بازگشت

مع المأمون


يمكن وصف العلاقة بين المأمون و الامامة بعد وفاة الامام الرضا عليه السلام بأنها استمرار لما كانت عليه في زمان الرضا عليه السلام.

شخصية المأمون اتسمت بصفتين:

- حبه للمناظرات العلمية و تقريبه للعلماء، و اهتمامه بالعلوم المختلفة و هذه سمة بارزة واضحة في العهد العباسي الأول الذي اهتم بطبع الدولة بطابع الدين.

و قد حاول روادها الأوائل اسباغ الشرعية علي خلافتهم عن طريق الاهتمام برجال الدين، و تقريب الفقهاء.

كما اهتم المنصور العباسي بمالك بن أنس حيث طلب منه كتابة الفقه، فكتب الموطأ.

و عمل المهدي علي تقريب رجال الحديث. و هارون مع أبي يوسف القاضي و هو من رواد المذهب الحنفي.

سياسة المأمون لم تشذ عن هذه القاعدة، بل هي استمرار



[ صفحه 148]



لها، الا أنه تميز عنهم بأمرين:

1- فتح الباب أمام المدرسة الامامية، و استقدم الرضا عليه السلام من المدينة الي خراسان، و جرت بين الرضا عليه السلام و بين أئمة الأديان و المذاهب و الفرق المختلفة مناظرات و احتجاجات بين فيها الامام عليه السلام الآراء الموافقة لمذهب أهل البيت. و نجد ذلك مفصلا في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي، و غيره من الكتب، و قد أشرنا الي بعض منها في كتابنا عن الامام الرضا عليه السلام.

2- أنه كان ذا ولع بالعلم و صاحب نظر موافق لآراء المعتزلة، و الامامية، و كان يظهر ذلك. حتي وصفه بعض المؤرخين كالسيوطي في تاريخ الخلفاء أنه كان متشيعا أو مشايعا لآل علي. و يقول برأيهم. و هذا الميل عند المأمون جعل بعض مؤرخي الشيعة يصف علاقته بالامام الجواد عليه السلام بهذه الصفة.

و ربما يظهر الاعجاب و الاكبار هذا في حديثه عندما اعترض بعض العباسيين علي تزويجه لابنته أم الفضل.

لكن يجب القول أن المأمون مع اتجاهاته العلمية و حبه لمذهب الاعتزال، و رأيه المساعد لبعض آراء الامامية، الا أنه كان حاكما سياسيا، و صاحب دهاء، و محافظا علي كرسي الخلافة. كيف لا و هو الذي قاتل أخاه الأمين عندما عزله عن ولاية العهد، و عين مكانه ولده، واشتد القتال بينهما، حتي انتصر عليه و أمر بقتله.

و هو الذي ارتدي السواد - و هو شعار بني العباس، بعد أن دخل بغداد باللباس الأخضر و هو لباس العلويين - بناء علي



[ صفحه 149]



طلب بي العباس منه ذلك.

و طلب البيعة منهم و احتج عليهم بأن سبب رفضهم لبيعته هو توليته للامام الرضا عليه السلام و قد مات. فدانوا له بها.

فهذه الشخصية مع ميلها العلمي و حبها للمناظرات الا أنها بالدرجة الأولي هي شخصية سياسية، بل و متشبعة بحب الجاه و المنصب.

يمكن وصف علاقة المأمون بالامام الجواد عليه السلام بأنها علاقة ذات بعدين:

- في بعدها العلمي و الشخصي: نجد الاحترام و التقدير و الاكبار. و قد فرضها الامام الجواد عليه السلام بنفسه بعد أن حاز علي رضا الطائفة الامامية خاصة و عامة، و دانت لعلمه و فضله و تقواه، و نبوغه المبكر.

و لا يجد المأمون زوجا أفضل و أكمل لابنته أم الفضل من الامام الجواد.

- في بعدها السياسي و الاجتماعي اتسمت بالحيطة و الحذر بل يمكن أن تقول بالمكر و الخديعة.

و أمامنا جملة من الحوادث التاريخية التي تعبر عن هذه السياسة. و التي بدأت بمحاولات الاحتواء و التأثير علي شخصية الامام و الذي دان له كبار علماء الطائفة كيونس بن عبدالرحمن، و ابن السكيت، و الهمداني، و ابن أسباط، و علي بن



[ صفحه 150]



جعفر، و الحسين بن جعفر، و هم عيون المجتمع الشيعي في مناطقهم كالكوفة و المدينة.