بازگشت

اسباب المصاهرة


و ذكر الرواة و المؤرخون عدة أسباب لاقدام المأمون علي هذه المصاهرة و هذه بعضها:

1 - ما أدلي به نفس المأمون حينما عزم علي أن يزوج الامام من ابنته فقال:



[ صفحه 228]



«أحببت أن أكون جدا لمرء ولده رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و علي بن أبي طالب عليه السلام».

و فيما اعتقد أن هذا ليس هو السبب الحقيقي في هذه المصاهرة، فان المأمون لم يؤمن بقرارة نفسه في هذه الجهة، و لو كان صادقا فيما يقول لما اغتال الامام الرضا عليه السلام و ما أوعز الي جهاز حكومته بمطاردة العلويين و قتلهم.

2 - ان الذي دعا المأمون الي ذلك اعجابه بمواهب الامام الجواد عليه السلام و عبقرياته التي أصبحت حديث الأندية و المجالس، و هذا الرأي لم يحظ بأي تأييد علمي.

3 - انه أراد التمويه علي الرأي العام باظهار براءته من اغتياله للامام الرضا عليه السلام فانه لو كان قاتلا له لما زوج ابنه من ابنته.

4 - انه حاول الوقوف علي نشاط الامام الجواد عليه السلام و الاحاطة باتجاهاته السياسية، و معرفة العناصر الموالية له، و القائلة بامامته، و ذلك من طريق ابنته التي ستكون زوجة له.

5 - لعل من أهم الأسباب، و أكثرها خطورة هو أن المأمون قد حاول من هذه المصاهرة جر الامام الي ميادين اللهو و اللعب ليهدم بذلك صرح الامامة الذي تدين به الشيعة، و الذي كان من أهم بنوده عصمة الامام و امتناعه من اقتراف أي ذنب عمدا كان أو سهوا، و كان من الطبيعي أن يفشل في ذلك فان الامام عليه السلام لم يتجاوب معه بأي شكل من الأشكال، و لو كان في ذلك ازهاق نفسه، أما ما يدل علي ذلك كله فهو ما رواه ثقة الاسلام الكليني قال ما نصه: «احتال المأمون علي أبي جعفر عليه السلام بكل حيلة [1] فلم يمكنه فيه شي ء، فلما اعتل و أراد أن يبني عليه ابنته [2] دفع الي مائتي وصيفة من أجمل ما يكون الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر



[ صفحه 229]



يستقبلن أباجعفر اذا قعد في موضع الأخيار، فلم يلتفت اليهن، و كان هناك رجل يقال له مخارق، صاحب صوت و عود، و ضرب، طويل اللحية فدعاه المأمون، فقال: يا أميرالمؤمنين ان كان شي ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده، و يغني، فلما فعل ساعة و اذا أبوجعفر لا يلتفت اليه يمينا و لا شمالا، ثم رفع اليه رأسه، و قال: اتق الله ياذا العثنون [3] قال: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيديه الي أن مات، فسأله المأمون عن حاله قال: لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا افيق منها أبدا [4] .

و كشفت هذه الرواية عن محاولات المأمون لجر الامام عليه السلام الي ميادين اللهو، فقد عرض له جميع ألوان المغريات، و كان الامام آنذاك في ريعان الشباب، فاعتصم عليه السلام بطاقاته الروحية الهائلة، و امتنع عما حرمه الله عليه، و قد أفسد عليه السلام بذلك مخططات المأمون الرامية الي ابطال ما تذهب اليه الشيعة من عصمة ائمتهم، و كان هذه الجهة - فيما نحسب - هي السبب في اضفاء لقب التقي عليه لأنه اتقي الله في أشد الأدوار، و أكثرها صعوبة، فوقاه الله شر المأمون [5] .


پاورقي

[1] أراد أن ينادمه الامام، و يدخل معه - و العياذ بالله - في ميادين الدعارة.

[2] يبني عليه ابنته: أي يزفها اليه.

[3] العثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين أو طولها.

[4] اصول الكافي 1: 495-494.

[5] البحار و غيره.