بازگشت

بعض آياته و دلالاته و معاجزه الخارقة


مررنا بكثير كثير من آياته و دلالاته فيما سبق.

و لا يجفلن القاري ء هذا العنوان الذي يغضب ضعاف النفوس فيقولون: هل للامام آيات؟.. و دلالات؟!. و هل هو رسول.. مبعوث ببراهين؟.. و معاجز؟!!

أجل، له آيات.. و لا يتعجلن الأمور حتي يتبينها.. فالعجلة من الشيطان.

و الامام ليس نبيا، ولكنه وصي مستأمن علي الرسالة، شأنه معها كشأن النبي الذي أداها كاملة قبل موته، و وظيفته حياطتها من الزيادة و النقصان و التحريف و التأويل، و كل ما يمس جوهرها أصولا و فروعا.

و ان أستاذ كل نبي هو الله عز و جل،

و أستاذ كل امام هو النبي الذي عهد اليه.

فأستاذ هذا، أستاذ ذاك.. و كلاهما لا ينطقان عن الهوي. لأن الأنبياء و أوصياءهم يزقون العلم زقا، مع فارق أن النبي يوحي اليه بأوامر و نواه يبلغها للناس، و أن الامام يخلفه في رعاية الشريعة، ويلهم القول الهاما.



[ صفحه 270]



و هنا لابد من التوسع في موضوع عرضنا له تحت عنوان: أوتي الحكم صبيا» لزيادة الايضاح:

قال الله تعالي - و هو المعلم الأول -: (خلق الانسان، علمه البيان) [1] .

و الانسان هو خليفته علي أرضه فلا عجب أن يجعل مستواه فوق مستويات بقية مخلوقاته.

و هذا يعني - بالبديهة - أنه تعالي هو العالم و المعلم أولا و أخيرا، و لذا قال عن رسله - ابراهيم و أبنائه و حفدته الذين اختصهم بالنبوة - صلواته و سلامه عليهم: (و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، و أوحينا اليهم فعل الخيرات..) [2] لأنه هو تعالي جاعلهم كذلك، و منصبهم أئمة و أدلاء لخلقه؛ قد عهد اليهم بشؤون عباده، و حماهم و تعهد خطاهم، و أيدهم بنصره..

ثم قال متحدثا عن شيخ الأنبياء، نوح عليه السلام:

(قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي، و أنصح لكم، و أعلم من الله ما لا تعلمون) [3] .

فبين نوح عليه السلام أن علمه من الله تبارك و تعالي.

و قال سبحانه علي لسان أبي الأنبياء، ابراهيم عليه السلام:

(يا أبت اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك).. [4] .

أي أن لديه من العلم ما لم يتسن لأبيه بالرغم من أن أباه كان يعيش مع الناس، و أن ابراهيم عليه السلام ولد و نشأ ودب و درج في الغار بعيدا عن أعين المتربصين به ليقتلوه حين ولادته.



[ صفحه 271]



و بشأن ابراهيم عليه السلام - الذي كانت آيته أم الآيات السماوية - قال عز من قائل:

(قلنا يا نار كوني بردا و سلاما علي ابراهيم) [5] .

فلم تفعل نار النمرود [6] فيه فعل النار التي نعهدها، و ذهب حرها و ذهب معه حقد النمرود و جميع أتباعه من الكافرين.

ثم قال تبارك و تعالي عن ابن أخته لوط عليه السلام: (و لوطا آتيناه حكما و علما). [7] فكان سبحانه معلمه و ملهمه العلم و الحكمة.

و قال يعقوب عليه السلام لبنيه بعد تضييعهم ليوسف:

(قال انما أشكو بثي و حزني الي الله، و أعلم من الله ما لا تعلمون) [8] .

ثم قال سلام الله عليه بعد أن رأوا أن يوسف عليه السلام لا يزال علي قيد الحياة:

(فلما أن جاء البشير ألقاه - أي قميص يوسف - علي وجهه فارتد بصيرا، قال ألم أقل لكم اني أعلم من الله ما لا تعلمون؟) [9] .

و كان يعقوب عليه السلام، قد قال ليوسف بمل ء الثقة و هو يفسر له رؤياه التي رآها في منامه، و يعدد له نعم الله التي أعدها له: (و كذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الأحاديث، و يتم نعمته عليك و علي آل يعقوب كما أتمها علي



[ صفحه 272]



أبويك من قبل ابراهيم و اسحاق).. [10] .

و كذلك قال يوسف عليه السلام لرفيقيه في السجن بعد أن فسر لهما ما رأياه في المنام (ذلكما مما علمني ربي).. [11] .

ثم قال تعالي عن موسي عليه السلام: (و لما بلغ أشده و استوي آتيناه حكما و علما..) [12] .

و عنه و عن أخيه هارون عليهماالسلام قال عز من قائل: (و لقد مننا علي موسي و هارون.. و آتيناهما الكتاب المستبين، و هدينا هما الصراط المستقيم) [13] .

و عن موسي عليه السلام و رفيقه في سفره لمقابلة الخضر عليه السلام قال عز و جل: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا، و علمناه من لدنا علما. قال له موسي هل أتبعك علي أن تعلمن مما علمت رشدا) [14] .

.. فعلم الأنبياء و الأولياء - كلهم - علم لدني، رباني، موهوب غير مكسوب كما رأيت.. بل لقد أوحي سبحانه الي أم موسي و هي ليست بنبية و لا وصية فقال: (و أوحينا الي أم موسي..) [15] ثم امتن بذلك علي نبيه موسي عليه السلام و قال: (اذ أوحينا الي أمك ما يوحي: أن اقذفيه في التابوت..) [16] .

أفلا يجوز أن يوحي الي الامام الذي يحمل مسؤولية السماء الكبري، ثم يوحي لأم موسي عليه السلام، و للنحلة؟!.



[ صفحه 273]



بلي و الله.. و لقد قال عزوجل متحدثا عن داود عليه السلام: (و سخرنا مع داود الجبال يسبحن و الطير.. و علمناه، صنعة لبؤس لكم لتحصنكم من بأسكم..) [17] .

ثم قال تعالي عنه و عن ابنه سليمان عليهماالسلام:

(و لقد آتينا داود و سليمان علما، و قالا: الحمد لله الذي فضلنا علي كثير من عباده المؤمنين) [18] فهو معطيهما العلم، و مفضلهما علي المؤمنين من عباده.

ثم قال عزوجل عنهما عليهماالسلام: (وكلا آتيناه حكما و علما) [19] و قال عن سليمان عليه السلام:

(.. ففهمناها سليمان..) [20] أي علمه الحكم في القضية التي عرضت علي أبيه و عليه، عليهماالسلام.

و قال عن سليمان عليه السلام أيضا:

(و لسليمان الريح - أي: سخرناها - له - تجري بأمره..) [21] .

ليسير عليها بساط الريح الذي كان يحمله من بلد الي بلد مع حاشيته و جيشه حيث تأتمر الريح بأمره!. و هذه من الآيات العجيبة لأن مخلوقا من الناس يتصرف في العوامل الطبيعية و يغير مجراها!. و لذا فان سليمان عليه السلام قال متحدثا عن نعمة ربه:

(.. يا أيها الناس علمنا منطق الطير، و أوتينا من كل شي ء، ان هذا لهو الفضل المبين!) [22] .



[ صفحه 274]



ثم قال عليه السلام متحدثا عن بلقيس ملكة سبأ: (و أوتينا العلم من قبلها و كنا مسلمين) [23] .

ثم قال سبحانه - عن طالوت الذي هو ملك، لا نبي و لا وصي - علي لسان نبي من أنبياء بني اسرائيل: (قال: ان الله اصطفاه عليكم، و زاده بسطة في العلم و الجسم..). [24] .

و عن عيسي عليه السلام قال عز و جل:

(اذ قال الله يا عيسي ابن مريم اذكر نعمتي عليك و علي والدتك: اذ أيدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد، و كهلا، و اذ علمتك الكتاب و الحكمة و التوراة و الانجيل، و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني، فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني، و تبري ء الأكمه و الأبرص باذني، و اذا تخرج الموتي باذني...) [25] .

بل لقد أوحي الي حواريي عيسي عليه السلام - و هذا وحي للأولياء لا للأنبياء -:

(و اذ أوحيت الي الحواريين: أن آمنوا بي و برسولي..) [26] .

بل: (و أوحي ربك الي النحل..) [27] .

و النحل حشرات!.

و كذلك تكلم سبحانه عن دخله بشأن أيوب، و اسماعيل، و ادريس، و ذي الكفل، و يونس، و زكريا، و يحيي، عليهم السلام جميعا، ثم قال عن مريم ابنة عمران عليهاالسلام:

(و التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا، و جعلناها و ابنها آية



[ صفحه 275]



للعالمين). [28] فهو سبحانه و تعالي الذي جعلها آية - جعلا - و وفق ارادته..

و هذا يعني أنه عز و جل، يكون عباده كيف يشاء، و يمنح العلم و الحكمة لمن يشاء.

بل ان الملائكة، الذين بأيديهم أمور السماوات و الأرضين و جميع مخلوقات الله، قد خاطبوا الله تعالي: و (قالوا: سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا، انك أنت العليم الحكيم) [29] كما ذكرنا منذ قليل.

أما محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقال له سبحانه:

(.. و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة، و علمك ما لم تكن تعلم، و كان فضل الله عليك عظيما). [30] و ذلك بأن جعله خاتم الأنبياء و أفضلهم، و جعل أوصياءه خاتمي الأوصياء و أفضلهم أيضا..

هذا هو «العلم» الموهوب، الذي يكون من قبل الله جل و علا القائل في محكم كتابه:

(نرفع درجات من نشاء، و فوق كل ذي علم عليم). [31] .

و القائل - عز من قائل -:

(.. يرفع الله الذين آمنوا منكم، و الذين أوتوا العلم درجات).. [32] .

و لم يكن علم شهادات تخصص، و لا علم اجازات، و ماجستير، و دكتوراه، ولكنه العلم الرباني الذي اختص به الصفوة من عباده.

فسبحان من خلق الناس و هداهم الي ما فيه صلاحهم، و هم (لا يحيطون بشي ء من علمه الا بما شاء!) [33] .



[ صفحه 276]



و نحن نقول للمتعجبين المستنكفين عن الاعتراف بمرتبة الامامة و الولاية ما كان يقول محمد صلي الله عليه و آله و سلم لمنكري رسالته:

(و يقول الذين كفروا: لست مرسلا،

قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم، و من عنده علم الكتاب) [34] .

فليصدق من شاء أن يكون من المؤمنين،

و ليكذب من أراد أن يكون في صف المكابرين العاملين برأيهم الشخصي، كما كذب قارون الذي قال عن ثروته الطائلة و غناه العظيم: (انما أوتيته علي علم عندي) [35] فخسف الله تعالي به و بداره و بماله الأرض..

أو أن يكون في عداد المستكبرين الذين قال سبحانه عنهم:

(فاذا مس الانسان ضر دعانا،

ثم اذا خولناه نعمة منا قال انما أوتيته علي علم،

بل هي فتنة.

و لكن أكثرهم لا يعلمون) [36] .

فلا يجوز أن تأخذ الفتنة بزمان رأينا و تسد علينا منافذ التفكير.. فمما صرح به الأئمة عليهم السلام أن الامام: «ينظر بنور الله، و يسمع بفهمه، و ينطق بحكمته. يصيب فلا يخطي ء، و يعلم فلا يجهل، قد ملي ء حلما و علما» [37] .

ذاك أن الامامة عهد من الله سبحانه يسير الامام بموجبه فلا يتعداه.. و ان اسماعيل بن عمار سأل أباالحسن الأول - أي الامام الكاظم عليه السلام - فقال:

«فرض الله علي الامام أن يوصي - قبل أن يخرج من الدينا - و يعهد؟.

قال: نعم.

فقال: فريضة من الله؟.



[ صفحه 277]



قال: نعم» [38] .

و روي عمرو بن الأشعث عن الامام الصادق عليه السلام، قائلا:

«سمعته يقول - و نحن في البيت معه نحو من عشرين انسانا -:

لعلكم ترون أن هذا الأمر الي رجل منا يضعه حيث يشاء؟.

لا و الله، انه لعهد من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، مسمي رجل فرجل حتي ينتهي الأمر الي صاحبه» [39] .

و عن يحيي بن مالك عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:

«سألته عن قول الله عز و جل: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الي أهلها)؟ [40] .

فقال: الامام يؤدي الي الامام» [41] .

فالأئمة عليهم السلام مكلفون برعاية شؤون الرسالة؛ و هم مسددون مؤيدون من قبل الله تبارك و تعالي. و هم مفهمون ملهمون، يلقي اليهم و يوحي، كما ألقي و أوحي الي غيرهم من عباد الله المصطفين لحمل كلمة الله.

فالامام أميرالمؤمنين عليه السلام كان من محمد صلي الله عليه و آله و سلم كما كان هارون من موسي، الا أنه لا نبي بعده. أن أنه كانت تتوافر عنده جميع شروط النبوة و حمل الرسالة، ولكنه ليس نبيا.

و الامام الحسن عليه السلام كان يعلم ما لا يعلمه الناس، و فعل ما عهد اليه جده محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يعد ذلك العهد قيد شعرة.

و الامام الحسين عليه السلام قام بما شاء الله تعالي له من الشهادة الفذة في سبيله، بعهد من جده معهود، و هو مختوم عليه، مقرر من عند ربه..

و الامام زين العابدين عليه السلام لم يتخط حدود ما رسم له، فكان مؤدبا ربانيا بارعا، و مربيا نادرا لسائر العالمين.



[ صفحه 278]



و الامام الباقر عليه السلام حقق المدرسة السماوية التي كلفه بها خالقه و رفع بنيانها، و شرع في تأثيل العقيدة و نشر أحكام الله تعالي علي الأرض، ففسر القرآن و بين السنة و أوضح الكثير من الحلال و الحرام..

و الامام الصادق عليه السلام أتم دور أبيه و أجداده بما انصرف اليه من ارساء دعائم الدين، فكان شيخ فقهاء عصره - بل شيخ فقهاء العصور الي يوم النشور - و كان الامامان: مالك، و أبوحنيفة من تلامذته في الفقه [42] - كما كان جابر بن حيان من تلامذته في علم الكيمياء و الاكسير و ما الي ذلك كالجفر الذي فيه علم ما كان و ما سيكون الي يوم القيامة.. فمن علمه ذلك حتي أتقن الكيمياء و غيرها؟.

و الامام الكاظم عليه السلام كان أستاذ الفقهاء رغم حبسه و عزله عن قواعده مدة أربع عشرة سنة [43] كان فيها تحت أعظم رقابة عرفها التاريخ، ولكنها لم تحل بينه و بين نشر علمه و القيام بوظيفته..

أما الامام الرضا عليه السلام فكان مطمح أنظار جهابذة العلم و الفقه من سائر الطوائف الاسلامية و غيرها، و كان سيد المتكلمين في عصر كان فيه العلم و الفلسفة في ابان ازدهارهما.

و جاء من بعدهم الامام الجواد الفتي عليه السلام، الذي نريك بعض آياته و بيناته في هذا الموضوع، بعد أن مررت بكثير منها في المواضيع السابقة.

قال محمد بن علي الهاشمي - الذي كان مناصبا للشيعة، منكرا حق الأئمة -:

«دخلت علي أبي جعفر عليه السلام صبيحة عرسه ببنت المأمون، و كنت قد تناولت من أول الليل دواء، فأول من دخل في صبيحته أنا؛ و قد أصابني العطش و كرهت أن أدعو بالماء.

فنظر أبوجعفر عليه السلام في وجهي و قال: أراك عطشانا.



[ صفحه 279]



قلت: أجل.

قال: يا غلام اسقنا ماء.

فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم، و اغتممت لذلك.

فأقبل الغلام و معه الماء.

فتبسم في وجهي ثم قال: يا غلام ناولني الماء.

فتناول الماء و شرب. ثم ناولني و تبسم، فشربت.

و أطلت عنده، و عطشت،

فدعا بالماء ففعل كما فعل بالمرة الأولي، فشرب ثم ناولني و تبسم.

و قال محمد بن حمزة:

قالي لي محمد بن علي الهاشمي هذا:

و الله اني لأظن أن أباجعفر عليه السلام يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة» [44] .

أجل، لقد عرف الامام عليه السلام ما في نفس زائره من غير أن يتكلم زائره!.

و لذلك شهد الزائر - و هو عدو للامام - بهذه الشهادة دون مواربة.

و قد جرت هذه الحادثة مع رجل لا يتولاه و لا يقول بامامته،

و قد أقسم الرجل يمينا علي أن الامام صلوات الله عليه يعلم ما في النفوس،

لأنه عرف عطش جليسه مرتين من دون أن يتكلم جليسه!.

ثم كيف علم الامام سلام الله عليه أن هذا الذي لا يواليه يحتمل أن القوم سيسقونه سما مع الماء، فشرب من الماء قبل أن يقدم اليه ليعرفه أنه غير مسموم؟!!

و ما معني تبسمه في وجه من لا يعترف بامامته؟.

ألا يعني ذلك أنه يريد أن «يعتقد» غريمه بأنه يعلم ما في النفوس؟!.



[ صفحه 280]



أولا يدل ذلك - أيضا - علي أن القوم يدسون السم في طعام و شراب أعدائهم؟!.

بلي،

و بشهادة هذا الذي هو من رجال القصر يتحقق «ماء القصر المسموم». كما أنه تحقق بشرب الامام عليه السلام قبل زائره للتهنئة، أن ذلك الماء - بالخصوص - كان غير مسموم، فشرب منه الامام بعد أن «علم» سلامته ليزيل من فكر الرجل أن «العروس الأميرة» ستدوف له السم في الماء منذ صبيحة ليلة العرس!.

و اذا تحرك عجب قارئي الكريم من بعض ما منح الله تعالي هذا الامام العظيم من عطاياه التي لا تفسر بالمعقول، فانني سأرود معه ردهات قصر الامارة في بغداد لندخل الي بعض أبهائه الفخمة و نشهد الشريط التمثيلي التالي و نستمع الي ما رواه محمد بن الريان اذ قال:

«احتال المأمون علي أبي جعفر عليه السلام بكل حيلة فلم يمكنه فيه شي ء. فلما اعتل و أراد أن يبني عليه ابنته - و كان الامام عليه السلام دون الحلم - دفع الي مئة و صيفة من أجمل ما يكن، الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر، يستقبلن به أباجعفر عليه السلام اذا قعد في موضع الاختان، فلم يلتفت اليهن.

و كان رجل يقال له «مخارق» صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللحية. فدعاه المأمون فقال: يا أميرالمؤمنين، ان كان في شي ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره.

فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام، فشهق «مخارق» شهقة اجتمع اليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده و يغني.

فلما فعل ساعة و اذا أبوجعفر عليه السلام لا يلتفت اليه، و لا يمينا و لا شمالا، ثم رفع رأسه و قال:

اتق الله يا ذا العثنون.

قال: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيده الي أن مات.



[ صفحه 281]



قال: فسأل المأمون عن حاله.

قال: لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا» [45] .

و لو كان ذو العثنون - المجبول علي النفاق، و ذو اللحية المضمخة بفجور الفساق - لو كان يتقي الله تبارك و تعالي لما تجرأ علي أن يتبرع للمأمون بأن يكفيه أمر الامام..

فانه - مذ جهل حق الامام عليه السلام - عرفه الله تعالي حقه و قدره.. ثم أبقي غضبه «بصمة» علي يده الشلاء الآثمة.. و فزعة في قلبه الخواء.

فقد كانت يده تحركها أنامل الشيطان،

و كان قلبه مرتعا للأبالسة من بني الانسان.

و من آياته الخارقة ما حكاه محمد بن أبي العلا عما جري بينه و بين يحيي بن أكثم - قاضي قضاة السلطان الذي تقدم أنه كان شيخ الامتحان - اذ قال محمد:

«سمعت يحيي بن أكثم، قاضي سامراء، بعد ما جاهدت به و ناظرته، و جاورته.

و قد قلت له يوما: علمني من علوم آل محمد.

فقال يحيي: أخبرك بشرط أن تكتمه علي حال حياتي.

قلت: نعم.

قال يحيي: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فرأيت محمد بن علي الرضا عليه السلام يطوف، فناظرته في مسائل عندي فأجابني - و أخرجها الي -. فقلت له: في نفسي «خفية» أريد أن أبديها و اني و الله لأستحيي من ذلك.

فقال عليه السلام: أنا أخبرك بها قبل أن تسألني.. تريد أن تسأل: من الامام في هذا الزمان.



[ صفحه 282]



قلت: و الله هو هذا.

قال عليه السلام: أنا هو.

فسألته علامة..

و كان في يده عصا فنطقت فقالت: ان مولاي امام هذا الزمان، و هو الحجة» [46] .

فهل هذا سحر؟.

لا. ولكنها حادثة خارقة لا تصدر عن ولي الله في كل وقت.. و قد كانت ضرورية لجناب قاضي القصر الذي قبل انتدابه لامتحان ولي الله من قبل أعدائه، فباء - يومها - بالفشل و الخجل!.

و حق لابن أكثم أن يطلب كتمان هذه القصة، لأنها تقطع رزقه.. و لسانه.. و تقصف عمره!. لأنه - في قصر المعتصم، بعد المأمون - رأس مال القصر الفقهي.. و علي فتاواه يقوم عرش الظلم..

فويل لمن أعان ظالما.. لأنه يستحق الشفقة لو كانت الشفقة تجوز عليه!.

و امامة الامام لا تخفي علي «سائر» أهل الزمان، بل يعرفها الخاص و العام. الا أن منهم من يذعن و يعترف.. و منهم من ينظر، و يبسر.. و يقول: انه ساحر!.

«و قد روي دعبل الخزاعي أنه دخل علي أبي الحسن الرضا عليه السلام، و أمر له بشي ء، فأخذه و لم يحمدالله، فقال له الامام: لم لم تحمد الله؟.

قال: ثم دخلت بعده علي أبي جعفر عليه السلام، فأمر لي بشي ء فقلت الحمدلله.

فقال لي عليه السلام: تأدبت؟.» [47] .

فمن أخبر الامام عليه السلام بما حدث لدعبل مع أبيه؟. و كيف عرف أنه



[ صفحه 283]



يومئذ لم يحمد الله تعالي علي العطية، ثم التفت فحمده الآن؟.

و هل يمكن أن يعرف ذلك اذا لم يكن محدثا؟.

لا، طبعا.. و أنه لكذلك، اعترف بذلك المتعجبون أم أنكروه.

و قا محمد بن سهل بن اليسع:

«كنت مجاورا بمكة، فصرت الي المدينة، فدخلت علي أبي جعفر الثاني عليه السلام، فأردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها فلم يتفق لي أن أسأله حتي ودعته و أردت الخروج. فقلت: أكتب اليه و أسأله.

فكتبت اليه الكتاب و صرت الي المسجد علي أن أصلي ركعتين و أستخير الله مئة مرة، فان وقع في قلبي أن أبعت اليه بالكتاب بعثت، و الا خرقته.. ففعلت، فوقع في قلبي أن لا أبعث، فخرقت الكتاب.

و خرجت من المدينة، فبينما أنا سائر اذ رأيت رسولا و معه ثياب في منديل، و هو يتخلل القطار - أي القافلة - و يسأل عن محمد بن سهل القمي، حتي انتهي الي فقال لي: مولاك بعث اليك بهذا. و اذا ملاءتان، قال أحمد بن محمد: فقضي الله أني غسلته حين مات و كفنته فيهما» [48] .

فكيف عرف الامام عليه السلام «ما أراد ابن اليسع»؟.

و لماذا أرسل له بالثياب، و لم يهمل مطلبه؟.

و الجواب أنه عرف ما أراده من الكسوة - دون غيرها - بالهام من الله تعالي الذي جعله وليا لأمره. و لولا الالهام، أو النكت بالقلب من الملك، لما تأتي له ذلك. و مثله لا يتأتي لساحر و لا لكاهن.

أما ارسال الكسوة له فهو ذو مغزي هام كان كالسيف ذي الحدين، اذ يصيب بذلك هدفين:



[ صفحه 284]



أولهما: أنه يدل بذلك علي نفسه و أنه الامام الذي يحار الناس في صغر سنه و قدرته علي تحمل أعباء الولاية بين مئات الفقهاء الذين أنافوا علي الستين و السبعين من العمر، و بين طوائف مذهبية قوية الانتشار يحتضن بعضها السلطان.

و ثانيهما: أنه يثبت به فؤاد صاحبه، فيطمئن الي أن أمر الله قد يحمله الصغير - كعيسي بن مريم عليه السلام و غيره - كما يحمله الكبير، بلا فرق، لأن من قدر علي أيجاد الكائنات و المخلوقات من كتم العدم، قادر علي نفث العلم في الصدور، و علي اطلاق لسان الصغير بالحكمة و قول الحق. مضافا الي أن صاحبه هذا، يحمل هذا الخبر الي أكثر من واحد، و ينقله سرا و علانية في أكثر من مناسبة، فيفشو بذلك أمر الامام بدلالات خارقة للعادة أمده بهاربه بالالهام.

و كذلك قال الحسن بن علي الوشاء:

«كنت بالمدينة - بالصريا في المشربة - مع أبي جعفر عليه السلام، فقام و قال: لا تبرح.

قلت في نفسي: كنت أردت أن أسأل أباالحسن الرضا عليه السلام قميصا من ثيابه فلم أفعل، فاذا عاد الي أبوجعفر عليه السلام فأسأله.

فبعث الي بقميص ابتداء، من قبل أن أسأله، و من قبل أن يعود الي و أنا في المشربة و قال الرسول.

يقول لك: هذا من الثياب التي كان يصلي فيها الرضا عليه السلام» [49] .

فقد حصل منه عليه السلام ذلك كذلك. أي قبل أن يسأله «الوشاء» و دون أن يتلفظ بما كان يتمني أن يطلبه من أبيه، و قبل أن يعلم أحد غير الله تعالي بنيته. و قد تعمد الجواد عليه السلام أن يكون الثوب مما صلي فيه أبوه صلوات الله عليه، لأن «الوشاء» كان يضمر ذلك في نفسه.

فكيف علم بنيته و ما دار في نفسه، و هو غائب عنه؟



[ صفحه 285]



تأمل قليلا لتعرف أنه لولا هذه الدلائل المقنعة التي كان يعطيها الامام عليه السلام و غيرها من الوسائل، لضاع شيعته في خضم ذلك البحر المتلاطم من الأهواء التي غص بها ذلك الزمان، فضلا عن الجو الخانق الذي كانوا يعيشون فيه هم و أئمتهم عليهم السلام.

و من دلائل ما من الله تعالي به عليه من العطايا التي اختص بها عباده المكرمين، ما حدث به عنه القاسم بن عبدالرحمان - الزيدي الذي كان منحرفا عنه و لا يقول بامامته و لا بامامة أربعة من آبائه - فقد قال:

«خرجت الي بغداد، فبينا أنابها اذ رأيت الناس يتعادون - أي يتراكضون - و يتشرفون - أي ينظرون من عل - و ينظرون.

فقلت: ما هذا؟

فقالوا: ابن الرضا.

فقلت: و الله لأنظرن اليه.

فطلع علي بغل أو بغلة.

فقلت: لعن الله أصحاب الامامة حيث يقولون: ان الله افترض طاعة هذا!.

فعدل الي و قال: يا قاسم بن عبدالرحمان: (أبشرا واحدا منا نتبعه؟!. انا اذا لفي ضلال و سعر!) [50] .

فقلت في نفسي: ساحر و الله!.

فعدل الي، فقال: (أألقي الذكر عليه من بيننا؟. بل هو كذاب أشر) [51] .

قال: فانصرفت، و قلت بالامامة، و شهدت أنه حجة الله علي خلقه، و اعتقدته بعد أن قلت له: علمت مني ما لم يعلمه الا الله» [52] .

و كأني بالامام عليه السلام قد ألقي نظرة علي المستشرفين لرؤيته بعد أن استقر



[ صفحه 286]



علي بغلته و قال: عل عل أيها القطيع الذي يساق و لا يعرف المستقر و لا الي أين المساق!.

فانه ليعتصر قلبه الغم لهذه الجموع التي استولي عليها الشيطان و أنساها ذكر الرحمان، فضاعت عن راعيها و كانت عرضة للهلاك في سبيل حطام الدينا!.

يرمقها بطرفة الشريف، و يتنفس الصعداء، و يقول: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون.. ثم يلقي «كلمته» البالغة اذا حان حينها كما فعل مع القاسم بن عبدالرحمان الذي كان شديد العداوة له و لشيعته، ثم انقلب - بفضل حجة الامام البالغة - الي ولي حميم عدل الي الصراط المستقيم و قال بامامته بعد أن رأي برهان ربه..

و كان عمر بن فرج الرخجي من أعداء امامنا عليه السلام، و من الساخرين منه و ممن يقول بامامته - و قد انتفج صدره من تولي المناصب، و انتفح كرشه من لذائذ الدنيا و أطايبها - و قد زار بغداد مرة، و خرج للتنزه مع الوزراء و الكتاب و رجال البلاط، فرأي الامام عليه السلام علي شاطي ء دجلة، فأراد أن ينال منه و يهون من شأنه لدي الطغمة من رجال قصر الخلافة، و حكي ما جري له معه قائلا:

«قلت لأبي جعفر: ان شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء دجلة و وزنه!.

فقال لي بدون اكتراث: يقدر الله تعالي أن يفوض علم ذلك الي بعوضة أم لا؟.

قلت: نعم، يقدر.

فقال: أنا أكرم علي الله تعالي من بعوضة، و من أكثر خلقه» [53] .

فجاء الجواب بسيطا دون تعقيد..

و بهت الذي كفر بامامته، و أراد أن يسخر منه و من شيعته،



[ صفحه 287]



و ذهب اشكاله الهاذر، مع ماء دجلة الهادر!.

وطن في أذني هذا المستهزي ء قوله تعالي: (انا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا.. و يوم يقوم الأشهاد!.).. [54] .

و نصر الله تعالي عبده.. و ازدرد السائل كيده.. و علم أن الممتحن الهازي ء سقط.. حين تورط.

فالجواد - سليل الأجودين - كان بالمرصاد لجميع شبهات المشككين، يجلوها لهم، و يقدم البرهان تلو البرهان ليبطل مكر الماكرين، و يثبت عقيدة الموالين، و يقيم الحجة الله علي خلقه فلا يقولون: لم لم تنصب لنا اماما يميز لنا الحق من الباطل فتهنا عن سواء السبيل؟.

و الأعجب مما مر و من بعض ما يمر، هو أن عمر بن فرج الرخجي نفسه، الذي تصدي للامام علي شاطي ء دجلة بسؤال يريد أن يفحمه به أمام رجال القصر، قد قدم الي المدينة - بعد ذلك - فطلب الخليفة رجلا عالما أديبا، مخالفا لأهل البيت، و أمره - هو بالذات - أن يلازم الامام الفتي عليه السلام في صغره و بعد موت أبيه، و أن يمنع الشيعة منه و يعلمه العلوم و الأدب.

فأخذ «عمر الامام عليه السلام فحبسه في القصر، و كان اذا خرج أقفله.

و اذا أراد أن يعلمه شيئا و جده عالما به!.

فسئل عنه فقال: ما في المدينة أحد أعلم مني الا هذا الصبي!.

هذا مات أبوه بخراسان، و هو صغير بالمدينة، و نشأ بين هذي الجواري السود، فمن أبن علم هذا؟! [55] .

و هذا حق. فمن أين له بهذا العلم الغزير، حتي نال شهادة أمير المدينة و قاضيها المنصب - من الخليفة - لتعليمه، قبل أن يبلغ الحلم؟!.

و هل يتيسر ذلك لغير معلم من قبل الله عز و جل، مفهم من لدنه، ملهم



[ صفحه 288]



بالعلم دون كتاب و لا كتاب؟!!

المكابرة - وحدها - هي التي أودت بدنيا «أبي جهل» و آخرته..

و العناد - لا غيره - هو الذي ألبس «أبالهب» عار الزمان، و خلد تقريعه في القرآن، وباء في الآخرة بالخسران..

فلا ينبغي أن يجعلنا جهلنا بأسرار أهل البيت عليهم السلام في صف أبي لهب و أبي جهل.. مهما كانت درجة الجهل مستفحلة عندنا..

ثم ما عتم أن اقتص الله تعالي لوليه الكريم عليه السلام من هذا العدو الزنيم في دار الدنيا قبل الآخرة، فمما حكاه ابن سنان قوله:

«دخلت علي أبي الحسن عليه السلام - أي الامام الهادي، بن الجواد -.

فقال: يا محمد، حدث بآل فرج حدث؟.

فقلت: مات عمر.

فقال: الحمد لله علي ذلك - أحصيت له أربعا و عشرين مرة -!.

ثم قال: أفلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي، أبي؟.

قلت: لا.

قال: خاطبه في شي ء، قال: أظنك سكرانا!.

فقال أبي- أي الجواد عليه السلام -: اللهم ان كنت تعلم أني أمسيت لك صائما فأذقه طعم الحرب و ذل الأسر.

فوالله ما أن ذهبت الأيام حتي حرب ماله و ما كان له - سلب - ثم أخذ أسيرا؛ فهوذا مات: لا رحمه الله، و قد أدال الله عز و جل منه، و ما يزال يديل أولياءه من أعدائه» [56] .

ألا (.. ان الله بالغ أمره!. قد جعل الله لكل شي ء قدرا) [57] .



[ صفحه 289]



و عن داود بن القاسم الجعفري - أبي هاشم -، قال:

«دخلت علي أبي جعفر عليه السلام و معي ثلاث رقاع غير معنونة، و اشتبهت علي فاغتممت.

فتناول احداها و قال: هذه رقعة ريان بن شبيب. ثم تناول الثانية فقال: هذه رقعة فلان..

فبهت أنظر اليه. فتبسم و أخذ الثالثة فقال: هذه رقعة فلان.

فقلت: نعم، جعلت فداك.

فأعطاني ثلائمئة دينار، و أمرني أن أحملها الي بعض بني عمه.

ثم قال: أما انه سيقول لك: دلني علي حريف يشتري له بها متاعا، فدله عليه.

قال: فأتيته بالدنانير، فقال لي: يا أباهاشم: دلني علي حريف يشتري لي بها متاعا. فقلت: نعم.

و كلمني جمال سألني أن أخاطبه في ادخاله مع بعض أصحابه في أموره.

فدخلت عليه لأكلمه، فوجدته يأكل و مع جماعة، فلم أتمكن من كلامه.

فقال: يا أباهاشم: كل. و وضع بين يدي ما أكل منه ثم قال ابتداءا من غير مسألة: يا غلام، انظر الجمال الذي أتانا به أبوهاشم، فضمه اليك» [58] .

و قال أبوهاشم، نفسه:

«دخلت معه يوما بستانا فقلت له: جعلت فداك، اني مولع بأكل الطين. فادع الله لي..

فسكت، ثم قال لي بعد أيام ابتداءا منه:

يا أباهاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين.



[ صفحه 290]



قال أبوهاشم: فما من شي ء أبغض الي منه اليوم» [59] .

فمن - يا قارئي العزيز -: أنبأه بأسماء أصحاب الرقاع لولا الهام العليم الخبير؟!.

أم أنه كان يعرف خطوط الناس جميعا حتي عرف خطوطهم؟.

أم كان موعودا برسائلهم و كانوا من نوابه و أبوابه في البلدان؟.

لا هذا و لا ذاك. بل أنبأه الذي أنبأ آدم بالأسماء.. و هو من صفوة بني آدم الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و لو فكرت بقصة الجمال، و قصة أكل الطين، لتجلت لك منزلة هذا الامام الكريم من رب العالمين!.

و لأبي الصلت الهروي قصة من غرائب ما جري لمعاصري امامنا عليه السلام، و ان كانت ليست بأغربها عن الحدوث، فقد رواها بنفسه قائلا:

«أمر المأمون بحبسي بعد دفن الرضا عليه السلام، فحبست سنة، فضاق علي الحبس.

و سهرت ليلة و دعوت الله تعالي دعاء ذكرت فيه محمدا و آل محمد صلوات الله عليه و عليهم، و سألت الله تعالي بحقهم أن يفرج عني. فلم أستتم الدعاء حتي دخل علي أبوجعفر، محمد بن علي عليهماالسلام في السجن فقال لي:

يا أباالصلت ضاق صدرك؟

فقلت: اي و الله.

قال عليه السلام: قم. فأخرجني ثم ضرب يده الي القيود ففكها، و أخذ بيدي فأخرجني من الدار و الحرس و الغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني. و خرجت من باب الدار ثم قال لي:



[ صفحه 291]



امض في وديعة الله تعالي، فانك لن تصل اليه، و لا يصل اليك أبدا.

فقال أبوالصلت: لم ألتق بالمأمون الي هذا الوقت» [60] .

و ألقي كيد الظالمين في نحورهم.. و ماتوا بغيظهم بعد تحرير حبيسهم المظلوم.. علي يد الامام الغلام الذي لا يزال في التاسعة من عمره، في حين أنه كان في الحجاز، و كان الحبيس في خراسان!.

و قال ابراهيم بن سعيد:

«رأيت محمد بن علي الرضا عليه السلام و له وفرة سوداء، مسح عليها فاحمرت، ثم مسح عليها باطن كفه فصارت سوداء كما كانت.

فقلت: رأيت أباك عليه السلام لا أشك يضرب يده الي التراب فيجعله دنانير و دراهم» [61] .

و هذه ليست من السحر في شي ء، ولكنها علم علمه الله تعالي اياه، ليكون حجة علي خلقه مميزا عن غيره بمواهب سماوية تجعله موضع ثقة الناس دون غيره من المدعين لولاية أمور الخلق..

و للأئمة عليهم السلام خوراق كثيرة قوي الله تعالي بها أمرهم، و شد أزرهم، و أفلج حجتهم ليمسكوا بقلوب عباده المؤمنين، و ليوصلوا دعوته الي الناس أجمعين..

و من ذلك أنها تطوي لهم الأرض - كما ذكرنا في مكان آخر - و لا يكون لهم ظل عليها كما للناس - و هذا دليل محسوس ملموس لوحظ و رؤي -. و من آيات امامنا في هذا المورد قول محمد بن العلا الذي قال:

«رأيت محمد بن علي عليه السلام، يحج الي مكة بلا راحلة و لا زاد من ليلته و يرجع.



[ صفحه 292]



و كان لي أخ بمكة لي معه خاتم، فقلت له: تأخذ لي منه علامة.

فرجع من ليلته و معه الخاتم» [62] .

فأية قوة في الأرض كانت يومئذ تحمل المسافر من يثرب الي مكة، ليزور البيت الحرام، و يطوف، و يسعي، و يصلي، و يقضي بعض الحاجات، ثم يعود من ليلته بعد أن قطع حوالي ألف و مئتي كيلومتر ذهابا و أيابا؟.

و كيف فعل الامام عليه السلام ذلك، ثم بحث عن الرجل فحمل منه العلامة؟!.

و لم طلب الخاتم بالذات - أي الذي كان يضمره صاحبه في نفسه - و لم يطلب شيئا غيره؟.

كل ذلك علمه عند الله تعالي، و عند أهله؛ و هو من الاعجاز المزدوج الذي يثقل علي أسماع الناس و ان كان علي الله تعالي هينا..

و اليك أعجب من ذلك. فقد قال محمد بن عميرة:

«رأيت محمد بن علي عليه السلام يضع يده علي منبر فتورق كل شجرة من فرعها!. و اني رأيته يكلم شاة فتجيبه» [63] .

و مثل ذلك ما رواه عمارة بن زيد الذي قال:

«رأيت محمد بن علي عليه السلام فقلت له:

ما علامة الامامة؟.

قال: اذا فعل هكذا، فوضع يده علي صخرة فبان أصابعه فيها!.

و رأيته يمد الحديد بلا نار!.

و يطبع علي الحجارة بخاتمه» [64] .

و هذه - كلها - غرائب و عجائب.. الا اذا صدرت عن سفير الله في أرضه الذي حمله أمانته و زوده بقدرته التي يطأطي ء العقل السليم لما يصدر عنها!.



[ صفحه 293]



و بعد:

فنضع بين يدي القاري ء الكريم ما رواه الحافظ أبونعيم - أحد الأئمة عند علماء اخواننا من أهل السنة - في كتابه الجليل - حلية الأولياء - حيث قال:

«حكي أبويزيد البسطامي، قال:

خرجت من بسطام قاصدا لزيارة بيت الله الحرام، فمررت بالشام الي أن وصلت الي دمشق. فلما كنت بالغوطة مررت بقرية من قراها فرأيت في القرية تل تراب و عليه صبي رباعي السن يلعب بالتراب.

فقلت في نفسي: هذا صبي، ان سلمت عليه لما يعرف السلام، و ان تركت السلام أخللت بالواجب، فأجمعت رأيي علي أن أسلم عليه، فسلمت عليه، فرفع رأسه و قال:

و الذي رفع السماء و بسط الأرض، لولا ما أمر الله به من رد السلام لما رددت عليك. استصغرت سني؟!! عليك السلام و رحمة الله و بركاته و تحياته و رضوانه. ثم قال:

صدق الله: (و اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها..) [65] و سكت.

فقلت: (أوردوها). [66] .

فقال: ذاك فعل المقصر مثلك.

فعلمت أنه من الأقطاب المؤيدين.

فقال: يا أبايزيد، ما أقدمك الي الشام من مدينة بسطام؟!!

فقلت: يا سيدي قصدت بيت الله الحرام.

- الي أن قال -:

فنهض و قال: أعلي وضوء أنت؟.

قلت: لا.

فقال: اتبعني.

فتبعته قدر عشر خطي فرأيت نهرا أعظم من الفرات. فجلس و جلست،



[ صفحه 294]



و توضأ أحسن وضوء، و توضأت، و اذا قافلة مارة. فتقدمت الي واحد منهم و سألته عن النهر فقال: هذا جيحون.. فسكت. ثم قال لي الغلام: قم، فقمت معه و مشيت معه عشرين خطوة و اذا نحن علي نهر أعظم من الفرات و جيحون، فقال لي: اجلس. فجلست، و مضي. فمر علي أناس في مركب لهم فسألتهم عن المكان الذي أنا فيه، فقالوا: نيل مصر و بينك و بينها فرسخ أو دون فرسخ، و مضوا.

فما كان غير ساعة الا و صاحبي قد حضر و قال لي: قم، قد عزم علينا.

فقمت معه قدر عشرين خطوة، فوصلنا عند غيبوبة الشمس الي نخل كثير، و جلسنا. ثم قام و قال لي: امش، فمشيت خلفه يسيرا و اذا نحن بالكعبة.

- الي أن قال -:

فسألت الرجل الذي فتح الكعبة فقال لي:

هذا سيدي محمد الجواد صلي الله عليه.

فقلت: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [67] .

و قد يقول قائل: هذه من «شطحات» صوفية البسطامي!.

فنقول له: انها حادثة طبيعية لا تعدو حادثة دفن أبيه عليه السلام يوم توفي في خراسان و كان هو في المدينة «و الأئمة عليهم السلام تطوي لهم الأرض بلا أدني ريب في ذلك، و يعلمون ما عند أصحابهم» [68] .

و مثلها ما حكاه علي بن خالد الذي قال:

«كنت بالعسكر - سامراء - التي بناها المعتصم و انتقل هو و عكسره اليها، فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من الشام مكبولا - مقيدا - و قالوا انه تنبأ - ادعي النبوة -.

قال: فأتيت الباب و دفعت شيئا للبوابين حتي وصلت اليه، فاذا رجل له فهم و عقل.



[ صفحه 295]



فقلت: يا هذا ما قضيتك؟.

قال: اني كنت رجلا بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال انه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام. فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل علي المحراب أذكر الله تعالي، اذ رأيت شخصا بين يدي، فنظرت اليه فقال لي: قم، فقمت معه. فمشي بي قليلا، فاذا أنا في مسجد الكوفة.

فقال لي: تعرف هذا المسجد؟.

قلت: نعم، هذا مسجد الكوفة.

قال -: فصلي وصليت معه، ثم انصرف و انصرفت معه.

و مشي قليلا فاذا نحن بمسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. فسلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ و صلي و صليت معه، ثم خرج و خرجت معه. فمشي قليلا و اذا نحن بمكة. فطاف بالبيت و طفت معه، ثم خرج فمشي قليلا فاذا نحن بموضعي الذي كنت أعبد الله فيه بالشام. وغاب الشخص عني فبقيت متعجبا حولا - سنة - مما رأيت.

فلما كان في العام المقبل، رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به. فدعاني فأجبته. ففعل كما فعل في العام الماضي.

فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: أسألك بالحق الذي أقدرك علي ما رأيت منك الا أخبرتني من أنت؟.

فقال: أنا محمد بن علي بن موسي بن جعفر.

فحدثت من كان يصير الي بخبره، فرقي ذلك الي محمد بن عبدالملك الزيات - أي بلغه - فبعث الي من أخذني و كبلني في الحديد، و حملني الي العراق و جلست كما تري، و ادعي علي المحال.

فقلت له: فأرفع عنك قصة الي محمد بن عبدالملك الزيات، و أشرح أمرك؟

قال: افعل.

فكتبت عنه قصة الي محمد بن عبدالملك الزيات و شرحت أمره فيها و دفعتها الي محمد - أي ابن الزيات - الوزير و المشير في القصر -.



[ صفحه 296]



فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة الي الكوفة، و منها الي المدينة، و منها الي مكة، و منها الي الشام، أن يخرجك من حبسك هذا!.

فغمني ذلك من أمره، و رققت له، و انصرفت محزونا عليه.

فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال و آمره بالصبر و العزاء، فوجدت الجند، و أصحاب الحرس، و صاحب السجن و خلقا عظيما من الناس يهرجون - أي أنهم في فتنة و اختلاط -.

فسألت عن حالهم؟.

فقيل: ان المحمول من الشام، المتنبي ء، افتقد البارحة من الحبس. فلا ندري أخسفت به الأرض، أو اختطفته الطير؟!!».

و كان راوي هذه القصة - علي بن خالد - زيديا، فقال بالامامة لما رأي ذلك، و حسن اعتقاده» [69] .

فمن أخبر الامام عليه السلام بحبس الرجل؟!.

و كيف بلغه ما أجاب به ابن الزيات الذي تحدي فعل الله؟!.

و من خلص السجين في تلك الليلة و ألقي كيد الوزير في نحره دون امهال.. و تركهم يهرجون حائرين؟!.

هذا هو فعل الله عز و جل.. فماذا فعل المبطلون؟!.

و من الآيات التي أخبر الامام عليه السلام بها عن الغيب - من دون أن يعلم الغيب قطعا، و لكنه علمه مما بين يديه من مواريث النبوة و آثار السماء كما كان آباؤه عليهم السلام من قبله - أن عمران بن محمد الأشعري قال:

«دخلت علي أبي جعفر الثاني عليه السلام، و قضيت حوائجي و قلت:



[ صفحه 297]



ان أم الحسن تقرئك السلام و تسألك ثوبا من ثيابك تجعله كفنا لها.

فقال: قد استغنت عن ذلك.

و خرجت لا أدري معني ذلك، فأتاني الخبر أنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما، أو اربعة عشر يوما» [70] .

فمن أبرق بموتها للامام عليه السلام؟.

و من هتف في أذنه بخبر وفاتها لولا أنه عنده علم المنايا و البلايا، و علم ما كان و ما هو كائن الي يوم القيامة، منصوصا مثبتا، موجودا بين يديه؟!!

ألا ان ذلك من صنع الله تبارك و تعالي، الذي أحسن كل شي ء صنعا..

و لن أدعك تمر بموضوع آيات هذا الامام العظيم صلوات الله و سلامه عليه دون أن تقرأ الآية المعجزة التي أتاها يوم دفن والده عليه السلام، و التي أشرت اليها سابقا و لم أذكرها.

فحين توفي الامام الرضا عليه السلام بمرو من خراسان بأرض ايران، كان ابنه الامام الجواد عليه السلام في يثرب مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في الحجاز، و كان في حوالي السنة الثامنة من عمره و بعض الأشهر.

«و في رواية عن أبي الصلت الهروي - حدث بها أكثر من ثمانية من الثقات - قال في حديث وفاة الرضا عليه السلام:

ان المأمون قدم اليه عنبا مسموما و أمره أن يأكل منه. فأكل منه الرضا عليه السلام ثلاث حبات ثم رمي به وقام.

فقال له المأمون: الي أين؟.

قال: الي حيث وجهتني. و خرج مغطي الرأس.

فلم أكلمه حتي دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب، فغلق.

ثم نام علي فراشه و مكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا.



[ صفحه 298]



فبينما أنا كذلك اذ دخل عليه شاب حسن الوجه، قطط الشعر، أشبه الناس بالرضا عليه السلام، فبادرت اليه و قلت له:

من أين دخلت و الباب مغلق؟!!

فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق.

فقلت له: و من أنت؟!!

قال: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي.

ثم مضي نحو أبيه عليه السلام، فدخل و أمرني بالدخول معه.

فلما نظر اليه الرضا عليه السلام وثب اليه فعانقه و ضمه الي صدره و قبل ما بين عينيه، ثم سحبه سحبا الي فراشه و أكب عليه محمد بن علي يقبله و يساره بشي ء لم أفهمه.

و رايت علي شفتي الرضا عليه السلام زبدا أشد بياضا من الثلج، و رأيت أباجعفر عليه السلام يلحسه بلسانه. ثم أدخل يده بين ثوبه و صدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبوجعفر، و مضي الرضا عليه السلام - أي لحق بربه عز بربه عزوجل -.

فقال أبوجعفر عليه السلام: يا أباالصلت ائتني بالمغتسل و الماء من الخزانة.

فقلت: ما في الخزانة مغتسل و لا ماء.

فقال: انته الي ما آمرك به.

فدخلت الخزينة فاذا فيها مغتسل و ماء، فأخرجته و شمرت ثيابي لأغسله معه، فقال لي:

تنح يا أباالصلت، فان من يعينني غيرك.

فغسله ثم قال لي: ادخل الخزانة فأخرج الي السفط الذي فيه كفنه و حنوطه.

فدخلت فاذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط.

فكفنه و صلي عليه ثم قال: ائتني بالتابوت؟.

فقلت: أمضي الي النجار حتي يصلح التابوت؟.



[ صفحه 299]



فقال: قم، فان في الخزانة تابوتا.

فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط.

فأتيته به، فأخذ الرضا عليه السلام، بعدما صلي عليه، فوضعه في التابوت وصف قدميه و صلي ركعتين لم يفرغ منهما حتي علا التابوت فانشق السقف فخرج منه التابوت و مصي.

فقلت: يا ابن رسول الله، سيدي، الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا عليه السلام فما نصنع؟!!

فقال لي: اسكت، فانه يعود يا أبا الصلت. ما من نبي يموت بالمشرق و يموت وصيه بالمغرب الا جمع الله بين أرواحهما و أجسادهما.

فما أتم الحديث حتي انشق السقف و نزل التابوت. فقام فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت و وضعه علي فراشه كأنه لم يغسل و لم يكفن، ثم قال: يا أباالصلت افتح للمأمون.

ففتحت الباب فاذا المأمون و الغلمان بالباب.

.. و بعد دفنه أمر المأمون بحبسي، فحبست سنة.

فضاق علي الحبس، و سهرت ليلة و دعوت الله تعالي بدعاء ذكرت فيه محمدا و آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و سألت الله بحقهم أن يفرج عني. فما استتم الدعاء حتي دخل علي أبوجعفر عليه السلام فقال:

يا أباصلت، ضاق صدرك؟!!

فقلت: اي و الله.

قال: قم فاخرج.

ثم ضرب يده الي القيود التي كانت علي ففكها و أخذ بيدي فأخرجني من باب الدار و الحرسة و الغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني. ثم قال لي:

امض في ودائع الله فانك لن تصل اليه، و لن يصل اليك أبدا.



[ صفحه 300]



قال أبوالصلت: فلم ألتق مع المأمون الي هذا الوقت» [71] .

و كنا قد ألمحنا الي ذلك سابقا، و نترك التحليل، للقاري ء الكريم الذي صار علي بينة من أمر الامام - سفير الله تعالي في أرضه - و علي علم من القدرات الخفية التي يتمتع بها سفير الله..

و بمناسبة ذكر دفن الامام الرضا عليه السلام، نذكر لك ما رواه معمر بن خلاد الذي كان في المدينة المنورة يومذاك، و قال:

«قال أبوجعفر: يا معمر اركب.

قلت: الي اين؟.

قال: اركب كما يقال لك.

قال: فركبت، فانتهيت الي واد - أو وهدة -.

فقال لي: قف ها هنا. - أي ابق منتظرا -.

قال: فوقفت...

فأتاني، فقلت له: جعلت فداك، أين كنت؟.

قال: دفنت أبي الساعة، و كان بخراسان» [72] .

و كان المنطلق من المدينة المنورة!.

و الذي هو مدعاة للتساؤل بخصوص هذه الرواية، هو أنه لم أركب الامام (ع) معه معمرا؟.

ألم يكن باستطاعته أن يذهب وحده، و أن لا يأخذ هذا الرجل الجليل فيوقفه في مفازة قفراء علي شفير واد موحش ليذهب الي خراسان و يعود، و يبقي صاحبه ضيفا عليه في البيت؟!!.

بلي، ولكنه عليه السلام أخذه ليروي هذه الحادثة، لأنه الشاهد العدل الموثوق



[ صفحه 301]



بين «الأصحاب»، و لأنه لا يقول الا الحق و لا ينقل الا ما سمع، و لا يشهد الا بما رأي.

و بالمناسبة نذكر ما حدث به أيوب بن نوح قائلا:

«سمعت أباجعفر محمد بن علي بن موسي يقول:

من زار قبر أبي ب (طوس) غفر الله له ما تقدم من ذنوبه و ما تأخر، و اذا كان يوم القيامة ينصب له منبر بحذاء منبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي يفرغ الله من حساب عباده» [73] .

و نذكر لك جملة وقائع شفي فيها مرضي دون أن نعلق عليها رغبة في الاختصار.

قال محمد بن عمير بن واقد الرازي:

«دخلت علي أبي جعفر بن الرضا و معي أخي و به بهر شديد - ضيق نفس و تتابع و انقطاع - فشكا اليه ذلك البهر.

فقال: عافاك الله ما تشكو.

فخرجنا من عنده و قد عوفي فما عاد اليه ذلك البهر الي أن مات» [74] .

و قال محمد بن عمير نفسه:

«كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع و يشتد ذلك بي أياما.

فسألته أن يدعو لي بزواله عني.

فقال: و أنت عافاك الله.

فما عاد الي هذه الغاية» [75] .

و قال الشيخ أبوبكر بن اسماعيل - و قيل: علي بن أبي بكر بن اسماعيل -:

«قلت لأبي جعفر بن الرضا عليه السلام: ان لي جارية تشتكي من ريح بها.



[ صفحه 302]



قال: أئتني بها. فأتيته.

فقال لها: ما تشتكين يا جارية؟.

قالت: ريحا في ركبتي.

فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب، فخرجت و ما اشتكت وجعا بعد ذلك» [76] .

و ما حدث شفاؤها و شفاء من ذكرناه قبلها - و من نذكره بعدها - الا باذن الله تعالي الذي «جعل» عيسي بن مريم عليهماالسلام يشفي من المرض، و يحيي من الموت باذنه عز و علا.

و قال أبوسلمة:

«دخلت علي أبي جعفر عليه السلام، و كان بي صمم شديد. فخبر بذلك لما أن دخلت عليه.

فدعاني اليه فمسح يده علي أذني و رأسي ثم قال: اسمع وعه.

فوالله اني لأسمع الشي ء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته» [77] .

و قال محمد بن فضيل:

«خرج باحدي رجلي العرق المدني. و قد قال - الامام عليه السلام - لي قبل أن خرج العرق في رجلي، و قد عاهدته فكان آخر ما قال: انه ستصيب وجعا فاصبر. فأيما رجل من شيعتنا اشتكي فصبر فاحتسب كتب الله له أجر ألف شهيد.

فلما صرت في بطن مر، ضرب علي رجلي، و خرج بي العرق، فما زلت شاكيا أشهرا.

و حججت في السنة الثانية فدخلت عليه فقلت: جعلني الله فداك، عوذ رجلي. و أخبرته أن هذه التي توجعني.



[ صفحه 303]



فقال: لا بأس علي هذه. أرني رجلك الأخري الصحيحة.

فبسطتها بين يديه، و عوذها.

فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة. فرجعت الي نفسي فعلمت أنه عوذها من قبل الوجع فعافاني الله من بعد» [78] .

و قال عبدالله بن رزين: «كنت مجاورا بالمدينة - مدينة الرسول - و كان أبوجعفر عليه السلام يجي ء في كل يوم مع الزوال الي المسجد، فينزل علي الصخرة و يسير الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و يرجع الي بيت فاطمة و يخلع نعله فيقوم فيصلي.

فوسوس الي الشيطان فقال: اذا نزل فاذهب حتي تأخذ من التراب الذي يطأ عليه. فجلست في ذلك النهار أنتظره لأفعل هذا.

فلما أن كان في وقت الزوال، أقبل عليه السلام علي حمار له. فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه، و جاوزه حتي نزل علي الصخرة التي كانت علي باب المسجد، ثم دخل فسلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم رجع الي مكانه الذي كان يصلي فيه، ففعل ذلك أياما.

فقلت: اذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصي الذي يطأ عليه بقدميه.

فلما كان من الغد، جاء عند النزول فنزل علي الصخرة، ثم دخل علي رسول الله و جاء الي الموضع الذي كان يصلي فيه، و لم يخلعهما. ففعل ذلك أياما.

فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي ها هنا: و لكن أذهب الي الحمام، فاذا دخل الحمام آخذ من التراب الذي يطأ عليه.

فسألت عن الحمام الذي يدخله، فقيل انه بالبقيع لرجل من ولد طلحة.

فتعرفت اليوم الذي يدخل فيه الحمام وصرت الي بابه و جلست الي الطلحي أحدثه و أنا انتظر مجيئه عليه السلام.



[ صفحه 304]



فقال الطلحي: ان أردت دخول الحمام فقم و ادخل فانه لا يتهيأ لك ذلك بعد ساعة.

قلت: و لم؟.

قال: لأن ابن الرضا عليه السلام يريد دخول الحمام.

قلت: و من ابن الرضا؟.

قال: رجل من آل محمد له صلاح و ورع.

قلت له: و لا يجوز أن يدخل معه الحمام غيره؟.

قال: نخلي له الحمام اذا جاء.

فبينا أنا كذلك اذ أقبل عليه السلام و معه غلمان له، و بين يديه غلام معه حصير، حتي أدخله المسلخ - محل نزع الثياب - فبسطه.

و وافي، فسلم، و دخل الحجرة علي حماره، و دخل المسلخ، و نزلي علي الحصير.

فقلت للطلحي: هذا الذي وصفته بما وصفت من الصلاح و الورع.

فقال: يا هذا، لا و الله ما فعل هذا قط الا في هذا اليوم.

فقلت في نفسي: هذا من عملي، أنا جنيته.

ثم قلت: أنتظره حتي يخرج فلعلي أنال ما أردت اذا خرج.

فلما خرج و تلبس، دعا بالحمار فأدخل المسلخ و ركب من فوق الحصير و خرج عليه السلام.

فقلت في نفسي: قد و الله آذيته و لا أعود، و لا أروم ما رمت منه أبدا. و صح عزمي علي ذلك.

فما كان وقت الزوال من ذلك اليوم، أقبل علي حماره حتي نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه الصحن. فدخل و سلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و جاء الي الموضع الذي كان يصلي فيه في بيت فاطمة عليهاالسلام، و خلع نعليه و قام يصلي» [79] .



[ صفحه 305]



فمن ذا الذي كان يخبر الامام عليه السلام بما كانت تنطوي عليه نية هذا الرجل مرة بعد مرة اذا زار المسجد أو اذا ذهب الي الحمام، فصار يتحاشي النزول علي التراب و الحصي لئلا يأخذ الرجل ذلك من تحت قدميه فيقدسه؟!.

ثم من ذا الذي أخبره بندم الرجل و اقلاعه عن الفكرة، حتي عاد الي عادته الأولي و صار يطأ التراب و الحصي؟!.

ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون..

و أتابع وضع وقائع عدة - بين يدي قارئي الكريم - فيها شي ء من الغيب الذي لا يعرفه الا عباد الله المكرمون.

فقد قال يحيي بن أبي عمران:

«دخل من أهل الري جماعة من أصحابنا علي أبي جعفر عليه السلام و فيهم رجل من الزيدية، فسألنا عن مسائل.

فقال أبوجعفر لغلامه: خذ بيد هذا الزيدي، فأخرجه.

فقال الزيدي: أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و أنك حجة الله» [80] .

و يلاحظ أنه عليه السلام الله و تحيته لم يقل لغلامه: أخرج هذا الزيدي، الا ليستدل الزيدي علي امامته بمعرفته لما أخفاه عنه و عن أصحابه من جهة، و الا لأنه علم أن الزيدي يبحث عن الحق ليتبعه.

و لذا قدم له هذا البرهان القاطع و الحجة الدامغة علي امامته المنصوصة من لدن الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال بها و اطمأن قلبه اليها.

و قال أحمد بن حديد:



[ صفحه 306]



«خرجت مع جماعة حجاجا، فقطع علينا الطريق.

فلما دخلت المدينة لقيت أباجعفر عليه السلام في بعض الطريق، فأتيته الي المنزل فأخبرته بالذي أصابنا.

فأمر لي بكسوة، و أعطاني دنانير و قال: تفرقها علي أصحابك علي قدر ما ذهب.

فقسمتها بينهم فاذا هي علي قدر ما ذهب منهم، لا أقل و لا أكثر» [81] .

فلولا أن الامام عليه السلام ملهم محدث، لما عرف مقدار ما سلب من كل واحد، و لما أعطي المجموع الصحيح دون زيادة أو نقصان.

و قال عمران بن محمد:

«دفع الي أخي درعا أحملها الي أبي جعفر عليه السلام مع أشياء.

فقدمت بها و نسيت الدرع.

فلما أدرت أن أودعه قال لي: احمل الدرع» [82] .

فكيف تنبه الي أن عمران قد نسي الدرع التي كان ينبغي أن يحملها معه؟..

و قال المطرفي:

«مضي أبوالحسن الرضا عليه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري و غيره.

فأرسل الي أبوجعفر عليه السلام: اذا كان في الغد فأتني.

فأتيته فقالي لي: مضي أبوالحسن و لك عليه أربعة آلاف درهم؟.

فقلت: نعم.



[ صفحه 307]



فرفع المصلي فاذا تحته دنانير. فدفعها الي، فكانت قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم» [83] .

فكيف تفسر علمه بالدين الذي علي أبيه و لا يعرفه أحد حي غير الدائن؟. و كيف علم مقداره بالضبط، و لم يزد أو ينقص و بقيمة الدنانير التي كان قد أعدها للدائن؟.

و عن محمد بن فضيل الصيرفي أنه قال:

«كتبت الي أبي جعفر عليه السلام كتابا في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟.

و نسيت أن أبعث بالكتاب.

فكتب الي بحوائج، و في آخر كتابه: عندي سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو فينا بمنزلة التابوت في بني اسرائيل، يدور معنا حيث درنا. و هو مع كل امام» [84] .

و هذا هو الجواب الذي كان يتوخاه الصيرفي ليطمئن الي امامته.. و لكن من بلغ الامام عليه السلام رغبته و ما توخي السؤال عنه؟.

هل ذاك الا الملك المسدد المؤيد المحدث؟!.

و حدث بن أرومة قائلا:

«حملت امرأة معي شيئا من حلي، و شيئا من دراهم، و شيئا من ثياب. فتوهمت أن ذلك كله لها و لم أحتط عليها - أي لم يسألها التفصيل - أن ذلك لغيرها، فحملت الي المدينة مع بضاعات لأصحابنا.

فوجهت ذلك كله اليه و كتبت في الكتاب أني قد بعثت اليك من قبل فلانة



[ صفحه 308]



بكذا، و من قبل فلان و فلان بكذا.

فخرج في التوقيع: قد وصل ما بعثت من فلان و فلان، و من قبل المرأتين تقبل الله منك، و رضي عنك، و جعلك معنا في الدنيا و الآخرة.

فلما سمعت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنه غير كتابه، و أنه قد عمل علي دونه، لأني كنت في نفسي علي يقين أن الذي دفعت الي المرأة كان كله لها، و هي امرأة واحدة. فما رأيت امرأتين اتهمت موصل كتابي.

فلما انصرفت الي البلاد، جاءتني المرأة فقالت: هل أوصلت بضاعتي؟.

فقلت: نعم.

قالت: و بضاعة فلانة؟.

قلت: هل كان فيها لغيرك شي ء؟.

قالت: نعم، كان لي فيها كذا، و لأختي فلانة كذا.

قلت: بلي، أوصلت.. و زال ما كان عندي» [85] .

فسبحان من علم الانسان ما لم يعلم.. و علم هذا الامام الهمام عليه السلام ما لم نعلم!.

و حج اسحاق بن اسماعيل بن نوبخت سنة 202 هجرية. و استأذن علي الامام عليه السلام في جملة من الناس - و الامام عليه السلام في السابعة من عمره - وحدث عما جري معه فقال:

«أعددت في رقعة عشر مسائل. و كان لي حمل - أي كانت امرأته حبلي - فقلت في نفسي: ان أجابني علي مسائلي، سألته أن يدعو الله أن يجعله ذكرا.

فلما ألح الناس عليه بالمسائل، و كان عليه السلام يفتي بالواجب، فقمت لأخفف و الرقعة معي، لأسأله في غد عن مسائلي.

فلما نظر الي عليه السلام قال: يا اسحاق، قد استجاب الله دعائي، فسمه أحمد.



[ صفحه 309]



فقلت: الحمدلله، هذا هو الحجة البالغة» [86] .

و انصرف الي بلده، مطمئنا الي امامة سيده الذي قدم له الحجة البالغة علي امامته، حين علم ما في نيته، و دعا الله أن يرزقه ولدا ذكرا، و عرف أنه تعالي استجاب دعاءه.. فاقترح علي أبيه أن يسمية أحمد!.

و ولد له ذكر سماه احمد، كما أمر.

و تلك من علاه احدي معاليه صلوات الله و سلامه عليه.

و قال صالح بن عطية الأصحب:

«حججت فشكوت الي أبي جعفر عليه السلام الوحدة.

فقال: أما انك لا تخرج من الحرم حتي تشتري جارية ترزق منها ولدا.

فقلت: جعلت فداك، أفتري أن تشير علي؟.

فقال: نعم، اعترض - أي عاين الجواري - فاذا رضيت فأعلمني.

فقلت: جعلت فداك، فقد رضيت.

قال: اذهب فكن بالقرب حتي أوافيك.

فصرت الي دكان النخاس، فمر بنا، فنظر ثم مضي.

فصرت اليه فقال: قد رأيتها. ان أعجبك فاشترها علي أنها قصيرة العمر.

قلت: جعلت فداك، فما أصنع بها؟.

قال: قد قلت لك.

فلما كان من الغد مررت الي صاحبها فقال: الجارية محمومة و ليس فيها غرضي.

فعدت اليه من الغد فسألته عنها، فقال: دفنتها اليوم؟.

فأتيته - أي عاد للامام عليه السلام - فأخبرته، فقال: اعترض.

فاعترضت، فأعلمته، فأمرني أن أنتظره.

فصرت الي دكان النخاس، فركب - عليه السلام - فمر بنا.



[ صفحه 310]



فصرت اليه، فقال: اشترها، فقد رأيتها.

فاشتريتها، فحولتها و صبرت عليها حتي طهرت و وقعت عليها. فحملت و ولدت لي محمدا ابني» [87] .

و لا جرم أن نقف مع هذه القصة عند تعجبات عدة، أهمها:

تأكيد الامام عليه السلام أن ابن عطية لا يغادر الحرم الا و معه جارية، يرزق منها ولدا!.

و جزمه عليه السلام بقصر عمر الجارية التي اختارها صاحبه.. و موتها بعد يومين!!!

و اختياره لمولاه الجارية التي يرزق منها ولدا.. ذكرا!.

فما هذا التأكيد الجازم؟. و هل هو الذي يهب الذكور؟!. و يعرف العمر الطويل من العمر القصير لو لا أن ذلك مما علمه اياه ربه العليم القدير؟!.

و اذا أردت الأعجب فانظر الي ما حكاه ابراهيم بن سعيد مما كان عليه السلام يفعله مع الشاكين في أمره المتوقفين عن الاعتراف بامامته. فقد قال هذا الرجل:

«كنت جالسا عند محمد بن علي، الجواد عليه السلام، اذ مر بنا فرس أنثي.

فقال: هذه تلد الليلة فلوا - أي مهرا - أبيض الناصية، في وجهه غرة.

فاستأذنته ثم انصرفت مع صاحبها، فلم أزل أحدثه الي الليل، حتي أتت فلوا كما وصف.

فأتيته، فقال: يا ابن سعيد، شككت فيما قلت لك أمس؟!! ان التي في منزلك حبلي بابن أعور.

فولدت و الله محمدا، و كان أعور!.» [88] .

فتأمل... و علل.. دون عور في نظرك الي مثل هذه الأمور الخارقة.. و كن من



[ صفحه 311]



المنصفين.. و من المبصرين لا أصحاب العور في النظر.

قال صالح بن داود اليعقوبي:

«لما توجه - الامام - في استقبال المأمون الي ناحية الشام، أمر أبوجعفر عليه السلام أن يعقد ذنب دابته، و ذلك في يوم صائف شديد الحر، لا يوجد الماء.

فقال بعض من كان معه: لا عهد له بركوب الدواب، فان موقع عقد ذنب البرذون غير هذا.

فما مررنا الا يسيرا حتي ضللنا الطريق بمكان كذا، و وقعنا في وحل كثير، ففسد ثيابنا و ما معنا، و لم يصبه شي ء من ذلك» [89] .

أجل، فان من خاض في أمر أهل هذا البيت بعمي و بلا تبصر، فتح عينيه فوجد نفسه يخوض في الوحل!. لأن بايديهم سرا من سر الله عز و جل لا يدركه غيرهم.

فاللهم نجنا من أن نضل أن نضل أو نحول عن الحق أن نزول.

و قال أمية بن علي القيسي:

«دخلت أنا و حماد بن عيسي علي أبي جعفر بالمدينة لنودعه.

فقال لنا: لا تخرجا، أقيما الي غد.

فلما خرجنا من عنده قال حماد: أنا أخرج، فقد خرج ثقلي. - أي اغراضي و متاعي -.

قلت: أما أنا فأقيم.

فخرج حماد، فجري الوادي تلك الليلة، فغرق فيه، و قبره بسيالة» [90] .



[ صفحه 312]



و لو خرج أمية أيضا عن أمر الامام، لخرجت روحه غرقا، و لجره رفيقه بعرقوبة الي الموت غرقا في و حل الشكوك و الريب!.

و عن الحسن بن علي أن رجلا جاء الي التقي الجواد عليه السلام - و هو ابن خمس سنوات - و قال: «أدركني يا ابن رسول الله، فان أبي قد مات فجأة، و كان له ألفا دينار و لست أصل اليها، ولي عيال كثير!.

فقال: اذا صليت العتمة، فصل علي محمد و آله مئة مرة ليخبرك بها.

فلما فرغ الرجل من ذلك رأي أباه يشير اليه بالمال.

فلما أخذه قال: يا بني اذهب به الي الامام و أخبره بقصتي، فانه أمرني بذلك.

فلما انتبه الرجل أخذ المال و أتي أباجعفر عليه السلام و قال: الحمد لله الذي أكرمك و اصطفاك» [91] .

و هنيئا لمن أكرمه الله تعالي بتصديق أمره، و الايمان بولاية تراجمة وحيه و ولاة عزائمه..

و حكي القاسم بن المحسن قائلا:

«كنت فيما بين مكة و المدينة، فمر بن أعرابي ضعيف الحال. فسألني شيئا، فرحمته و أخرجت له رغيفا فناولته اياه.

فلما مضي عني هبت ريح شديدة - زوبعة - فذهبت بعمامتي من رأسي، فلم أرها كيف ذهبت و أين مرت.

فلما دخلت علي أبي جعفر بن الرضا عليهماالسلام قال لي: يا قاسم، ذهبت عمامتك في الطريق؟.

قلت: نعم.



[ صفحه 313]



قال: يا غلام، أخرج اليه عمامته.

قلت: يا ابن رسول الله كيف صارت اليك؟.

قال: تصدقت علي الأعرابي، فشكر الله لك، ورد عمامتك. و ان الله لا يضيع أجر المحسنين» [92] .

فآيات الامام الفتي عليه السلام مع أصحابه لم تكن لتنقضي - بغية تثبيت المنحرفين عنه - ليلقي حجة الله عليهم - (ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة، و يحيي من حي عن بينة!.) [93] .

فاستمع لما حكاه علي بن جرير حيث قال:

«كنت عند أبي جعفر عليه السلام جالسا، و قد ذهبت شاة لمولاه.

فأخذوا بعض الجيران، يجرونهم اليه و يقولون: أنتم سرقتم الشاة.

فقال لهم أبوجعفر: ويلكم، خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم. الشاة في دار فلان، فأخرجوها من داره.

فخرجوا فوجدوها في داره، فأخذوا الرجل فضربوه و خرقوا ثيابه و هو يحلف بالله لم يسرق هذه الشاة، الي أن صاروا به الي أبي جعفر عليه السلام، فقال:

ويحكم، ظلمتم الرجل فان الشاة دخلت داره و هو لا يعلم.

ثم دعاه فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه و ضربه» [94] .

فبأبي و أمي الحجة الفتي الذي علمه من علم ربه تبارك اسمه، الذي لم يخف عنه خافية تظهر فضله و قدره ليري من كان عنده نظر، و يسمع من ليس به صمم..

قد قال اسماعيل بن عياش الهاشمي:

«جئت الي أبي جعفر - عليه السلام - يوم عيد، فشكوت اليه ضيق المعاش.



[ صفحه 314]



فرفع المصلي، و أخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها.

فخرجت الي السوق فكان فيها ستة عشر مثقالا من ذهب» [95] .

فما هي ماهية هذه اليد الشريفة التي تبحث في التراب تحت المصلي فتخرج سبائك الذهب؟.

و ما هو قدرها عند بارئها حتي يحول - سبحانه - التراب الذي تمسه تلك اليد الطاهرة المطهرة الي ذهب مسبوك؟.

ان ولي الله، اذا شاء أمرا راجحا لاظهار برهانه.. شاءه الله عز و علا..

و حكي أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي قائلا:

«قال أبو زينبة - و في حلق الحكم بن يسار المروزي شبه الخط كأنه أثر الذبح - فسألته عن ذلك فقال -:

«كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمن أبي جعفر الثاني - عليه السلام - فغاب عنا الحكم عند العصر و لم يرجع تلك الليلة.

فلما كان جوف الليل جاءنا توقيع من أبي جعفر عليه السلام:

ان صاحبكم الخراساني - أي المروزي - مذبوح مطروح في لبد في مزبلة كذا و كذا، فاذهبوا فداووه بكذا و كذا.

فذهبنا فحملناه، و داويناه بما أمرنا به فبري ء من ذلك» [96] .

أما سبب ذبح هذا الشيعي المستضعف، فانه كان - بحسب ما في المصادر - قد تمتع بامرأة في دار قومها ببغداد، علي سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - و بشكل سري لاستهجان المتعة في ذلك العصر - فأخذه القوم، و ذبحوه و لفوه في لبد، و طرحوه في المزبلة ليلا، و لم يشعر بهم أحد.



[ صفحه 315]



فاسأل معي أيها القاري ء المنصف أبازينبة هذا عن أمور غامضة في هذه الجريمة:

أولها: من أنبأ الامام عليه السلام أن مولاه «الحكم» قد انفرد عن أصحابه و تمتع بامرأة في ذلك الوقت؟.

و ثانيها: من أخبره بذبحه؟.

و ثالثها: كيف علم أنهم لفوه بلبد؟.

و رابعها: من دله علي المكان الذي طرحوه فيه؟.

و خامسها: كيف عرف منزل أصحابه فوجه خادمه اليهم بالكتاب عن حال الرجل المذبوح؟.

و سادسها: أي طبيب علمه طريقة مداواة الذبيح؟.

و سابعها: كيف علم أن صاحبهم لم ينزف دمه بعد، و عليهم أن يدركوه حالا؟!.

هذه غوامض تخفي علينا يا قارئي الحبيب.

أما الامام عليه السلام، فان الدنيا - كلها - تمثل بين يديه بحجم الجوزة - بقدرة الله تعالي و كما قال الامام الصادق عليه السلام سابقا - ينظر اليها كما ينظر أحدنا الي الكرة في كفه، فلا يغيب عنه من أمر العباد شي ء.. و الا لكان عبدا قاصرا مثلنا، لا حول له و لا طول.. و لا حجة عنده تميزه عن الآخرين..

قال عبدالعظيم بن عبدالله الحسني:

«دخلت علي سيدي محمد بن علي بن موسي عليهم السلام و أنا أريد أن أسألم عن القائم من هو، المهدي أو غيره؟.

فابتدأني فقال: يا أباالقاسم، ان القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، و يطاع في ظهوره، و هو الثالث من ولدي.

و الذي بعث محمدا بالنبوة، و خصنا بالامامة، لو لم يبق من الدنيا الا يوم



[ صفحه 316]



واحد، لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج فيه فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

و ان الله تبارك و تعالي ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسي عليه السلام، اذ ذهب ليقتبس نارا، فرجع و هو رسول نبي.

ثم قال عليه السلام: أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج».. [97] .



[ صفحه 317]




پاورقي

[1] الرحمان - 4.

[2] الأنبياء - 9.

[3] الأعراف - 61 و 62.

[4] مريم - 43.

[5] الأنبياء - 69.

[6] النمرود: هو نمرود بن كوش بن حام بن نوح، جاء ذكره في سفر التكوين و كتب العرب. و قد ضرب به المثل بالجبروت و التكبر.

[7] الأنبياء - 74.

[8] يوسف - 86.

[9] يوسف - 96.

[10] يوسف - 66.

[11] يوسف - 37.

[12] القصص - 14.

[13] الصافات - 114 الي 118.

[14] الكهف - 65 و 66.

[15] القصص - 7.

[16] طه - 39 - 38.

[17] الأنبياء - 79 و 80.

[18] النمل - 15.

[19] الأنبياء - 79 و 80.

[20] الأنبياء - 79 و 81.

[21] الأنبياء - 79 و 81.

[22] النمل - 16.

[23] النمل - 42.

[24] البقرة - 247.

[25] المائدة - 110 و 111.

[26] المائدة - 110 و 111.

[27] النحل - 68.

[28] الأنبياء - 91.

[29] البقرة - 32.

[30] النساء - 113.

[31] يوسف - 76.

[32] المجادلة - 11.

[33] البقرة - 255.

[34] الرعد - 43.

[35] القصص - 78.

[36] الزمر - 49.

[37] الامامة و التبصرة بالخيرة ص 80 - 79.

[38] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.

[39] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.

[40] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.

[41] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.

[42] حلية الأولياء 3 / 198 و الصواعق المحرقة ص 199 و الأمويون و العباسيون لجرحي زيدان ص 153.

[43] حلية الأولياء 3 / 198 و الصواعق المحرقة ص 199 و الأمويون و العباسيون لجرحي زيدان ص 153.

[44] بحارالأنوار ج 50 ص 54 و الارشاد ص 306 - 305 و اثبات الهداة ج 6 ص 175 - 174 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 391 و المحجة البيضاء ج 4 ص 303 و كشف الغمة ج 3 ص 150.

[45] بحارالأنوار ج 50 ص 62 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 396 و ما بعدها زيادة موجودة في الكافي م ص 494 و في اثبات الهداة ج 6 ص 177 - 172 بتفصيل و توسع، و هو كذلك في حلية الأبرار ج 2 ص 409.

[46] اثبات الهداة ج 6 ص 167 و الأنوار البهية ص 216 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 394 - 393.

[47] المصدر السابق ج 6 ص 176 - 175 و ص 201 و كشف الغمة ج 3 ص 153.

[48] اثبات الهداة ج 6 ص 187 و بحارالأنوار ج 50 ص 44 عن مختار الخرائج و الجرائح ص 273.

[49] بحارالأنوار ج 50 ص 52 و اثبات الهداة ج 6 ص 203.

[50] اثبات الهداة ج 6 ص 191 و ص 196 و كشف الغمة ج 3 ص 153 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305 و الآيتان الكريمتان في القمر - 24 و 25.

[51] اثبات الهداة ج 6 ص 191 و ص 196 و كشف الغمة ج 3 ص 153 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305 و الآيتان الكريمتان في القمر - 24 و 25.

[52] اثبات الهداة ج 6 ص 191 و ص 196 و كشف الغمة ج 3 ص 153 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305 و الآيتان الكريمتان في القمر - 24 و 25.

[53] الأنوار البهية ص 219.

[54] المؤمن - 51.

[55] اثبات الهداة ج 6 ص 208 - 207.

[56] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 397 و الكافي م 1 ص 497 - 496.

[57] الطلاق - 3.

[58] بحارالأنوار ج 50 ص 41 و مختار الخرائج ص 237 و الكافي م 1 ص 495. و الارشاد ص 307 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 390 و اثبات الهداة ج 6 ص 174 و حلية الأبرار ج 2 ص 408 و الحجة البيضاء ج 4 ص 304 و كشف الغمة ج 3 ص 151 و الارشاد ص 306 و اعلام الوري ص 334.

[59] كشف الغمة ج 3 ص 151 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 390 و حلية الأبرار ج 2 ص 408 و المحجة البيضاء ج 4 ص 304 و الارشاد ص 206 و اعلام الوري ص 334 و اثبات الهداة ج 6 ص 174.

[60] حدائق الأنس ص 282.

[61] اثبات الهداة ج 6 ص 198 - 197.

[62] اثبات الهداة ج 6 ص 200 - 199.

[63] اثبات الهداة ج 6 ص 200 - 199.

[64] اثبات الهداة ج 6 ص 200 - 199.

[65] النساء 86.

[66] النساء 86.

[67] اثبات الهداة ج 6 ص 206 - 205 و كشف الغمة ج 3 ص 153.

[68] الاختصاص ص 316 و ما قبلها و ما بعدها و كثير من بقية المصادر.

[69] كشف الغمة ج 3 ص 150 - 149 و الاختصاص ص 322 - 321 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 393 و المحجة البيضاء ج 4 ص 303 - 302 و الارشاد ص 305 - 304 و اعلام الوري ص 333 - 332 و اثبات الهداة ج 6 ص 169 - 168.

[70] كشف الغمة ج 3 ص 153 و اثبات الهداة ج 6 ص 169 - 168 و حلية الأبرار ج 2 ص 421 و الكافي م 1 ص 493 - 492.

[71] اثبات الهداة ج 6 ص 178 الي ص 180 و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 264 و مايليها، و اعلام الوري ص 327 و هو وارد في عدة مصادر أخري أشرنا الي بعضها سابقا.

[72] المصدر السابق ج 6 ص 191 و كشف الغمة ج 3 ص 153.

[73] فرائد السمطين ج 2 ص 195.

[74] فرائد السمطين ج 2 ص 195.

[75] كشف الغمة ج 3 ص 157 - 156 و اثبات الهداة ج 6 ص 192.

[76] المصدر السابق نفسه.

[77] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 390.

[78] بحارالأنوار ج 50 ص 54 - 53.

[79] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 396 - 395 و اثبات الهداة ج 6 ص 172 - 170 و حلية الأبرار ج 2 ص 422 - 421 و الكافي م 1 ص 494 - 493.

[80] بحارالأنوار ج 50 ص 45 - 44.

[81] المصدر السابق نفسه.

[82] المصدر السابق نفسه.

[83] كشف الغمة ج 3 ص 150.

[84] بحارالأنوار ج 50 ص 53.

[85] المصدر السابق، نفس الجزء ص 53 - 52.

[86] حلية الأبرار ج 2 ص 400.

[87] بحارالأنوار ج 50 ص 58 و هو في ص 43 باختصار.

[88] بحارالأنوار ج 50 ص 58 و هو في ص 43 باختصار.

[89] المصدر السابق، نفس الجزء ص 45 و مختار الخرائج ص 237.

[90] المصدر السابق، نفس الجزء ص 43 و كشف الغمة ج 3 ص 218.

[91] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 391.

[92] كشف الغمة ج 3 ص 157 و المحجة البيضاء ج 4 ص 307 و اثبات الهداة ج 6 ص 193.

[93] الأنفال - 43.

[94] كشف الغمة ج 3 ص 157 و المحجة البيضاء ج 4 ص 307 و اثبات الهداة ج 6 ص 193.

[95] كشف الغمة ج 3 ص 158.

[96] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 397 و اثبات الهداة ج 6 ص 194 و بعض مصادر بحثنا الأخري.

[97] حدائق الأنس ص 282. و اعلام الوري ص 408 و بحارالأنوار ج 51 ص 156 و مصادر كثيرة أخري.