بازگشت

الدهاء


و لم تعرف الدبلوماسية الاسلامية في العصر العباسي من هو أذكي من المأمون، و لا من هو أدري منه في الشؤون السياسية العامة فقد كان سياسيا من الطراز الأول، فقد استطاع بحدة ذكائه، و قدراته السياسية أن يتغلب علي كثير من الأحداث



[ صفحه 222]



الرهيبة التي ألمت به، و كادت تطوي حياته، و تقضي علي سلطانه، فقد استطاع أن يقضي علي أخيه الأمين الذي كان يتمتع بتأييد مكثف من قبل الاسرة العباسية، و السلطات العسكرية، كما استطاع أن يقضي علي أعظم حركة عسكرية مضادة له، تلك ثورة أبي السرايا التي اتسع نطاقها فشملت الأقاليم الاسلامية حتي سقط بعضها بأيدي الثوار، و كان شعار تلك الثورة الدعوة «الي الرضا من آل محمد صلي الله عليه و اله و سلم» فحمل الامام الرضا عليه السلام الي خراسان، و كان عليه السلام زعيم الاسرة العلوية و عميدها، فأرغمه علي قبول ولاية العهد، و عهد الي جميع أجهزة حكومته باذاعة فضائله و مآثره، كما ضرب السكة باسمه، فأوهم علي الثوار و القوي الشعبية المؤيدة لهم أنه جاد فيما فعله، حتي أيقنوا أنه لا حاجة الي الثورة و اراقة الدماء بعد أن حصل الامام عليه السلام علي ولاية العهد، و قضي بذلك علي الثورة، و طوي معالمها، و هذا التخطيط من أروع المخططات السياسية التي عرفها العالم في جميع مراحل التاريخ.