بازگشت

اسئلة يحيي


و لما حضر اليوم المقرر لامتحان الامام عليه السلام هرع العباسيون الي بلاط المأمون



[ صفحه 233]



و حضر الاجتماع أهل الفضل و أعلام الفكر و سائر طبقات الناس و كان يوما مشهودا، و قد غصت قاعة الاجتماع علي سعتها بالناس، و أمر المأمون أن يفرش للامام أبي جعفر عليه السلام دست، و يجعل له فيه مسورتان فصنع له ذلك، و جلس فيه الامام عليه السلام و كان له من العمر تسع سنين و أشهر، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، و جلس المأمون في دست متصل بدست الامام عليه السلام.

و استحال الجمع الي آذان صاغية، و انبري يحيي الي المأمون فطلب منه أن يأذن له في امتحان الامام فأذن له في ذلك، و اتجه يحيي صوب الامام و قال له:

«أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟..».

و قابله الامام ببسمات فياضة بالبشر قائلا:

«سل ان شئت..».

و وجه يحيي مسألته الي الامام قائلا:

«ما تقول جعلني الله فداك في محرم قتل صيدا؟..».

و حلل الامام عليه السلام هذه المسألة الي عدة مسائل، و شققها الي مجموعة من الفروع و سأل يحيي أي فرع منها أراد قائلا:

«قتله في حل أو حرم، عالما كان المحرم أم جاهلا، قتله عمدا أو خطأ، حرا كان المحرم أم عبدا، صغيرا كان أم كبيرا، مبتدءا بالقتل أم معيدا، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيره، من صغار الصيد أم من كبارها، مصرا كان أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم نهارا، محرما كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما..».

و ذهل يحيي، و تحير، و بان عليه العجز اذ لم يتصور هذه الفروع المترتبة علي مسألته، و علت في القاعة أصوات التكبير و التهليل، فقد استبان للجميع أن أئمة أهل البيت عليهم السلام هم معدن العلم و الحكمة و ان الله منح كبارهم و صغارهم بما منح به أنبياءه



[ صفحه 234]



من الكمال و العلم.

لقد شقق الامام عليه السلام هذه المسألة الي هذه الفروع و ان كان بعضها لا يختلف فيه الحكم كما اذا كان القتل للصيد في الليل أم في النهار فان الحكم فيهما واحد، و انما ذكر الامام عليه السلام ذلك لتبكيت الخصم الذي سأل الامام للامتحان لا للفهم.

و علي أي حال فان المأمون لما رأي العجز قد استبان علي يحيي فلم يطق جوابا أقبل علي بني العباس فقال لهم:

«الحمدلله علي هذه النعمة، و التوفيق لي في الرأي.. أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه..» [1] .

و استبان لبني العباس فضل الامام، و انه من عمالقة الفكر و العلم في الاسلام.

كما ظهر لهم صحة ما قاله المأمون: انهم لا يعرفون أهل البيت عليهم السلام.


پاورقي

[1] الارشاد: 361. الوسائل 9: 187.