوف و الرعب من سطوة المأمون، و بعد دخوله بغداد و استتباب الأمن فيها، بدأ بانشاء قصور جديدة له و لوزرائه و قواده، و أخذ في تنظيم عاصمة الخلافة من جديد.



[ صفحه 88]



في خضم تلك الظروف الحساسة التي كان الجهاز الحاكم يعالج بها أوضاعه لتوطيد سلطانه، و في ظلال الهدوء الذي ساد المدينة و مكة، نتيجة توقف الانتفاضات و الثورات بعد قبول الامام الرضا عليه السلام لولاية العهد، بدأ الامام الجواد عليه السلام يمارس مهامه القيادية للأمة في توجهاتها الدينية و الفكرية.

و هكذا فقد شغل الصبي الوصي، و الوريث الوحيد لأبيه الرضا عليه السلام منصب الامامة منذ اللحظة التي توفي فيها الامام الرضا عليه السلام.. فما أن وافي نبأ شهادة الامام أبي الحسن عليه السلام أهالي المدينة [2] حتي هرعوا الي أبي جعفر الجواد عليه السلام يعزونه مصابه، و يشاركونه الأسي، و أخذت الوفود تقصده من بقية المناطق، و تتقاطر عليه مسلمة و رافعة اليه التعازي، و هي منبهرة بامامة ابن سبع سنين، خاصة و أنه عليه السلام كان يستهوي الجماهير و شيعته بحسن منطقه، و يستجلب انتباههم باجاباته العلمية الدقيقة و ما يحمله من علوم و معارف، الأمر الذي لم يعهده أحد من قبل لا من الشيعة و لا من غيرهم؛ لذا فقد أضحي حديث أبي جعفر الثاني عليه السلام يطغي علي الساحة، و أخذ حديث امامته و نبوغه يسري شيئا فشيئا الي مختلف أقطار الدولة الاسلامية، بعد أن أصبح حديث الناس عامة في مكة و المدينة و بغداد و الكوفة.



[ صفحه 89]




پاورقي

[1] راجع الارشاد / المفيد: 2 / 261.

[2] في تقديرنا أن الامام الجواد عليه السلام أخبر أهل بيته و عمومته بشهادة أبيه في صباح ليلة وفاته و تغسيله من قبله عليه السلام، لكن يبدو لصغر سن أبي جعفر أنهم لم يلتفتوا الي قوله، حتي كرر عليهم في اليوم التالي بأن ينصبوا مأتما لخير من صلي. فعرفوا منه شهادة أبي الحسن الرضا بعد يومين من وفاته عليه السلام، ثم بعد عدة أيام ورد الخبر من خراسان بشهادته. هكذا ورد في الرواية التي ذكرناها في باب معاجز الامام و كراماته عن أمية بن علي.