بازگشت

المناظرة الثانية


روي أن المأمون بعدما زوج ابنته أم الفضل أباجعفر عليه السلام كان في مجلس و عنده أبوجعفر و يحيي بن أكثم و جماعة كثيرة، فقال له يحيي بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روي أن نزل جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال يا محمد: سل أبابكر هل هو عني راض، فاني عنه راض؟ فقال أبوجعفر: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب علي صاحب لخبر أن يأخذ الخبر الذي قاله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع: قد كثرت علي الكذابة، و ستكثر، فمن كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده من النار، فاذا أتاكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي، فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوه، و مال خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به. و ليس يوافق الخبر كتاب الله. قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتي سئل عن مكنون سره؟ هذا مستحيل في العقول.

قال يحيي بن أكثم: و قد روي أن مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء. فقال أبوجعفر عليه السلام: و هذا أيضا يحب أن ينظر فيه، لأن جبرئيل و ميكائيل ملكان مقربان لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا بالله عزوجل و ان أسلما بعد الشرك و كان أكثر أيامهما علي الشرك بالله، فمحال أن نشبههما بهما.

قال يحيي: و قد روي أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول



[ صفحه 104]



فيه؟ فقال عليه السلام: و هذا الخبر محال أيضا لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا و لا يكون فيهم كهل.

و هذا الخبر وضعه بنوأمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الحسن و الحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة.

فقال يحيي بن أكثم: و روي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة: فقال عليه السلام: و هذا أيضا محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم و محمد و جميع الأنبياء و المرسلين، أفلا تضي ء بأنوارهم، حتي تضي ء بنور عمر! فقال يحيي: و قد روي أن السكينة تنطق علي لسان عمر. فقال عليه السلام: لست بمنكر فضائل عمر، لكن أبابكر أفضل من عمر. و قد قال علي رأس المنبر: ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني. فقال يحيي: و قد وروي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو لم أبعث لبعث عمر. فقال عليه السلام: كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسي و عيسي ابن مريم و أخذنا منهم ميثاقا غليظا) فكيف يمكن أن يعدل الله ميثاقه، و كان الأنبياء عليهم السلام لم يشركوا بالله طرفة عين، فكيف، يبعث بالنبوة من أشرك، و كان أكثر أيامه علي الشرك بالله.

و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: نبئت و آدم بين الروح و الجسد.

فقال يحيي: و قد روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: ما احتبس الوحي عني قط، الا وظننته قد نزل علي ابن الخطاب.

فقال عليه السلام و هذا محال أيضا لأنه لا يجوز أن يشك النبي صلي الله عليه و آله و سلم



[ صفحه 105]



في نبوته، قال الله تعالي: (الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس) فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالي الي من أشرك به.

قال يحيي: روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو نزل العذاب لما نجا منه الا عمر. قال عليه السلام: و هذا محال أيضا، لأن الله يقول: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون) فأخبر الله سبحانه أنه لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ما داموا يستغفرون الله تعالي. [1] .

و في هذه المناظرة تظهر جملة من الحقائق:

1- المناظرة أسلوب حضاري و علمي، يعتمد الدليل و البرهان، و يقوم علي أساس احترام الآخر، و الاستماع الي رأيه. لكن لا يعني أن الاختلاف معه عنوان عداء و أن الرد عليه بالمنطق و الدليل يحمل البغضاء و التنافر.

2- اعتمد الامام الجواد سلام الله عليه الكتاب العزيز أساسا و معيارا للأخذ بالحديث ورده، و كذلك موافقته لسنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الصحيحة و المقبولة.

3- الاستشهاد بآيات القرآن يعلم المتلقي ضرورة الرجوع لأصول القرآن العامة في كل أمر خصوصا في الحديث و المباني الاعتقادية.



[ صفحه 106]



4- أن جو المناقشة مع قاضي القضاة في بغداد يكشف عن ذلك العلم الواسع لدي الامام الجواد عليه السلام حيث يرد علي كل اشكال بوضوح و قوة. و ما ذلك الا تسديد الهي. و حضور بديهي للمسائل العلمية.



[ صفحه 107]




پاورقي

[1] الاحتجاج، ص 229.