بازگشت

استشهاد الامام الجواد


كان الأب متثاقلا من الحديث هذا اليوم. لعله بكون حديثه سيحدد في نفسه حزنا و أسي طالما تمني أن يتناساه. في حين كان الأبناء في شوق كبير لحديثه. و هذا حالهم كل يوم. و حتي في الأيام التي يكون فيها الحديث عن مقاتل الأئمة من آل البيت عليه السلام. فهم لا يزالوا يتحرقون شوقا لمعرفة أحوالهم جميعا. سواء كانت مجلبة للسرور أو الاسي.

و لأول مرة كان محمد يسعي بعدم الرغبة في الوصول الي بيته سريعا. و لأول مرة أيضا شعر و كأنه يحمل في نفسه هموما كبيرة. و هي أن زادت أو تجددت سوف لا يطيق احتمالها. و لذلك صار يهاب الوصول الي بيته كي لا يبدأ حديثه.

و هو في طريقه للعودة الي أسرته. أخذ يسائل نفسه لماذا كل هذا الشعور و هذا الحذر؟ و هل جديد عليه حينما يتحدث أو يحدثه أحد عن مصائب آل البيت؟ ألم يكن هذا الحديث يعاد علي مسامعه بين فترة و أخري منذ سنين طويلة؟ ما الذي تغير الآن. و لماذا كل هذا لهم و هذا الضيق الذي يحسه؟



[ صفحه 278]



فحين ابتلا الله تعالي آل البيت النبوي الأطهار بكل ما تعرضوا له من مآسي. كان ذلك من أجل مضاعفة الأجر لهم أولا. و كذلك من اجل ان يبتلي الله تعالي الناس بهم. فمن واساهم و شاركهم أحزانهم فله أجر محمود يوم القيامة. و من رضي أو فرح أو شارك باذاهم فله جزاء ذلك سوء المنقلب و سوء الجزاء. و هو و أسرته بحمد الله تعالي مواسين لآل البيت. اذا يجب ان يستزيد من الحزن و الاسي علي ما جري لهم و عانوه. كي يضاعف الله لهم الأجر و الثواب.

و فجأة وجد محمد نفسه يود لو طويت به الأرض ليصل داره سريعا. و لكي يبدأ حديثه. و ليتألم و يحزن هو و أسرته ما شاء الله لهم أن يتألموا و يحزنوا. ففي ذلك ثواب جزيل ينفعهم حينما لا ينفع الانسان شي ء غير عمله و مواساته للنبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و لآله.

و دخل محمد داره و بدأ أسرته بالتحية فكان ردهم علي تحيته بأحسن منها. و سار الجميع متجهين نحو غرفة الجلوس. و ما هي الا دقائق خفف بها الأب شيئا من ملابسه و أخذ بينهم مكانه. و الأبناء عيونهم لا تفارق وجه أبيهم انتظارا منهم في أن يبدأ حديثه.

فقال الأب: حديثنا اليوم عن الكيفية التي استشهد بها الامام الجواد محمد بن علي عليهم السلام. و كما حدثتكم ان الامام الجواد عليه السلام بقي في المدينة المنورة منذ أن استأذن المأمون العباسي في الحج. الي أن توفي المأمون في السنة الثامنة عشر بعدا لمائتين. فبويع بالخلافة بعده للمعتصم. و كان يحمل من الحقد و الحسد للامام الجواد عليه السلام الشي ء الكثير. و سببه ما كان يطرق سمعه من الفضائل و المعجزات التي كانت الناس تنقلها اليه عن الامام الجواد عليه السلام فاستدعاه اليه في بغداد.



[ صفحه 279]



و قبل خروج الامام الجواد عليه السلام أوصي الي ولده علي الهادي عليه السلام و جعله الخليفة من بعده. و نص عليه بالامامة بمحضر من أكابر الشيعة و ثقاتهم. و دفع اليه بكتبه و سلاحه و آثار الأنبياء و الأوصياء. ثم عزم علي المسير الي بغداد مكرها. و ودع الأهل و الأولاء وداع مفارق لا يعود. و كان ذلك في اليوم الثامن و العشرين من المحرم في السنة العشرين بعد المائتين من الهجرة النبوية الشريفة.

فقال الابن الاكبر: و هل كان الامام الجواد عليه السلام يعلم بما سيجري له يا أبي؟

الأب: نعم يا ولدي. فقد ذكرت لكم من قبل أنهم عليه السلام كانوا يعملون بما يجري لهم. بل هم يعلمون كما ذكرت بما كان و ما سيكون. علما تعلمه الابن عن أبيه عن جده عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله جل جلاله. و قد علموا بعضا منه أكابر اصحابهم و مواليهم. كما سبق و أن ذكرت لكم من قبل: علموه لميثم التمار و رشيد الهجري و هاني ء بن عروة و أمثالهم من الأوفياء الصادقين.

ثم قال الأب: و قد روي عن أبي مسافر عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال في العشية التي توفي فيها: اني ميت الليلة. ثم قال عليه السلام: نحن معشر اذا لم يرض الله لاحدنا الدنيا نقلنا اليه. [1] .

و روي عن هارون بن الفضل قال: رأيت أباالحسن علي بن محمد عليهماالسلام في اليوم الذي توفي فيه أبوجعفر محمد بن علي عليه السلام. فقال: انا لله و انا اليه راجعون. مضي أبوجعفر عليه السلام.



[ صفحه 280]



فقيل له: و كيف عرفت؟ قال عليه السلام: لأنه تداخلني ذلة لله لم أكن أعرفها. [2] .

و في رواية أخري: قال الوشا. جاء المولي أبوالحسن علي بن محمد عليه السلام مذعورا حتي جلس في حجر أم موسي و بكي. فقالت: مالك؟ فقال عليه السلام: مات أبي و الله الساعة. فقلت: لا تقل هذا فقال عليه السلام: كما أقول لك.

فقال الوشا: فكتب اليوم و الوقت. فجاء بعد أيام خبر وفاة محمد بن علي عليه السلام و كان كما قال [3] .

فقال الابن الأكبر: و كيف كانت وفاة الامام الجواد يا أبي؟

الأب: ذكرت لكم يوم امس ما روي عن زرقان صاحب أبي داود الفقيه في زمن المعتصم. و ذكرت لكم كيف قال للمعتصم: أن نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة. و أنا اكلمك بما أعلم اني داخل به النار.

فقال الأبناء: نعم يا أبي. و قد فهمنا كيف كان كلامه كأن فيه تحريض غير مباشر للمعتصم علي الامام الجواد عليه السلام.

فقال الأب: نعم. و لذلك ما كان من المعتصم في اليوم الثاني بعد لقائه بأبي داود. الا أن أمر أحد كتاب وزرائه في ان يدعو الجواد عليه السلام الي منزله. فدعاه. فأبي الامام أن يجيب دعوته فقال عليه السلام له: قد علمت اني لا احضر مجالسكم. فقال: اني انا ادعوك الي طعام. و أحب ان تطأ ثيابي. و تدخل منزلي. فاتبرك بذلك. فقد احب فلان من وزراء الخليفة لقاءك.



[ صفحه 281]



فلبي الامام محمد الجواد عليه السلام الدعوة. فصار اليه. فلما طعم أحس بالسم. فدعا بدابته. فسأله رب المنزل ان يقيم. فقال عليه السلام له: خروجي من دارك خير لك. فلم يزل عليه السلام يومه ذلك في قلق حتي قبض عليه السلام.

و في رواية أخري: أنه عليه السلام لما خرج الي العراق كانت معه زوجته ابنة المأمون. و حينما أقاموا في بغداد. كان المعتصم قد اغري ابنة المأمون في أن تسم الامام الجواد عليه السلام. و قد كان علي علم و معرفة من انحرافها عن الامام أبي جعفر عليه السلام و شدة غيرتها عليه. و حنقها علي أم أبي الحسن علي بن محمد. خصوصا و هي لم ترزق من الجواد عليه السلام بولد. و لذلك فقد استجابت للمعتصم فيما أشار به عليها. و جعلت سما في عنب. و وضعته بين يديه. فلما أكل عليه السلام منه ندمت. و جعلت تبكي. فقال لها الامام الجواد عليه السلام: ما بكاؤك؟ و الله ليضربنك الله بعقر لا ينجبر. و بلاء لا ينستر. فماتت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها. صارت ناسورا. فانفقت مالها. و جميع ما ملكته علي تلك العلة حتي احتاجت الي الاسترفاد. [4] .

و قيل ان أم الفضل ابنة المأمون سمعته في فرجه عليه السلام بمنديل (يعني أنها لطخت المنديل الذي يمسح به عليه السلام بعد المواقعة بالسم) فلما أحس عليه السلام بذلك. قال لها: ابلاك الله بداء لا دواء له. و كان ذلك. [5] .

و في رواية أخري: أن المعتصم كتب الي عبدالملك الزيات في ان ينفذ اليه الامام الجواد عليه السلام و أم الفضل. فانفذ الزيات علي بن يقطين اليه. فتجهز عليه السلام و خرج الي بغداد. فاكرمه المعتصم



[ صفحه 282]



و عظمه. و انفذ بالتحف اليه و الي أم الفضل. ثم أنفذ اليه شراب حماض الاترج تحت ختمه. علي يد أساس عبده. و قال: ان أميرالمؤمنين ذاقه قبل، أحمد بن أبي داود و سعيد بن الخضيب و جماعة من المعروفين. و يأمرك أن تشرب منها بماء الثلج. و صنع له الثلج في الحال. فقال عليه السلام: أشربها بالليل. و كأنه كان صائما. فقال: انها تنفع باردا. و قد ذاب الثلج. و أصر علي ذلك. فشرها عليه السلام عالما بفعلهم. و كان فيها سم.

فقال الابن الأكبر: هذه الروايات مختلفة عن بعضها يا أبي؟

فقال الأب: و ان اختلفت في الصورة يا ولدي الا أنها اتفقت أن السم كان بأمر المعتصم. و هذا يعني أنه القاتل للامام الجواد عليه السلام.

فقال الابن الأكبر: و متي كان ذلك قد حدث يا أبي؟

فقال الأب: قال المجلسي ان الأشهر في تاريخ وفاته عليه السلام كان آخر شهر ذي القعدة. سنة مائتين و عشرين من الهجرة النبوية. و قيل السبت سادس ذي الحجة. و قيل يوم ثلاثا حادي عشر ذي القعدة. و كان عمره عليه السلام حينئذ خمسا و عشرين سنة و شهرين و بضعة أيام. و كانت مدة امامته عليه السلام كما سبق و أن ذكرت لكم سبعة عشر سنة و قيل كسر السنة.

الابن الأكبر: و هل كانت وفاته عليه السلام في بغداد يا أبي؟

الأب: نعم يا ولدي. كانت وفاته عليه السلام في بغداد. و هذا لا خلاف عليه. و دفن في مقابر قريش بحذاء جده موسي الكاظم عليه السلام بن جعفر الصادق عليه السلام. [6] .



[ صفحه 283]



الابن الأكبر: و ما كان نقش خاتمه يا أبي؟

روي في الفصول المهمة أن نقش خاتمه عليه السلام كان: نعم القادر الله.

فقال الابن الأكبر: نعم القادر الله. و نعم الحاكم العادل.

ثم قال الابن الاكبر: و هل كان له أبناء غير الامام علي الهادي يا أبي؟

فقال الأب: أولاده من البنين و البنات ثمانية. الذكور هم:

محمد و الحسن: لم يكن لهم عقب.

و موسي: و أمه أم ولد. مات بقم و قبره بها. و قد اعقب من ولدين هم أحمد و محمد. و يقال لولده الرضويين و هم بقم أيضا. [7] .

و علي الهادي: و هو خليفة أبيه الجواد عليه السلام و الامام بعده.

ثم قال الأب: و سنتحدث عنه ان شاء الله في المستقبل القريب.

ثم صمت الأب: برهة من الزمان ليتذكر خلالها هل من شي ء يخص الامام الجواد محمد بن علي عليه السلام لم يذكره لأبنائه كي يحدثهم عنه. فما وجد. فقال لأبنائه: هذا كل ما أعرفه عن الامام الجواد يا أبنائي. و الحمد لله علي كل حال. و الصلاة علي حبيبه المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي آله و سلم تسليما كثيرا.

ثم نهض الأب من مكانه. و نهض أبناؤه معه. و تمني كل منهم للآخرين ليلة سعيدة.


پاورقي

[1] الخرايج للقطب الراوندي.

[2] الكافي للكليني.

[3] ذكره السيد عبدالله شبر في جلاء العيون ج 3 ص 115 عن عيون المعجزات.

[4] روي ذلك المرتضي في عيون المعجزات.

[5] روي ذلك ابن شهر آشوب في المناقب.

[6] ذكر ذلك الحميري في الدلائل عن محمد بن سنان.

[7] راجع كتاب عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 201 و كتابنا أنساب آل البشير طبع دار الهادي بيروت - لبنان.