بازگشت

محاولة في قتل الامام الجواد فاشلة


بدأ الأب حديثه هذا اليوم بعد أن جلس هو و أبناؤه كل في محله الذي اعتاده فقال: يتابدر الي الذهن قول لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قاله لعلي بن أبي طالب عليه السلام: اني لا أخاف علي امتي مؤمنا و لا مشركا. أما المؤمن فيمنعه الله بايمانه. و أما المشرك فيقمعه الله بشركه. و لكن أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون.

ثم قال الأب: فالمنافق هو الاشد خطرا علي هذه الأمة. و هذا ما هو واضح من حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و من المؤلم أن يكون صفة حكام بني أمية و بني العباس خاصة. و كل من ادعي خلافة الله و رسوله بغير حق و لا سابقة خير و لا حاضر تقوي. فالمتقي كما قال عنه أميرالمؤمنين عليه السلام: هو الذي لو وضع عمله علي طبق مكشوف و يدور به علي العالمين لم يكن فيه ما يستخفي به و يستحي منه.

فقال الابن الأكبر: و كيف يكون الانسان تقيا يا أبي؟

فقال الأب: قلنا مرارا أن القرآن الكريم لم يترك صغيرة و لا كبيرة الا ذكرها الله تعالي فيه و اطلعنا عليها. و أن تشابه الأمر علي



[ صفحه 260]



المسلم كذلك قد بين الله تعالي له الي من يلتجي ء فقال له جل جلاله: (و مآ ءاتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا). ثم قال جل جلاله: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم تعلمون).

و لو أردنا معرفة حقيقة التقوي لتيسر لنا ذلك من خلال حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيث قال: لا يبلغ العبد حقيقة التقوي حتي يدع ما لا بأس به حذرا مما بأس به...

اذا فالتقوي هي صيانة النفس عما يضرها في الآخرة. و قصرها علي ما ينفعها. [1] و من خلال ما قدمناه يتبين لنا أن من نصبوا أنفسهم خلفاء سواء في الفترة الأموية أم الفترة العباسية. لم يكن لهم من التقوي نصيب. و هذا لا جدال فيه من خلال ما ذكر لهم التاريخ من مواقف مع العترة الطاهرة من آل البيت عليه السلام.

ان خير محك لتقوي الفرد هو أن يكون في موضع مسؤولية. لأن النفس أمارة بالسوء و محبة للخير العاجل و التمتع بملاذ الدنيا و زيتها. و الأدلة علي ذلك كثيرة و عديدة منها ما ورد في كتاب الله تعالي. و منها ما ورد في أحاديث المصطفي الحبيب محمد صلي الله عليه و آله و سلم و آل البيت النبوي الأطهار. و كذلك علي لسان العلماء الاعلام. و الخيرين الكرام. و كذلك علي لسان من لم يكونوا من أصحاب التقوي كفلتات لسان. أو صرخة الحق دون ارادة منهم. كما حصل ذلك علي لسان عمرو بن العاص في شعر له قاله حينما كان قد خير نفسه بين ان يعتزل و يبقي بعيدا و بين الخروج مع معاوية بن أبي سفيان في حربه لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. حيث قال في شعره:



نفسي تعف و أخري الحرص يغلبها

و المرء يأكل تبنا و هو غرثان





[ صفحه 261]





أما علي فدين ليس يشركه

دنيا و ذاك له دنيا و سلطان



فاخترت من طمعي دنيا علي

بصر و ما معي بالذي أختار برهان



لم يتح الزمان فرصة لواحد من الأئمة الأطهار في ان يحكم بين الناس علي سنة الله تعالي و رسوله محمد صلي الله عليه و آله و سلم فترة من الزمان غير أميرالمؤمنين علي عليه السلام. و مع قصرها فان بامكان المسلم أن يعترف بشكل واضح و جلي كيف يجب أن يكون عليه الخليفة. من خلال ما ذكر له التاريخ من مواقف. و كتب كان قد بعث بها الي عماله. أو خطب كان عليه السلام قد تحدث بها مع المسلمين. أو مواعظ و ارشادات قدمها للمسلمين تهذيبا لأنفسهم و اصلاحا لاعمالهم. كقوله عليه السلام: أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أميرالمؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر. أو أكون اسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها. أو المرسلة شغلها تقمحها. اجر حبل الضلالة أو اعتسف طريق المتاهة.

لقد شهد التاريخ أن عليا عليه السلام قال ذلك و فعله. و ما كان فعله قاصدا به أن يقال عنه أميرالمؤمنين دون أن يواسي الناس بفقرهم و حاجتهم. و كذلك هو زهد منه بالدنيا و تأس برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي ما بات ثلاثة ليال متوالية و هو شبعان. ما غرت الدنيا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و ما استطاعت أن تغرر بعلي عليه السلام و لا حتي بأي من الأئمة الأطهار عليه السلام. و قد كانت لعلي عليه السلام أحاديث كثيرة في الدنيا حتي سميت بطليقة علي. بناء علي مقولته المشهورة التي خاطب بها الدنيا: يا دنيا أألي تعرضت؟ أم الي تشوقت؟ لقد طلقتك ثلاث فلا رجعة لي فيك.

و كان له عليه السلام في الدنيا و غرورها شعرا كثيرا منه قوله:



لقد خاب من غرته دنيا دنية

و ما هي ان غرت قرونا بطائل





[ صفحه 262]





اتتنا علي زي العزيز بثينة

و زينتها في مثل تلك الشمائل



فقلت لها غري سواي فانني

عزوف عن الدنيا و لست بجاهل



و ما أنا و الدنيا فان محمدا

رهين بفقر بين تلك الجنادل



و هبنا اتتنا بالكنوز و درها

و أموال قارون و ملك القبائل



أليس جميعا للفناء مصيرها

و يطلب من خزانها بالطوائل



فغري سواي انني غير راغب

لما فيك من عز و ملك و نائل



و قد قنعت نفسي بما قد رزقته

فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل



فاني أخاف الله يوم لقائه

و أخشي عتابا دائما غير زائل



ثم قال الأب: هذا قليل من كثير من الخصال و السجايا المحمدية التي اختص بها علي عليه السلام و آل البيت النبوي الأطهار. فهل يا تري حمل بغضا منها من ولي الخلافة من الأمويين أو العباسيين. فهذا المأمون العباسي واحدا من الذين اعتلوا كرسي الخلافة فما منعه شي ء مما ورد في كتاب الله تعالي و لا ما في أحاديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم في آل بيته من أن يقدم المرة تلو الأخري علي أذي الأئمة الأطهار الذين شاءت حكمة الله تعالي أن يكون عهدهم في زمن حكمه و تسلطه. و لم يكفه ما فعله بالرضا عليه السلام. حتي راح يتبع نفس النهج مع ابنه الجواد عليه السلام. فقد روي عن حكيمة بنت الامام الرضا عليه السلام قالت:

لما مات ابن الرضا عليه السلام أتيت زوجته أم عيسي بنت المأمون [2] فعزيتها فوجدتها شديدة الحزن و الجزع عليه. تقتل نفسها



[ صفحه 263]



بالبكاء و العويل. فخفت عليها أن تتصدع مرارتها. فبينما نحن في حديثه و كرمه و وصف خلقه و ما أعطاه الله تعالي من الشرف و الاخلاص. و منحه من العز و الكرامة. اذ قالت أم عيسي: ألا اخبرك عنه بشي ء عجيب. و أمر جليل. فوق الوصف و المقدار؟ قلت: و ما ذاك؟ قالت: كنت أغار عليه كثيرا. و أراقبه ابدا. و ربما يسمعني الكلام فأشكوا ذلك الي أبي. فيقول: يا بنية. احتمليه. فانه بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فبينما أنا جالسة ذات يوم. اذ دخلت علي جارية. فسلمت علي. فقلت: من أنت؟ فقالت: أنا جارية من ولد عمار بن ياسر. و أنا زوجة أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام زوجك. فدخلني من الغيرة ما لا أقدر علي احتماله. و هممت أن أخرج و أسيح في البلاد. و كاد الشيطان يحملني علي الاساءة اليها. فكظمت غيظي. و أحسنت رفدها و كسوتها. فلما خرجت من عندي. نهضت و دخلت علي أبي. و أخبرته بالخبر. و كان سكرانا لا يعقل. فقال: يا غلام. علي بالسيف. فاتي به. فركب و قال و الله لاقتلنه. فلما رأيت ذلك قلت: انا لله و انا اليه راجعون. ما صنعت بنفسي و بزوجي؟ و جعلت الطم حر وجهي. فدخل أبي عليه. و ما زال يضربه بالسيف حتي قطعه. ثم خرج من عنده. و خرجت هاربة من خلفه. فلم أرقد ليلتي. فلما أرتفع النهار أتيت أبي فقلت: اتدري ما صنعت البارحة. قال: و ما صنعت؟ قلت: قتلت ابن الرضا عليه السلام. فبرق [3] عينه. و غشي عليه. ثم افاق بعد حين و قال: ويلك ما تقولين؟ قلت: نعم و الله يا أبتي. دخلت عليه و لم تزل تضربه بالسيف حتي قتلته. فاضطرب من ذلك اضطرابا



[ صفحه 264]



شديدا. و قال: علي بياسر الخادم. فجاء ياسر. فنظر اليه المأمون و قال: ويلك. ما هذا الذي تقول هذه ابني؟ قال ياسر: صدقت يا أميرالمؤمنين.

فضرب بيده علي صدره و خده. و قال: انا لله و انا اليه راجعون. هلكنا بالله. و عطبنا و افتضحنا الي آخر الابد. ويلك يا ياسر. فانظر ما الخبر و القصة. و عجل علي بالخبر. فان نفسي تكاد ان تخرج الساعة. فخرج ياسر. و أنا الطم حر وجهي. فما كان باسرع من أن رجع ياسر. فقال: البشري يا أميرالمؤمنين. قال: لك البشري. فما عندك؟ قال ياسر: دخلت عليه فاذا هو جالس و عليه قميس و دواج [4] و هو يستاك. فلسمت عليه و قلت: يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. أحب ان تهب لي قميصك هذا. اصلي فيه و اتبرك به. و انما اردت ان انظر اليه و الي جسده. هل به أثر السيف؟ فوالله. كأنه العاج الذي مسه صفره. ما به أثر. فبكي المأمون طويلا. و قال: ما بقي مع هذا شي ء. ان هذا لعبرة للأولين و الآخرين.

ثم قال المأمون لياسر الخادم: تقدم الي ابنتي و قل لها: يقول لك أبوك. و الله. لئن جئتني بعد هذا اليوم و شكوت منه. أو خرجت بغير أذنه. لانتقمن له منك.

ثم قال المأمون لياسر أيضا: ثم سر الي ابن الرضا عليه السلام. و أبلغه عني السلام. و أحمل اليه سيفي الذي كان بيدي البارحة و الشهري [5] الذي ركبته البارحة.



[ صفحه 265]



ثم قالت حكيمة عن بنت المأمون: ثم قدم المأمون علي ابن الرضا عليه السلام. فقام اليه. و ضمه الي صدره. و رحب به و نهاه عن شرب الخمر. و تاب علي يده من شربها. و علمه الدعاء المشهور الذي انقذه الله منه بسببه. و كان المأمون ببركة هذا الدعاء لم يصبه بلاء. ما دام حيا. و فتح كثيرا من البلدان. [6] .

ثم قال الأب: هذا الحادث و غيره جعل من الامام محمد بن علي الجواد ينفر من معاشرة المأمون و التواجد قريبا منه. و حينما حل موسم الحج. رأي الامام عليه السلام ان يحج ذلك العام. و يروي غليل شوقه بزيارة جده المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و جدته الزهراء عليهاالسلام و الأئمة المدفونين في البقيع. فاستأذن المأمون العباسي في الحج. و بذلك عاد الي موطن آبائه و اجداده. و حينما دخل مدينة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أول ما قام به هو زيارة مرقد جده. و بثه شكواه و ما الم به و هو عند المأمون. ثم تحول الي جدته الزهراء عليهاالسلام و ائمة البقيع. ثم تحول الي مكة المكرمة حاجا. ثم عاد ادراجه بعد أداء فريضة الحج الي المدينة المنورة. و بقي هناك حتي سنة مائتين و ثمانية عشرة للهجرة. و هي السنة التي مات فيها المأمون. و كان قد خرج الي بلاد الروم. فمات بالبدريون في شهر رجب. و كان قد مضي علي امامته عليه السلام ستة عشر سنة. ثم بويع للمعتصم العباسي في شهر شعبان من تلك السنة. و كان يحمل في ثناياه من الحقد و الحسد للجواد عليه السلام كثيرا. و يتحين له الفرض لقتله.

فقال الابن الأكبر: و هل كان الامام الجواد عليه السلام حينها في المدينة يا يبي؟



[ صفحه 266]



الأب: نعم يا ولدي. كان عليه السلام لم يزل في المدينة المنورة. الا أن المعتصم استدعاه اليه. و كان في بغداد.

ثم أطرق الأب برهة من الوقت. رفع بعدها رأسه و هو يقول: و ليته لم يرحل ملبيا استدعاء المعتصم.

فقال الابن الأكبر: و هل قتله المعتصم حينما حضر اليه يا أبي؟

فقال الأب: سنتحدث عن ذلك في حينه يا ولدي. أما الآن فعلينا ان نستريح. فان لاجسامنا علينا حقا يا ولدي.

فنهض الأبناء و أبيهم مودعين بعضهم علي أمل اللقاء يوم غد لاستكمال الحديث.



[ صفحه 267]




پاورقي

[1] نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ج 1 من باب الوصايا ص 58 عن العلامة المجلسي.

[2] هكذا وجدتها في الرواية التي ذكرها السيد عبدالله شبر في كتابه جلاء العيون ج 3 ص 110 و التي رواها عن ابن طاوس في المهج و الأربلي في كشف الغمة عن حكيمة بنت الرضا عليه السلام. في حين أن الكثير من الرواة كانوا يدعونها أم الفضل. و تفسير ذلك أما أن اسمها أم الفضل و أم عيسي. و أما أن يكون خطأ في النسخ أو خطأ مطبعيا.

[3] برق عينه: أي تحير فلم يطرف.

[4] الدواج: اللحاف الذي يلبس.

[5] قال الفيروزآبادي الشهري بالكسر؛ ضرب من البراذين.

[6] الدعاء موجود في مهج الدعوات.