بازگشت

اجتماع العباسيين بالمأمون


و هرع الي البلاط العباسي الأدنون من المأمون من العباسيين، و قد نخر الحزن قلوبهم و ساد فيهم صمت رهيب، و انبروا الي المأمون فقالوا له:

«ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فانا نخاف أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه الله، و تنزع منا عزا ألبسناه، فقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون من تبعيدهم، و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما علمت، حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله، أن تردنا الي غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا، و اعدل الي ما تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره..».

و وضع العباسيون أمام المأمون النقاط الحساسة المثيرة للعواطف، فقد نبهوه بأحقاد آبائه وعدائهم للعلويين، و ما صنعه بهم الخلفاء السابقون من تبعيدهم عن مراكز الحكم، و ما صبوه عليهم من صنوف التنكيل و التعذيب و ليس له أن يشذ عن سنة آبائه و سيرتهم فانه يشكل بذلك خطرا علي اسرته، و لم يعن المأمون بذلك و راح يفند ما قالوه، قائلا:

«أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، و لم أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان به قاطعا للرحم، و أعوذ بالله من ذلك، و الله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و لقد سألته أن يقوم بالأمر، و أنزعه عن نفسي فأبي، و كان أمر الله قدرا مقدورا، و أما أبوجعفر محمد بن



[ صفحه 231]



علي قد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الاعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه..».

و ندد المأمون بالعباسيين فهم الذين قطعوا أواصر الرحم و القربي بينهم و بين العلويين، و لو أنصفوا نفوسهم، و رجعوا الي حوازب أفكارهم لرؤوا أن العلويين أولي بمقام النبي صلي الله عليه و اله و سلم و مركزه منهم لأنهم ذريته و أبناؤه، و لأن هذا الدين قد بني بتضحياتهم و جهادهم، و أما العباسيون قديما و حديثا فليست لهم أية خدمة للاسلام و لا للمسلمين، و أنما صنعوا ما أضر بالاسلام و المسلمين.

و عرض المأمون في حديثه الي الامام أبي جعفر عليه السلام فأبدي اعجابه البالغ به فهو الاعجوبة الكبري الذي بز جميع أهل العلم و الفضل، و تفوق عليهم مع صغر سنه.

و انبري العباسيون فطلبوا منه أو يؤجل زواج الامام حتي يكبر و يتفقه في الدين قائلين:

«ان هذا الفتي و ان راقك من هديه فانهي صبي لا معرفة له، و لا فقه، فامهله ليتأدب، و يتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك..».

و رد عليهم المأمون بما عرفه من واقع أهل البيت عليهم السلام قائلا:

«ويحكم اني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله، و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياءا في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم ما وصفت من حاله..».

ان المأمون لعلي بينة بأئمة أهل البيت عليهم السلام الذين آتاهم الله من العلم و الحكمة ما لم يؤت أحدا من العالمين.

و اتفق المأمون مع العباسيين علي امتحان الامام الجواد عليه السلام لعله يعجز عن



[ صفحه 232]



الجواب فيفسد بذلك مصاهرته للمأمون بالاضافة الي أنهم سيتخذون من ذلك وسيلة لبطلان ما تذهب اليه الشيعة من أن الامام أعلم أهل عصره و أفضلهم و انبري العباسيون قائلين:

«قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة فان أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سداد رأي أميرالمؤمنين، و ان عجز عن ذلك، فقد كفينا الخطب في معناه..» [1] .

و انصرف العباسيون، و هم يفتشون عن شخصية علمية تتمكن من امتحان الامام و تعجيزه.


پاورقي

[1] الارشاد: 360 - 359.