بازگشت

استنتاج


النتيجة التي نتوصل اليها من خلال النظر في الروايات، و الدلائل، و القرائن، هي أن الامام الجواد عليه السلام لم يمت حتف أنفه علي ما يبدو. و رغم وجود النصوص التاريخية الكثيرة التي لم تتعرض لكيفية وفاته عليه السلام، الا أن موته المبكر و هو في سن الخامسة و العشرين من العمر، و في بغداد عاصمة المعتصم. بل، و عشرة أشهر من بعد استدعائه اليها. كل ذلك يشير الي أن موت الامام عليه السلام كان اغتيالا.

و ثمة رواية عن الرضا عليه السلام أنه قال: «يقتل ابني محمد عليه السلام غصبا، فتبكي عليه أهل السماء و الأرض، و يغضب الله عزوجل علي عدوه و ظالميه، و لم يلبث الا سنة حتي يحل الله به عذابه الأليم و عقابه الشديد الجسيم.» [1] .

و نحن نعلم أن الموت الطبيعي للانسان يكون في المتوسط بعد سن الستين، و أما قبل ذلك فلابد أن يكون عن مرض أو حادثة عن طريق عامل داخلي أو خارجي، و هذا بدوره يشير الي أن الوفاة لم تكن طبيعية، و عليه فلا أحد يقول ان الامام كان مريضا مرضا عضالا - مثلا - مما أدي به الي الوفاة، أو ان نوبة قلبية أصابته، و هو ما كان معروفا بموت الفجأة، بل ان النصوص الساكتة عن كيفية وفاته قد يشم منها رائحة التقية.



[ صفحه 51]



فالمتوكل الذي خلف الواثق علي الحكم سنة (232 ه / 847 م) كان شديد الوطأة علي آل البيت و شيعتهم في كل الأمصار، حتي وصل الأمر أن المتظاهر بالتشيع كان يدفع الثمن غاليا، فضلا عن أن يذكر فضائل آل البيت أو ما حل بهم و ما لا قوة من ظلم بني العباس، و الذي سبق المتوكل و من تلاه ليس بأحسن حالا منه.

و علي كل حال، فالراجح أنه عليه السلام مات مسموما، و أن زوجته أم الفضل هي التي سمته بايعاز من عمها المعتصم العباسي الذي ما استدعاه الي بغداد الا ليقضي علي الامام عليه السلام و يطفئ نوره، و قد فعل.

و هذا اذا عرفنا أن سم الامام عليه السلام كان متوقعا من قبل المحيطين به منذ أمد بعيد، يوم دخل عليه محمد بن علي الهاشمي صبيحة ليلة دخوله بأم الفضل، فكان هذا يتوقع أن يأتوا للامام بماء مسموم. كما أفلت عليه السلام من محاولات سابقة أخري استهدفت سمه في الطعام.

فقد روي أبوجعفر المشهدي باسناده، عن محمد بن القاسم، عن أبيه، و عن غير واحد من الأصحاب أنه سمع عمر بن الفرج أنه قال: سمعت من أبي جعفر شيئا لو رآه محمد أخي لكفر.

فقلت: و ما هو أصلحك الله؟

قال: اني معه يوما بالمدينة اذ قرب الطعام، فقال: «أمسكوا». فقلت: اي قد جائكم الغيب.

فقال: «علي بالخباز، فجئ به فعاتبه و قال له: «من أمرك أن تسمني في هذا الطعام؟».



[ صفحه 52]



فقال له: جعلت فداك فلان، ثم أمر بالطعام فرفع و أتي بغيره. [2] .

أما كيفية سمه و عن أي طريق، فهو أمر غير ذي بال بعد أن تحقق لديك أنه عليه السلام مات مسموما. فلا يبعد أنهم استعملوا معه كل وسائل التسميم للقضاء عليه، و لعدة مرات حتي تمكنوا منه عليه السلام في واحدة منها.

و مع هذا فلا يمكن نفي رأي معلم الأمة أو شيخ الطائفة و غيرهم بالمرة. فان عدم ثبوت الخبر أو الاغضاء عنه يستلزم مزيد تتبع و استقصاء.


پاورقي

[1] مجموعة وفيات الأئمة، وفاة الامام محمد الجواد عليه السلام للشيخ حسين الدرازي البحراني: ص 339.

[2] الثاقب في المناقب: ص 207.