بازگشت

التوحيد


و اثيرت - في عصر الامام الجواد - كثير من الشكوك و الأوهام حول قضايا التوحيد أثارها من لا حريجة له في الدين من الحاقدين علي الاسلام لزعزعة العقيدة الاسلامية في نفوس المسلمين، و تشكيكهم في مبادي ء دينهم العظيم... و قد أجاب الامام الجواد عليه السلام عن كثير من تلك الشبه، و فندها كان من بينها:



[ صفحه 84]



1 - وفد علي الامام أبي جعفر عليه السلام بعض المتضلعين في علم الفلسفة و الكلام فقدم له السؤال التالي.

«اخبرني عن الرب تبارك و تعالي، له أسماء و صفات في كتابه؟ فأسماؤه و صفاته هي هو».

و حلل الامام عليه السلام سؤاله الي وجهين، كما حلل الوجه الثاني منهما الي وجهين، و قد صحح بعض تلك الوجوه، و أبطل البعض الآخر منها لأنها تتنافي مع واقع التوحيد قال عليه السلام:

«ان لهذا الكلام وجهين: ان كنت تقول: هو هي، أي انه ذو عدد و كثرة فتعالي الله عن ذلك.

و ان كنت تقول: لم تزل هذه الصفات و الأسماء «فان لم تزل» يحتمل معنيين: فان قلت: لم تزل عنده في علمه، و هو مستحقها فنعم و ان كنت تقول: لم يزل تصويرها: و هجاؤها، و تقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شي ء غيره، بل كان الله، و لا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه و بين خلقه يتضرعون بها اليه، و يعبدونه، و هي ذكره، و كان الله و لا ذكر، و المذكور بالذكر هو الله القديم، الذي لم يزل و الأسماء و الصفات مخلوقات المعاني، و المعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف و الائتلاف، انما يختلف و يأتلف المتجزي، فلا يقال: الله مؤتلف، و لا الله كثير، و لا قليل، ولكنه القديم في ذاته لأن ما سوي الواحد متجزي ء والله واحد لا يتجزي، و لا متوهم بالقلة و الكثرة و كل متجزي متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له، فقولك: ان الله قدير خبرت انه لا يعجزه شي ء، فنفيت بالكلمة العجز، و جعلت العجز سواه، و كذلك قولك: عالم انما نفيت بالكلمة الجهل، و جعلت الجهل سواه. فاذا أفني الله الأشياء أفني الصور و الهجاء، و لا ينقطع و لا يزال من لم يزل عالما».



[ صفحه 85]



«و ألم كلام الامام بجوهر التوحيد فأبطل أن تكون أية صفة من صفاته تعالي مستلزمة للعدد و الكثرة و ذلك لما يترتب عليها من الآثار الفاسدة المستحيلة بالنسبة له تعالي، فلا حدوث في صفاته، و لا تجزي ء في ذاته فصفاته عين ذاته، كما دلل علي ذلك في علم الكلام.. أما تحليل هذه الفقرات من كلامه فانه يستدعي بحوثا مطولة، و قد آثرنا الايجاز فيها.

و بهر السائل من احاطة الامام بهذه البحوث المعقدة وراح يسأله قائلا:

«كيف سمي ربنا سميعا..».

فأجابه الامام جوابا رائعا دفع به الشبهة قائلا:

«انه لا يخفي عليه ما يدرك بالاسماع، و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، و كذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار من لون و شخص و غير ذلك، و لم نصفه بنظر لحظ العين، و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي ء اللطيف مثل البعوضة، و أحقر من ذلك... و موضع الشق منها، و العقل و الشهوة، و السفاد و الحدب علي نسلها، و افهام بعضها عن بعض، و نقلها الطعام و الشراب الي أولادها في الجبال، و المفاوز، و الأودية و القفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، و انما الكيفية للمخلوق المكيف. و كذلك سمي ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق و لو كان قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه و لاحتمل الزيادة و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا فربنا تبارك و تعالي لا شبه له و لا ضد، و لا ند، و لا كيف، و لا نهاية، و لا اخطار محرم علي القلوب أن تمثله، و علي الأوهام أن تحده و علي الضمائر أن تكيفه جل عن أدات خلقه و سمات بريته، و تعالي عن ذلك علوا كبيرا..» [1] .



[ صفحه 86]



ان صفات الله تعالي الايجابية السلبية و ليست علي غرار الصفات التي يتصف بها الممكن الذي يفتقر في وجوده الي علة تفيض عليه الوجود، كما يفتقر عدمه الي علة بالاضافة الي أن صفات الممكن مثل البصر و السمع انما تقوم بجوارح الانسان و يستحيل عليه ذلك تعالي اذ ليست له جوارح و لا أبعاض.

ان من صفات الله تعالي انه (لطيف) و ذلك لعلمه بالأشياء اللطيفة كالبعوضة و ما هو أصغر و أدق منها، و قد ألهمها الله هداها فهي تسير سيرا عجيبا في منتهي الروعة والدقة، تحافظ علي حياتها و علي نوعيتها، و تحدب علي نسلها فترعاه و تعاهده بالطعام. ان هذه الحركات من الحيوانات الصغيرة لتنادي بوجود خالقها العظيم الذي ألهمها هداها.

ان من صفات الله تعالي أنه (قوي) ولكن ليست هذه القوة كالقوة التي يتصف بها الانسان، و هي قوة البطش و الانتقام فان هذه الصفة قابلة للزيادة و النقصان و التغيير و يستحيل أن يتصف بذلك الله تعالي عن مشابهة مخلوقاته.

ان صفات الله تعالي و ذاته لا تتحملها الأوهام و لا العقول و الأفكار لأنها انما تتصور الممكنات الخاضعة لهذا اللون من التصور و يمتنع عليه تعالي ذلك كما دلل عليه في البحوث الفلسفية و الكلامية.

و علي أي حال فقد أثبت الامام في هذه البحوث أنه من عمالقة الفلسفة و الكلام في الاسلام و انا نسأل في أية مدرسة درس الامام علم الفلسفة و الكلام حتي صار من أقطاب هذا الفن و أجاب بهذه الأجوبة الدقيقة التي يعجز عن الاتيان بمثلها كبار الفلاسفة و العلماء، انه لا تعليل لذلك سوي ما تقول به الشيعة ان الله تعالي منحه العلم و الفضل و آتاه الحكم صبيا.

2 - سأل محمد بن عيسي الامام أباجعفر عليه السلام عن التوحيد قائلا: اني أتوهم



[ صفحه 87]



شيئا، فأجابه الامام:

«نعم غير معقول، و لا محدود، فما وقع و همك عليه من شي ء فهو خلافه لا يشبهه شي ء، و لا تدركه الأوهام، و هو خلاف ما يتصور في الأوهام انما يتصور شي ء غير معقول و لا محدود..» [2] .

ان وهم الانسان انما يتعلق بالامور الخاضعة للوهم و التصور أما الامور التي لا تخضع لذلك فانه من المستحيل أن يتعلق بها الوهم و الخيال حسب ما قرر في علم الفلسفة، فالله تعالي في ذاته و صفاته لا يصل له الوهم و لا الخيال لأنهما انما يدركان الامور الممكنة دون واجب الوجود.

3 - روي الحسين بن سعيد قال: سئل أبوجعفر الثاني عليه السلام يجوز أن يقال لله انه شي؟ فقال عليه السلام:

«نعم يخرجه من الحدين: حد التعطيل و حد التشبيه..» [3] .

ان الشيئية التي تطلق علي الممكنات لا تطلق عليه تعالي الا بشرط تجريده من حد التعطيل، و حد التشبيه اللذين هما من أبرز صفات الممكن.

4 - سأل أبوهاشم الجعفري عن قوله تعالي: (لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار)، فقال عليه السلام:

«يا أباهاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند، و البلدان التي لم تدخلها، و لم تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟..» [4] .



[ صفحه 88]



ان ذات الله تعالي لا تدركها أوهام القلوب علي مدي ما تحمله من سعة الخيال فضلا عن ادراكها بالعين الباصرة فان كلا منهما محدود بحسب الزمان و المكان و ذات الله تعالي لا يجري عليها الزمان و المكان فانه تعالي هو الذي خلقهما.

و علي أي حال فان العقول في جميع تصوراتها محدودة لا يمكن أن تكتشف الامور التي لا تخضع للحد زمانا و مكانا، يقول الشافعي: «ان للعقل حدا ينتهي اليه كما أن للبصر حدا ينتهي اليه».

5 - سأل أبوهاشم الجعفري الامام أباجعفر الجواد قال: ما معني الواحد؟ فأجابه عليه السلام:

«الذي اجتمعت الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عزوجل: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله..» [5] .

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن البحوث الرائعة التي أدلي بها الامام عليه السلام عن التوحيد، و هي تكشف عن مدي ثرواته العلمية الهائلة.


پاورقي

[1] التوحيد: 143 - 142.

[2] التوحيد: 164.

[3] التوحيد: 64.

[4] التوحيد: 69، نسب هذا الحديث الي الامام الباقر (ع) و هو اشتباه.

[5] التوحيد: 44.