بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق اجمعين، والصلاة والسلام علي خير بريته، و اشرف سفرائه، العبد المؤيد والرسول المسدد، و المصطفي الأمجد المحمود الاحمد أبي القاسم محمد، و علي آله الاخيار الميامين الابرار. الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. والحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

اللهم صلي علي ولي امرك و حجتك علي خلقك، علم الهدي، و منار التقي، و العروة الوثقي و التاسع من الأئمة النجبا، الامام ابي جعفر محمد بن علي الجواد صلواتك عليهم أجمعين.

و بعد: بين يدي دراسة مفصلة، و بحث مستفيض عن سيرة الكوكب التاسع في سماء شمس النبوة الذي ملأ الدنيا علما و دراية و فضلا، و اخلاقا، و شجاعة، و جودا، و تقي.

لابد لي في هذه المقدمة أن أقول: لقد بعث الله سبحانه و تعالي رسوله محمد صلي الله عليه و اله و سلم بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله، فصدع بالنذارة، و بلغ الرسالة، الذي ضمن للامة سعادة الدنيا و الآخرة، و انزل القرآن المجيد تبيانا لكل شي ء، فيه الاحكام و الشرائع والسنن.

فكان صلي الله عليه و اله و سلم يفسر القرآن حسبما انزل عليه، من الاوامر و النواهي، و الحلال و الحرام، و الطاهر و النجس، و الصلاة، و الصيام، و الزكاة،و الحج و غيرها من الاحكام بمقتضي الحال و المقام.



[ صفحه 8]



فآمن به من آمن، و نافق من نافق.

و بما ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم هو خاتم الانبياء، و لا نبي بعده، و حيث ان القرآن هو آخر كتاب سماوي أرسله سبحانه و تعالي الي الناس كافة، و ان شريعته هي آخر الشرائع، «و ان حلاله حلال الي يوم القيامة و حرامه حرام الي يوم القيامة» فلا نسخ و لا تغيير في أحكام شريعة السماء، اذا فلابد ان يكون الدين الاسلامي، جامعا لكل الشرائط، حتي لا يحتاج الناس الي دين غيره، و لا الي شريعة اخري، و بها ختم الشرائع.

و ان الخلافة و الامامة نص من الله سبحانه و تعالي و انهما امتداد لشريعة السماء و بما جاء به الرسول الاعظم صلي الله عليه و اله و سلم؛ لذلك من المنطق و الحكمة ان يكون الخليفة و الامام، من سنخية الرسول و من اعلم الناس، و اشجعهم، و اسخاهم، و ان تتوفر فيه المؤهلات، و تجتمع فيه شرائط القيادة الحكيمة ليستطيع السير بالامة السيرة الصحيحة، و ليكون امتدادا لمسيرة سلفه و منهاجا للشريعة التي جاء بها الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم؛ بدون اختلاف و لا انحراف، و هي خاتمة الرسالات، لينضوي تحت لوائها المسلمون كافة.

و هل يمكن ان تعيش امة من الامم حياة مطمئنة مستقرة دون قائد محنك عادل، أو رئيس حكيم مطاع؟!!

و مما لا شك فيه و لا ريب، ان الرسول العظيم صلي الله عليه و آله و سلم كان اكثر اهل الدنيا، علما، و حلما، و حكمة، و دراية، و معرفة، و بصيرة ببواطن الامور، فهل من المعقول و المنطق السليم ان يترك صلي الله عليه و آله و سلم امته بلا خليفة و لا قائد و لا امام؟ في حين ان اي شخص عادي عند مماته يوصي من يعتمد عليه لانجاز مهامه من بعده، فكيف به صلي الله عليه و آله و سلم والحال هذه ان يترك امة اصبحت من ابرز الامم، و شريعة من افضل الشرائع كلها، و المفروض ان يمتد منهاجها الي آخر الدنيا، يتركها بدون



[ صفحه 9]



وصية مع وجود مردة اهل الكتاب و ذؤبان العرب، و المنافقين المحيطين به؟! (و من أهل المدينة مردوا علي النفاق).

و اذا نسبنا الاهمال الي سيد المرسلين و خاتم النبيين، و حاشاه ذلك، و قلنا: انه ترك شريعته و أمته سدي و بدون خليفة يعينه، فقد ظلمناه و افترينا عليه!!

اذا لابد ان يوصي صلي الله عليه و آله و سلم بهذه الامة خيرا، و يعين لها راع حكيم، و خليفة شجاع، و امام عادل، لتطبيق احكام الشريعة، و السير بالامة بعده السيرة الصحيحة كما سار بها في حياته صلي الله عليه و آله و سلم لسد الفراغ الذي تركه. اذا، فمن الخليفة او الامام الذي عينه من بعده يا تري و نصبه لامته؟!!

يقولون: ان الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم جعل خيار الخلافة من بعده الي أمته يختارون من يشاؤون، ليقوم باعباء الخلافة و قيادة الامة؟!

أقول: سبحان الله! و هل يعطي الشي ء فاقده؟!! ما ابعد هذا القول عن الواقع و الصواب، كيف تريد ان يقول النبي هذا القول الافلج حاشاه و هو القائل: «ستفترق امتي بعدي علي ثلاث و سبعين فرقة، ]فرقة ناجية[ فرقة في الجنة و الباقون في النار»؟! أليس معني ذلك ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم هو الذي حث الامة و ساعدها علي اختلاف كلمتها، و سبب التفرقة بين المسلمين اذ تركهم سدي؟!

«عفوك اللهم و غفرانك».

أليس معني هذا هو الضياع و الاهمال لشريعة السماء الذي تحمل من جرائها كل جهد، و بذل لأجلها كل غال و نفيس، و تحمل ما تحمل من العنت و العذاب، و المخاطر لاجل تثبيت اركان الشريعة، و هو القائل: «ما اوذي نبي بمثل ما اوذيت». و هل تراه بعد تحمل كل تلكم الجهود المضنية، ان يترك أمته فوضي لا سراة لهم؟ كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا.

اذا كان هذا زعم من يزعم، فلم لم يجعل الأول - حين مماته - الخلافة بعده



[ صفحه 10]



شوري؟!! و قد نصب و عين خليفته نصا من بعده عند مماته. و لم جعل الثاني خليفته في ستة نفر من المهاجرين دون الانصار، و جعل لها ضوابط حتي تؤول الخلافة الي بني امية عن طريق عثمان بن عفان الأموي، و هدد الستة النفر بالقتل ان لم يتفقوا فيما بينهم علي واحد منهم خلال ثلاثة ايام بفذلكه سياسية محنكة محكمة؟ [1] .

في حين قد صرح الثاني بعد استخلافه أنه: «بيعة ابي بكر فلتة و قانا الله شرها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه» اذا فقد حكم عمر بضلالة هذه البيعة و حكم بقتل نفسه و صاحبه، حينما اقدما علي الانقلاب في سقيفة بني ساعدة و قفزا الي سدة الخلافة بدهائهما، و ضربهما وصية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في تعيين اميرالمؤمنين علي عليه السلام خليفة بعده عرض الجدار، فانا لله و انا اليه راجعون، و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

اعود من حيث شطح بي القلم فأقول: نعم ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قام بما يلزم و ما يجب من تدابير محكمة اتجاه الخلافة، و احكم سد كل الفراغات، حتي لا ينفذ منها الانقلابيون، و المنافقون، و خطط لكل حادث بعده خطة، و احكم جميع النواحي، من أول يوم من اعلان رسالته، - يوم الدار - حين عين خليفته من بعده، فكانت دعوته الي التوحيد في اعلان رسالته، مقرونة بتعيين الامام و الخليفة من بعده.

و مما لا شك فيه و لا ريب ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم - «لا ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي» - لما قام بتعيين الخليفة و امامة الامة من بعده، كان التعيين من عند



[ صفحه 11]



الله سبحانه و تعالي، حينما بلغ بالوحي لتعيين علي أميرا للمؤمنين، و خليفة لرسول رب العالمين في يوم «غدير خم» الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام السنة العاشرة من الهجرة. فكان ذلك التنصيب بمثابة امتداد للرسالة الخاتمة.

و انطلاقا من هذا الواقع، فلقد قام صلي الله عليه و آله و سلم بهذه المهمة الخطيرة في أول يوم من بعثته، يوم جمع عشيرته - يوم الدار - و ابلغهم رسالته، و طلب منهم أن يكون أحدهم خليفته من بعده، حينما انزل سبحانه و تعالي في كتابه المجيد (و انذر عشيرتك الاقربين) في مأدبة اقامها لا عمامه و عشيرته، و هم حوالي اربعين رجلا من بني عبدالمطلب، و القصة معروفة و مفصلة في كتب السير و التاريخ و التفاسير من الفريقين [2] كما تجدها مفصلة في المجلد الاول من هذه الموسوعة.

و قد بذل الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم جهودا جبارة خلال سني نبوته، في سبيل تثبيت قواعد شريعته و تعيين خليفته و الامامة بعده.

فتارة يقول صلي الله عليه و آله و سلم: اني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي اهل بيتي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض - يوم القيامة - و انكم لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما [3] .

و تارة يرفع بضع ابن عمه - يوم غدير خم - و ينادي: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» [4] .



[ صفحه 12]



كما كرر صلي الله عليه و آله و سلم هذا الحديث في مناسبات عديدة «الأئمة بعدي اثناعشر، كلهم من قريش» [5] الي غير ذلك من النصوص و التصريحات، حول تثبيت الامامة و الخلافة من بعده، مما يطول شرحه، تجده في بطون السير و كتب الحديث.

و لا اريد في هذا المقام ان اتطرق الي هذا البحث، للجهود الجبارة و المساعي المضنية التي بذلها صلي الله عليه و آله و سلم خلال ثلاث و عشرين سنة من حياته الشريفة من يوم بعثته الي حين التحاقة بالرفيق الاعلي، و بمجرد ان اغمض عينية تبدلت الامور، و تغيرت الأوضاع، و حصل الانقلاب في سقيفة بني ساعدة - في امر دبر بليل - كما جاء في محكم الكتاب المجيد، (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفان مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم، و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين) آل عمران 144.

و زحزح الامام علي عليه السلام عن رواسي الولاية، و عن منصب الخلافة و الامامة التي نصبه الله سبحانه و رسوله فيها، و منع من القيام باعباء الشريعة و ادارة شئوون الملة، و حيل بينه في تطبيق و انجاز ما جاء به الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم و سلبوا كل امكانياته، و حاربوه، سياسيا، و اقتصاديا، و اجتماعيا، بكل الوسائل المتاحة لهم، و اخيرا استشهد مظلوما مقهورا، و هكذا شمل الظلم و الجور أئمة أهل البيت من ذريته الذين جاؤوا بعده، فقد كان مصيرهم مصير جدهم، صلوات الله عليهم اجمعين، و ما امامنا المفدي، أبوجعفر محمد بن علي الجواد الا واحد من هذه



[ صفحه 13]



السلسلة الطاهرة الذين لاقوا العنت و العذاب حتي استشهد مسموما في ريعان شبابه، اذ ما كان يبلغ الخامسة و العشرين من عمره الشريف.

و انما اريد ان اقول: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يترك الامة الاسلامية كقطيع غنم لا قائد لهم و لا راع يشرف علي امورهم، بل عين خلفاء و أئمة بعده و هم اثناعشر اماما، و سماهم باسمائهم قبل ان يولدوا، و هم كابرا عن كابر، و كلهم من قريش كلما غاب نجم طلع نجم آخر، ليواصل مسيرة سلفه و يطبق منهاج شريعة جده، و يمثل دور الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم و يتولي قيادة الامة الشرعية، و أني لهم ذلك فقد حيل بينهم و بين واجبهم، و هيمن حكام الظلم و الجور و امسكوا باسباب البطش و التنكيل.

اعود من حيث جرني القلم، فأقول: كيف أستطيع ان اصف و اتحدث عن هذا الامام العظيم، و قد جهل اهل زمانه قدره، و قدر آبائه الطاهرين قبله، يوم كان الظلام الدامس مخيما علي ربوعهم، و الجهل منتشرا في اجوائهم، و العمي ضاربا علي ابصارهم و بصيرتهم، بسبب اعلام حكام الجور و ظلمهم، و سياستهم المقيتة التي مارسوها ضد أئمة اهل البيت عليهم السلام و المرتزقة من اتباعهم، لخنق الأراء الرشيدة التي جاء بها الاسلام و تعاليمه الصائبة جاهدين في تحريف رسالة السماء عن اهدافها، و ما جاء به الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و ذلك للحفاظ علي عروشهم؟!

و عندما ازيح كابوس الظلم و الجور بعض الشي ء عن أئمة اهل البيت عليهم السلام بسبب الصراع الدائر بين افول الحكم الأموي المنقرض، و شروق الحكم العباسي المجهول، كما ازيح حجاب الغفلة عن ابصار بعض اللاهثين وراء الدنيا و التابعين للحكام والكشف عن ابصار البعض منهم و قد استبصروا بعد عمي و ضلال، و عرفوا بعض قدر اهل البيت و ما لهم من مكانة علمية رفيعة، و معارف فريدة.

فكان أئمة أهل البيت عليهم السلام عندما سنحت لهم الفرصة لنشر علومهم



[ صفحه 14]



و معارفهم، وجدوا لزاما عليهم، و ما ادخروا وسعا في تعليم الجاهل و ارشاد الضال، و تكريم العالم، و تشجيع العامل لنشر العلوم و المعارف علي كل الأصعدة، و في كل البقاع.

فان اهل البيت صلوات الله عليهم، مفتاح كل خير، و منهل كل علم، و مربع كل خلق كريم، و مأوي كل ضال، سيرتهم منبع الفضائل، و روائع افعالهم قلائد في اعناق الخلائق، فما من عالم سما بعلمه الا و هو عيال عليهم و هم سادته و اساتذته أيا كان، و في اي فرع نبغ، منهم اخذ و بهم اقتدي.

حتي ان كان عالم فذ، و عبقري لوذعي، برز في علمه و فنه في اي بقعة كان من بقاع العالم، يفتخر بالانتساب الي مدرسة اهل البيت عليهم السلام العالية، و جامعتهم الرشيدة، سواء تلمذ لهم مباشرة او لم يتلمذ فهو يفتخر بالانتساب الي احد افذاذ الأئمة الطاهرين من اهل البيت عليهم السلام.

ان معانات الامام الجواد عليه السلام من حكام عصره هي نفس المعانات التي ابتلي بها ابوه الامام الرضا عليه السلام و هي تختلف عن اساليب المعانات التي ابتلي بها ابائهما الطاهرين، من العنت و العذاب جهارا وزجهم في قعر السجون و ظلم المطامير، و خنق حرياتهم.

فقد عامل المأمون العباسي الامام الرضا عليه السلام كولي عهد له في الظاهر بعد ما ارغمه علي قبول ولاية العهد له، و الهدف من ذلك تهدئة خواطر العلويين الثائرين هنا و هناك و اتباعهم في انحاء العالم الاسلامي المترامي الاطراف، من اجل استرجاع الحق المغصوب للرضي من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم الذي نادوا بهذا الشعار ابان الثورة علي الأمويين، بالاضافة استبدادهم و ظلمهم و تصفية العلويين خصومهم جسديا.

و بهذه الفذلكه السياسية المحنكة استطاع المأمون العباسي تهدئة ثورات



[ صفحه 15]



العلويين باعتبار ان الامر سيؤول الي العلويين فيما بعد، و قد استطاع بدهائه ان يأمن جانب العلويين و ثوراتهم - ثم اتجه بعدها الي فتح العراق و القضاء علي حكم اخيه محمد الأمين و اتباعه من العباسيين و قوادهم.

كما ابتلي الامام الجواد بعد ابيه بالمأمون و اخيه المعتصم حتي قضي بالسم علي يد زوجته الضالة (ام الفضل بنت المأمون) بتحريض المعتصم.

الامام الجواد عليه السلام فذ من الافذاذ علي رغم صغر سنه، و لقد فوت الفرصة علي المأمون العباسي حينما اراد ان يحتويه و يسيطر عليه، في عدة مناسبات.

كان يحاول ابعاد اصابع الاتهام المشيرة اليه في اغتيال ابيه الرضا عليه السلام بالسم، بتزويجه ابنته ام الفضل عسي أن يكون لها منه ولد.

غير أن الامام بيقضته و فطنته فوت علي المأمون الفرص حتي هلك. تميز الامام الجواد عليه السلام بالزهد علي الرغم مما بذل له من اسباب الرفاه و البذخ و الجاه و هو في مقتبل العمر غير انه شاح بوجهه عنها، و زهد زهد الراحل عنها، و كان يفضل خبز الشعير و جريش الملح و هو عند جده المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم علي حياة البذخ و الرخاء.

اما علمه اللدني فهو امتداد من علم آبائه الطاهرين و سيكشف لك مدي علمه في محاججاته و مناظراته مع العلماء، و اما سلوكه و سيرته فهو الطابع المتميز بين اهل زمانه.

و من اجل ذلك خافهم حكام زمانهم في كل عصر و مصر، سواء الأمويون منهم أو العباسيون، فكادوا لهم الغوائل، و تفننوا في اذاهم من تعذيب نفسي و جسدي، مزعزعين بهم في اشخاصهم قهرا الي عواصم حكمهم سواء كان ذلك في بغداد، او خراسان، او سامراء، وزجهم في السجون المظلمة و الطوامير الرهيبة حينا، او اطلاق سراحهم و التقرب اليهم حينا آخر، و لم يردع الأئمة الطاهرين في



[ صفحه 16]



كل ذلك عن تبليغ رسالة الاسلام، في ارشاد الضال و توعية الأمة، و تعرية الحكام و تبليغ الرسالة في اسلوب علمي رصين و دراسة عميقة، تحكي في سلوكها ما جاء به الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم في رسالته، رغم شدة الظروف القاسية الحرجة التي مارسها حكام الظلم و الجور ضد أئمة أهل البيت عليهم السلام حتي قضوا عليهم مشردين في بقاع الارض. حتي استشهد شاعر اهل البيت بهذه الأبيات.



لا أضحك الله سن الدهر ان ضحكت

و آل احمد مظلومون قد قهروا



مشردون نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر



و هذا الامام الجواد بن الرضا عليه السلام سليل النبوة لما سنحت له الفرصة و ثنيت له الوسادة منذ نعومة أظفاره و حداثة سنة، و عز شبابه، فقد ملأ الدنيا علما و دراية بشتي فنونها.

و يكفيه فخرا ان أللجم قاضي قضاة الحكم العباسي يحيي بن اكثم و هو ابن سبع سنين و القمة حجرا، في المؤتمر العام الذي أمر المأمون العباسي بعقده بحضور الامراء من بني العباس، و العلماء و الحكام و القواد، في سرادق سلطانه.

و لما قررت ان اترجم لسيرة هذا الامام الفذ علي الرغم من قصر عمره الشريف الذي لم يبلغ الخامسة و العشرين عاما، وجدت نفسي امام بحر عجاج متلاطم الامواج لا يسبر غوره، و لا يدرك ضفافه، فغصت في اعماقه و استخرجت ما يمكن استخراجه من اللآلي ء النضرة، و نضدتها في صحن الولاء، اقدمها لك عزيزي الغالي لتأخذ منها ما يحلو لك و ما يهمك من العظة و العبر و الارشاد، عسي ان تنتفع به و تجعله نبراسا ينير دربك، و تقتدي به في سلوكك ايام حياتك لينفعك في آخرتك. و لعلك تجد هفوة في تعبير، أو زلة قلم، راجيا اعلامي حتي أتدارك الخطاء في الطبعات الاتية. «سبحان من لا يخطي ء».

وسيليه المجلد الرابع عشر في ترجمة و سيرة الامام العاشر ابي الحسن علي



[ صفحه 17]



بن محمد الهادي عليه السلام ان شاء الله.

سائلا المولي القدير ان يتقبل مني هذا الجهد اليسير و يجعله ذخرا لي و لوالدي في يوم عز فيه الشافع و عدم فيه الناصر و يكون سببا لنجاتي و عتق رقبتي فانه ارحم الراحمين.

و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

العبد المنيب - الراجي عفو ربه

حسين الشاكري

دارالهجرة - قم المقدسة - 17 ربيع الأول سنة 1419 ه



[ صفحه 21]




پاورقي

[1] راجع كتب السير و التاريخ لتطلع علي جلية الأمر لاسيما المجلد الاول و الثاني من هذه الموسوعة.

[2] تاريخ الطبري: ج 2 ص 216 ط مصر سنة 1300 ه/ تاريخ ابن الاثير الشافعي: ج 2 ص 22 ط مصر عام 1303 ه/ مسند احمد بن حنبل: ج 1 ص 111 و 159 و 331، و لشهرة الحديث و تواتره، ذكره بعض العلماء من الفريقين في كتبهم، بعدة لغات منها: الفرنسية، و الانجليزية و الالمانية، و اختصر توماس كارليل في كتابه الابطال.

[3] المستدرك علي الصحيحين للحاكم: ج 3 ص 109 / صحيح مسلم: ج 2 ص 20 الخصائص للحافظ النسائي.

[4] تفسير الرازي: ج 3 ص 636 / تفسير ابن كثير: ج 2 ص 14 / تفسير الآلوسي: ج 2 ص 350 / تفسير الطبري: ج 3 ص 428 و غيرها من التفاسير و عشرات المصادر و لمزيد الاطلاع راجع كتاب الغدير ج 1 للعلامة الاميني.

[5] كفاية الأثر للثقفي و روي قريبا منه: البخاري في صحيحه: ج 4 كتاب الاحكام ص 175 ط مصر سنة 1355 ه/ و مسلم في صحيحه: كتاب الاماره: ج 2 ط مصر 1348 ه و غيرهم كثيرون.