من فلسفته و افكاره
امامنا الجواد عليه السلام مؤدب عظم يقف القلم عن وصف فلسفته و كلامه، و يعجز الفكر عن نعت حكمه و آرائه. و هو كآبائه الميامين يغترف من معين رب العالمين، حتي أن العلم يكاد يخرج من فم الامام منهم اثر الامام كما جاء في توحيد الصدوق [1] بشكل يفتن الألباب و يأخذ بمجامع القلوب!.
فقد صدرت عنه أقوال بليغة في وحدانية الله تبارك و تعالي.
و آثار دينية، و خلقية، و حكمية تدل علي عقل الحكيم المحنك يحمله الامام الشاب الذي خنقوا شبابه الذي رأوه قذي في عيون باطلهم الذي يحيونه..
و له نظريات في علم الاجتماع، و أدب السلوك تدهش ذوي العقول.. فغصت بعظمته لهواتهم.
كما أن له فتاوي فريدة مررنا بذكر أكثرها، و أحكاما في الحق حرجت بها صدورهم، و ضاقت بها أنفاسهم، و رمتهم بقلق نغص عليهم الحياة فضاقوا به و بأنفهسم و خافوا أن تنكشف للناس أحدوثتهم و ينفضح زورهم!.
قد عاصر عهد ظلم غاشم كثرت فيه النزاعات المذهبية و العقائدية التي كان من آثارها حبس الامام أحمد بن حنبل و جلده بأمر «المعتصم بالشيطان» و أحمد هو من هو في تفقهه و تمذهبه. و ساد بين المسلمين اختلاف بلغ الذروة في تفريقهم و جعلهم
[ صفحه 318]
شيعا و طوائف، اذ تراشقوا بالتهم، و رمي بعضهم بعضا بالتفسيق و التكفير، و استحل فريق دم فريق، و تنازع المعتزلة و المحدثون نزاعا بدأ بخلق القرآن و قدمه و انتهي بكثير من أصول الدين و فروعه، فلم تعثر قدم امامنا عليه السلام في ذلك الوقت، و لا زل لسانه، ولاعي بيانه عن لفظ كلمة الحق لأنه معصوم اللسان و من تراجمة الوحي و القرآن الذي عصمهم الله و جعلهم أدلاء علي أمره و هداة لبريته، لا تتعدي وظيفتهم قول كلمة الحق التي كانوا يلقونها الي الناس صريحة و لو من وراء قضبان السجن أو من بين أربعة جدران!.
فمن أقواله عليه السلام:
قد قال علي بن مهزيار: «كتب أبوجعفر عليه السلام الي رجل بخطه و قرأته في دعاء كتب به أن يقول في طلب الحاجة:
«يا ذا الذي كان قبل كل شي ء، ثم خلق كل شي ء، ثم يبقي و يفني كل شي ء و يا ذا الذي ليس في السماوات العلي، و لا في الأراضين السفلي، و لا فوقهن و لا بينهن و لا تحتهن، اله يعبد غيره» [2] ثم يدعو بما يشاء.
و تكلم عليه السلام في التوحيد:
فعن أبي هاشم الجعفري، قال:
«سألت أباجعفر محمد بن علي - الثاني - عليهماالسلام: ما معني الواحد؟.
قال: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية.
و في جواب آخر قال عليه السلام: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قال الله عز و جل: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض، ليقولن الله..» [3] بعد ذلك له شريك و صاحبة؟!. - و هذا استفهام انكاري -.
و في هامش «التوحيد»: لا يخفي أن السؤال ليس عن «المفهوم» لأن السائل
[ صفحه 319]
عارف به، و لا عن الحقيقة الشرعية اذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف - بل عن معني الواحد في حق الله تعالي أنه بأي معني يطلق عليه تعالي، فأجاب عليه السلام أنه يطلق عليه بالمعني الذي اجتمع عليه الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه، و ذلك المعني أنه تعالي لا شبيه له و لا شريك له في الألوهية و صنع الأشياء كما أشار اليه بالاستشهاد بقوله تعالي: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله..) [4] .
و بالنسبة لقول «المجسمة» قال عليه السلام:
«من قال بالجسم، فلا تعطوه من الزكاة، و لا تصلوا وراءه.
سبحان من لا يحد، و لا يوصف!. ليس كمثله شي ء، و هو السميع البصير».
و قال عبدالرحمان بن أبي نجران:
«سألت أباجعفر الثاني عليه السلام عن «التوحيد» فقلت: أتوهم شيئا؟. - و الهمزة: للاستفهام، و الفعل: مجهول من باب التفعيل، و يرجع الضمير الي لفظة الجلالة: الله، و شيئا: منصوب علي التمييز.. أو أن الكلام اخبار، و الفعل بصيغة المتكلم: - أتوهم شيئا -. و شيئا: مفعول لأتوهم. أي أنه هل يجوز أن أتوهم شيئا عندما أذكر الله؟. و الأول أصح بالنظر لجواب الامام عليه السلام الذي قال:
نعم، غير معقول، و لا محدود. فما وقع وهمك عليه من شي ء فهو خلافه. لا يشبهه شي ء، و لا تدركه الأوهام. كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل، و خلاف ما يتصور في الأوهام. يتوهم شي ء غير معقول و لا محدود [5] .
«و سئل عليه السلام: يجوز أن يقال (عن) الله: انه شي ء؟.
[ صفحه 320]
فقال: نعم، يخرجه من الحدين: حد التعطيل، و حد التشبيه» [6] .
و قال أبوهاشم الجعفري أيضا:
«قلت لأبي جعفر بن الرضا عليه السلام: (لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار؟.).
فقال: يا أباهاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون. أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها، و لم تدركها (و لا تدركها) ببصرك. فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف أبصار العيون»؟ [7] .
و عنه أيضا، قال:
«كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام، فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك و تعالي له أسماء و صفات في كتابه؟. فأسماؤه و صفاته هي هو؟.
فقال أبوجعفر عليه السلام: ان لهذا الكلام وجهين:
ان كنت تقول: هي هو، أي: أنه ذو عدد و كثرة، فتعالي الله عن ذلك.
و ان كنت تقول: هذه الصفات و الأسماء لم تزل، فان «لم تزل» يحتمل معنيين:
فان قلت: لم تزل عنده في علمه، و هو مستحقها فنعم.
و ان كنت تقول: لم يزل تصويرها، و هجاؤها، و تقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شي ء غيره.
بل كان الله و لا خلق. ثم خلقها - أي أسماءه و صفاته - وسيلة بينة بينه و بين خلقه يتضرعون بها اليه و يعبدونه. و هي ذكره - أي ما يذكر به سبحانه -. و كان الله و لا ذكر. و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل. و الأسماء و الصفات مخلوقات المعاني، و المعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف و الائتلاف، و انما يختلف و يأتلف المتجزي ء. فلا يقال: الله مؤتلف، و لا: الله كثير، و لا قليل. ولكنه
[ صفحه 321]
القديم في ذاته، لأن ما سوي الواحد متجزي ء، و الله واحد لا متجزي ء، و لا متوهم بالقلة و الكثرة. و كل متجزي ء أو متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له. فقولك: ان الله قدير، خبرت أنه لا يعجزه شي ء. فنفيت بالكلمة العجز، و جعلت العجز سواه. و كذلك قولك: عالم، انما نفيت بالكلمة الجهل، و جعلت الجهل سواه. فاذا أفني الله الأشياء، أفني الصور و الهجاء، و لا ينقطع و لا يزال من لم يزل عالما» [8] .
و زاد في الكافي:
فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟!.
فقال: لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأسماع. لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس. و كذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار، من لون أو شخص أو غير ذلك. و لم نصفه ببصر لحظة العين.
و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي ء اللطيف مثل البعوضة و أخفي من ذلك و موضع النشو منها و العقل و الشهوة للسفاد، و الحدب علي نسلها، و اقام بعضها علي بعض، و نقلها الطعام و الشراب الي أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، و انما الكيفية للمخلوق المكيف.
و كذلك سمينا ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه، و لا حتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا.
فربنا تبارك و تعالي لا شبه له و لا ضد و لا ند و لا كيف و لا نهاية، و لا تبصار بصر؛ و محرم علي القلوب أن تمثله، و علي الأوهام أن تحده، و علي الضمائر أن تكونه. جل و عز عن أداة خلقه و سمات بريته، و تعالي عن ذلك علوا كبيرا» [9] .
[ صفحه 322]
و قال داود بن القاسم الجعفري: «سألته عن الصمد؟.
فقال: الذي لا سرة له.
قلت: فانهم يقولون: الذي لا جوف له.
فقال عليه السلام: كل ذي جوف له سرة» [10] .
و ورد بلفظ: «جعلت فداك، ما الصمد؟.
قال: السيد المصمود اليه في القليل و الكثير» [11] .
و من أقواله عليه السلام، الحكمية المفردة:
«لو سكت الجاهل ما اختلف الناس» [12] .
اذ لا يتكلم - حينئذ - الا العارفون من أصحاب العقول التي - ان هي خالفت في الرأي - لا تجادل بغير المعقول و لا تشهر سلاحا.
و قال عليه السلام:
«مقتل الرجل بين لحييه،
و الرأي مع الأناة،
و بئس الظهير الرأي الفطير».
و كل كلمة من هذه الكلمات تتحمل معني يستغرق بيانه الصفحات الطوال.
كما أنه قال عليه السلام:
«ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة:
الانصاف في المعاشرة، و المواساة في الشدة، و الانطواء و الرجوع الي قلب سليم».
[ صفحه 323]
و الخصلة الواحدة منهن تكفي لأن تجعل صاحبها محببا لدي عشرائه لما يرونه فيه من خلق و انصاف و حسن معاملة للآخرين.
و قال سلام الله عليه:
«فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء،
أو صلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء.
و الخلق أشكال، فكل يعمل علي شاكلته.
و الناس اخوان، فمن كانت أخوته في غير ذات الله فانها تحوز عداوته، و ذلك قوله تعالي:
(ألأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، الا المتقين)» [13] .
و قال عليه السلام:
«من استحسن قبيحا كان شريكا فيه».
«الشريف كل الشريف من شرفه علمه، و السؤدد حق السؤدد من اتقي الله ربه، و الكريم كل الكريم من أكرم عن ذل النار وجهه».
فتصور انسانا في أول تفتح عينيه علي نور الحياة، يملي علي الناس بمثل هذه الدرر و الغرر، التي تدل علي العقل الحصيف، و العلم العزيز، و الايمان الراسخ الذي لا يحمله الا رسل السماء، ذاك أنه مسدد مؤيد قد جعل أموره بيد الله تعالي، فتولي الله سبحانه جميع شؤونه.
و قد روي أحمد بن حمدون أنه عليه السلام قال:
«كيف يضيع من الله كافله؟.
[ صفحه 324]
و كيف ينجو من الله طالبه؟.
و من انقطع الي غير الله و كله الله اليه،
و من عمل علي غير علم أفسد أكثر مما يصلح».
و قال عليه السلام:
«أهل المعروف الي اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه، لأن لهم أجره و فخره و ذكره. فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبن شكر ما صنع الي نفسه من غيره».
و كذلك قال سلام الله و صلواته عليه:
«العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني، و الصبر زينة البلاء، و التواضع زينة الحسب، و الفصاحة زينة الكلام، و العدل زينة الايمان، و السكينة زينة العبادة، و الحفظ زينة الرواية، و حفض الجناح زينة العلم، و حسن الأدب زينة العقل، و بسط الوجه زينة الحلم، و الايثار زينة الزهد، و بذل المجهود زينة النفس، و كثرة البكاء زينة الخوف، و التقلل زينة القناعة، و ترك المن زينة المعروف، و الخشوع زينة الصلاة، و ترك ما لا يعني زينة الورع».
و كفي بالصمت و التأمل الواعي، غناء عن التعليق علي هذه الحكم، التي هي زينة في جوامع الكلم، و بدائع القول..
و قال صلوات الله عليه:
«.. عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.
- و في موضع آخر قال: «في حسن الثناء عليه».
[ صفحه 325]
فمن علمك هذا يا سيدي منذ نعومة أظفارك؟.
و من أين لك عقل الشيوخ، و فكر الفلاسفة، و تجارب العلماء، و اختبارات السنين و أنت - بعد - في مطلع الحياة و في عمر الزهور، ثم تفيض علي الناس من هذه الآيات التي لا يفيضها الا من كان في عمر النسور، و عارك الحياة وعاني تجارب الدهور؟!.
قد جل معناك عن أن تدركه أفهام البسطاء،
و سمت قيمتك عن أن توضع في المعايير و موازيين التقويم،
و تعاليت عن الوصول الي تفسير ما أنت عليه في الواقع و نفس الأمر،
لأنك منا في الانسانية.. و فوق معقولنا في مبناك و معناك.
و من حاول تفتيح عينيه للنظر اليك، أعشاه نور الحق المجسد فيك..
فعاد اما خاسئا حسيرا، و اما مفتونا مبهورا!.
و قال عليه السلام:
«أربع خصال تعين المرء علي العمل: الصحة، و الغني، و العلم، و التوفيق».
و: «لن يستكمل العبد حقيقة الايمان، حتي يؤثر دينه علي شهوته، و لن يهلك حتي يؤثر شهوته علي دينه».
و «العامل بالظلم، و المعين له، و الراضي به شركاء».
و من حكمه الخالدة قوله عليه السلام:
«ان لله عبادا خصهم بالنعم، و يقرهم فيها ما بذلوها، فاذا منعوها نزعها منهم و حولها الي غيرهم».
«ما عظمت نعمة الله علي عبد الا عظمت مؤونة الناس عليه. فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرض النعمة علي الزوال».
[ صفحه 326]
«من أمل انسانا فقد هابه، و من جهل شيئا فقد عابه، و الفرصة خلسة..
و من كثر همه سقم جسمه، و المؤمن لا يشفي غيظه..».
«من استغني بالله افتقر اليه الناس، و من اتقي الله أحبه الناس و ان كرهوا».
«عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، و البحث عنه نافلة. و هو صلة بين الاخوان، و دليل علي المروءة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و أنس في الغربة».
«العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم».
«التوبة علي أربعة دعائم: ندم بالقلب، و استغفار باللسان، و عمل بالجوارح، و عزم علي ألا يعود».
«كفر النعمة داعية المقت. و من جازاك بالشكر، فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك».
«القصد الي الله تعالي بالقلوب، أبلغ من اتعاب الجوارح بالأعمال».
«العلم علمان: مطبوع، و مسموع. و لا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع.
و من عرف الحكمة لم يصبر علي الازدياد منها».
و لفظة «يكن» هنا من «كان» التامة، أي: اذا لم يكن علم مطبوع موجودا.
[ صفحه 327]
ألجمال في اللسان، و الكمال في العقل».
«الفضائل علي أربعة أجناس:
أحدها: الحكمة، و قوامها في الفكرة.
و الثاني: العفة، و قوامها في الشهوة.
و الثالث: القوة، و قوامها في الغضب.
و الرابع: العدل: و قوامه في اعتدال قوي النفس».
«أقصد العلماء للمحجة، الممسك عند الشبهة. و الجدل يورث الرياء. و من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل. و الطامع في وثاق الذل، و من أحب البقاء فليعد للبلاء قلبا صبورا».
«من أمل فاجرا، كان أدني عقوبته الحرمان».
«موت الانسان بالذنوب، أكثر من موته بالأجل. و حياته بالبر، أكثر من حياته بالعمر».
«لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، و لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، و ارحموا ضعفاءكم، و اطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم».
و طول الأمد هو أن يستسلم المرء للحياة مؤملا بطول البقاء، فيسوف العمل، و تفتر همته عن القيام بالواجب، فيضعف يقينه و يقسو قلبه.
«من استفاد أخا في الله، فقد استفاد بيتا في الجنة».
[ صفحه 328]
«من أطاع هواه، أعطي عدوه مناه».
«راكب الشهوات لا يقال عثرته».
«بالثقة بالله تعالي، ثمن لكل غال، و سلم لكل عال».
«عز المؤمن غناه عن الناس».
«لا تكن ولي الله في العلانية، عدوا له في السر».
«اصبر علي ما تكره فيما يلزمك الحق، و اصبر عما تحب فيما يدعوك الي الهوي»
«من استغني كرم علي أهله. فقيل له: و علي غير أهله؟. قال: لا، الا أن يكون يجدي عليهم نفعا».
ذلك أن المستغني عن الغرباء، لا يهتم الغرباء بشأنه، و لا يعنيهم من أمره شي ء، الا في الحالة التي ذكرها الامام عليه السلام، و هي أن يكونوا مستفيدين من غناه.
«قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعا لما يهواه».
«اياك و مصاحبة الشرير، فانه كالسيف المسلول: يحسن منظره، و تقبح آثاره».
[ صفحه 329]
«كفي بالمرء خيانة، أن يكون أمينا للخونة».
«ثلاث من عمل الأبرار: اقامة الفرائض، و اجتناب المحارم، و احتراس من الغفلة في الدين.
و ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله تعالي: كثرة الاستغفار، و خفض الجانب، و كثرة الصدقة.
و أربع من كن فيه استكمل الايمان: من أعطي الله، و من منع لله، و أحب لله، و أبغض في الله.
و ثلاث من كن فيه لم يندم: ترك العجلة، و المشورة، و التوكل عند العزم علي الله عز و جل».
«من وثق بالله أراه السرور، و من توكل عليه كفاه الأمور. و الثقة بالله حصن لا يتحصن به الا مؤمن أمين، و التوكل علي الله نجاة من كل سوء، و حرز من كل عدو.
و الدين عز، و العلم كنز، و الصمت نور، و غاية الزهد الورع، و لا هدم للدين مثل البدع، و لا أفسد للرجال مثل الطمع.
و بالراعي تصلح الرعية، و بالدعاء تصرف البلية. و من ركب مركب الصبر، اهتدي الي مضمار النصر.
و من عاب عيب، و من شتم أجيب.
و من غرس أشجار التقي، اجتني أثمار المني».
و قال عليه السلام:
«حسب المرء من كمال المروءة، تركه ما يحمل به. و من حيائه أن لا يلقي
[ صفحه 330]
أحدا بما يكره، و من عقله حسن رفقه، و من أدبه أن لا يترك ما لا بد منه. و من عرفانه علمه بزمانه، و من ورعه غض بصره و عفة بطنه. و من حسن خلقه كفه أذاه. و من سخائه بره بمن يجب حقه عليه، و اخراجه حق الله من ماله. و من اسلامه تركه ما لا يعنيه، و تجنبه الجدال، و المراء في دينه. و من كرمه ايثاره علي نفسه. و من صبره قلة شكواه. و من عقله انصافه من نفسه. و من حلمه تركه الغضب عند مخالفته. و من انصافه قبوله الحق اذا بان له. و من نصحه نهيه ما لا يرضاه لنفسه.
و من حفظه جوارك تركه توبيخك عند اساءتك من علمه بعيوبك. و من رفقه تركه عذلك عند غضبك بحضرة من تكره. و من حسن صحبته لك اسقاطه عنك مؤونة أذاك.
و من صداقته كثرة موافقته و قلة مخالفته. و من صلاحه شدة خوفه من ذنوبه. و من شكره معرفة احسان من أحسن اليه. و من تواضعه معرفته بقدره. و من حكمته علمه بنفسه. و من سلامته قلة حفظه لعيوب غيره، و عنايته باصلاح عيوبه!.».
و قال عليه السلام الله و تحياته و بركاته:
«لا يفسدك الظن علي صديق و قد أصلحك اليقين له. و من وعظ أخاه سرا فقد زأنه، و من وعظه علانية فقد شانه.
استصلاح الأخيار باكرامهم، و الأشرار بتأديبهم. و المودة قرابة مستفادة. و كفي بالأجل حرزا. و لا يزال العقل و الحمق يتغالبان علي الرجل الي ثماني عشرة سنة، فاذا بلغها غلب أكثرهما فيه.
و ما أنعم الله عز و جل علي عبد نعمة فعلم أنها من الله، الا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها. و لا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له، الا غفر الله له قبل أن يستغفره!.
[ صفحه 331]
«و قال له رجل: أوصني.
قال عليه السلام: و تقبل؟.
قال: نعم.
قال: توسد الصبر، و اعتنق الفقر، و ارفض الشهوات، و خالف الهوي، و اعلم أنك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون».
و قال عليه السلام:
«أوحي الله الي بعض الأنبياء:
أما زهدك في الدنيا فيتعجلك الراحة، و أما انقطاعك الي فيعززك بي.
و لكن، هل عاديت لي عدوا، و واليت لي وليا؟!».
و كتب الي بعض أوليائه:
«أما هذه الدنيا فانا فيها معترفون، و لكن من كان هواه هوي صاحبه و دان بدينه، فهو معه حيث كان. و الآخرة هي دار القرار.
تأخير التوبة اغترار، و طول التسويف حيرة، و الاعتدال علي الله هلكة، و الاصرار علي الذنب أمن لمكر الله (فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون) [14] .
«و روي أن جمالا حمله من المدينة الي الكوفة، فكلمه في وصلته - و قد كان أبوجعفر عليه السلام قد وصله بأربعمئة دينار - فقال عليه السلام:
سبحان الله، أما علمت أنه لا ينقطع المزيد من الله حتي ينقطع الشكر من العباد؟!.»
[ صفحه 332]
«و حمل له حمل بز - أي ثياب من قطن أو كتان - له قيمة كثيرة. فسل - سرق أو وقع - في الطريق. فكتب اليه الذي حمله يعرفه الخبر.
فوقع بخطه: ان أنفسنا و أموالنا من مواهب الله الهنيئة و عواريه المستودعة. يمتع بما متع منها في سرور و غبطة، و يأخذ ما أخذ منها في أجر و حسبة. فمن غلب جزعه علي صبره حبط أجره، و نعوذ بالله من ذلك».
و قال عليه السلام:
«من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه، و من غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده.
من أصغي الي ناطق فقد عبده. فان كان الناطق عن الله فقد عبدالله، و ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس.. - فقد عبد ابليس -.
و قال عليه السلام:
«كانت مبايعة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم النساء أن يغمس يده في اناء فيه ماء، ثم يخرجها و تغمس النساء بأيديهن في ذلك الاناء بالاقرار و الايمان بالله، و التصديق برسوله علي ما أخذ عليهن».
و قال عليه سلام الله الدائم، و تحياته التي لا تنقطع:
«اظهار الشي ء قبل أن يستحكم مفسدة له.
ألمؤمن يحتاج الي توفيق من الله، و واعظ من نفسه، و قبول ممن ينصحه»!.
فاللهم أجعلنا ممن رغب في النصيحة يقدمها لاخوانه، و اجعلنا من المنتصحين.. و الحمد لله رب العالمين.
[ صفحه 333]
پاورقي
[1] انظر الخبر في توحيد الصدوق ص 23 و ص 158 و قد سبق أن ذكرناه و أشرنا الي مصادره.
[2] المصدر السابق نفسه.
[3] توحيد الصدوق ص 82 و ص 83 و الكافي م 1 ص 118 و الاية في العنكبوت - 61 و لقمان - 25 و الزمر - 38 و الأعراف - 9 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 441.
[4] لقمان - 25 و الزمر - 38 و الزخرف - 9.
[5] المصدر السابق ص 106.
[6] المصدر السابق نفسه.
[7] المصدر السابق ص 113 و الآية في الأنعام - 103.
[8] توحيد الصدوق ص 193 و الكافي م 1 ص 117 - 116.
[9] توحيد الصدوق ص 193 و الكافي م 1 ص 117 - 116.
[10] تحف العقول ص 336 - 335.
[11] تحف العقول ص 336 - 335.
[12] أقواله الشريفة كلها من كشف الغمة ج 3 من ص 136 الي ص 158 و الاختصاص ص 260 - 259 و تحف العقول ص 337 - 335 و الأنوار البهية ص 222 - 221 و حلية الأبرار ج 2 ص 424 فما فوق، الا ما أشرنا اليه.
[13] الزخرف - 67.
[14] الأعراف - 99.