وشاية ابن أبي داوود
لما كانت المناظرة في حد السارق، قد بينت فضلا عظيما و علما واسعا و استدلالا شرعيا من كتاب الله و سنة رسوله للامام الجواد عليه السلام.
غاض ذلك القاضي ابن أبي داوود، و امتلأ قلبه حسدا و غيظا علي الامام عليه السلام.
فسعي واشيا بالامام عليه السلام و أوغر قلب المعتصم عليه ليصب زيتا علي قلبه تجاه ابن رسول الله، و خليفته بالحق.
قال القاضي: عند ذكره لحادث السرقة المسائلة عن حد السارق.
قامت قيامتي و تمنيت اني لم أك حيا، فصرت الي المعتصم بعد ثالثة، و قلت: ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة، و أنا أكلمه بما أعلم اني أدخل به النار.
قال: و ما هو؟
قلت: اذا جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته، و علمائهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك. و قد حضر المجلس أهل بيته
[ صفحه 186]
و قواده و وزرائه و كتابه. و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لرجل يقول شطر من الأمة بامامته، و يدعون أنه أولي منه بمقامه، ن ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء!.
قال: فتغير لونه، و تنبه الي ما نبهته له.
فأمر في اليوم الرابع (فلانا) من كتاب وزرائه بأن يدعوه الي منزله فدعاه، فأبي (الامام الجواد عليه السلام) أن يجيبه، و قال: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم.
فقال: أنا أدعوك الي الطعام، و أحب أن تطأ ببابي و تدخل منزلي، فأتبرك بذلك و قد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك.
فصار اليه فلما أطعم أحس بالسم. فدعا دابته، فسأله رب المنزل أن يقيم.
قال: خروجي من دارك خير لك. فلم يزل يومه ذلك و ليله في خلفه حتي قبض. [1] .
و هذا النص يوضح بجلاء:
1- أن دافع بان داوود للسعي في قتله و الوشاية به عند المعتصم هو الحسد و الخوف من بروز شخصية علمية يكون لها
[ صفحه 187]
حظوة عند المعتصم تنافس مقامه و هو صاحب الكلمة النافذة، لا يستطيع أن يري غيره.
2- يوضح أن الوسيلة في ذلك هو الاثارة الطائفية المقيتة و قول جماعة من الأمة بامامته، و أنهم يرونه أحق بالأمر من غيره، و منهم المعتصم.
مع أن الامام عليه السلام لم يجب مبتدئا، و انما استجاب لالحاح الخليفة العباسي عليه بالكلام.
و هو عليه السلام لم يأمر المعتصم بالأخذ بقوله في هذا المورد الشرعي الجزئي، و انما قناعة الحضور و منهم المعتصم بجوابه المقنع الذي ينشر عن جده رسول الله هو الذي جعله يميل الي رأيه.
3- و يذكر النص أن المباشر في سم الامام و قتله هو أحد وزراء المعتصم أو كتابه، لكن السبب هو و شاية ابن أبي داوود الذي حذر الخليفة من ميل الناس اليه، و ربما القول بامامته و العدول عن سلطة بني العباس الي بني هاشم، و هو افتراض واه بني علي أساس الضغائن.
4- لكن لدينا نصوص أخري في شهادة الامام الجواد عليه السلام تفيد أن شادته كانت بغير هذه الطريقة، منها:
1- أن الذي سم الامام عليه السلام هو أشناس غلام خزري من قادة الدولة أيام المعتصم. حيث أرسل أليه شراب حماض
[ صفحه 188]
تحت ختمه و قال للامام عليه السلام: ان أمير ذاقه قبل أحمد بن أبي داوود و سعد بن الخطيب و جماعة من المعروفين، و يأمرك أن تشرب منها بماء الثلج، و صنع في الحال.
فقال الامام عليه السلام: أشربها بالليل.
قال اشناس: انما ينفع باردا و قد ذاب الثلج.
و أصر علي ذلك، فشربها عليه السلام عالما بفعلهم. [2] .
2- أن الذي دس اليه السم زوجته أم الفضل في عنب، و قد أمرها المعتصم بذلك لما عرف منها انحرافها عنه قال العلامة المجلسي:
ثم ان المعتصم جعل يعمل الحيل في قتل أبي جعفر و أشار علي ابنة المأمون زوجته أن تسمه لأنه وقف علي انحرافها عن أبي جعفر و شدة غيرتها عليه، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها، و لأنه لم يرزق منها ولد. فأجابته الي ذلك و جعلت سما في عنب رازقي و وضعته بين يديه.
فلما أكل ندمت و جعلت تبكي. فقال: ما بكاؤك والله ليعذبنك الله بفقر لا ينجبر، و ببلاء لا يستر. [3] .
[ صفحه 189]
و توفي الامام الجواد عليه السلام مسموما شهيدا في 29 من شهر ذي العقدة سنة 220 ه، و هو في ريعان شبابه، و عمره 25 سنة، بعد سنتين من حكم المعتصم.
[ صفحه 190]
پاورقي
[1] موسوعة الامام الجواد، ج 1، ص.
[2] موسوعة الامام الجواد، ج 1، ص 453. اقتبسناها من المعجم الفقهي رقم 3.
[3] مسند الامام الجواد، الشيخ عزيزالدين الغفاري، ص 66.