بازگشت

التفنن في البناء


و تفنن ملوك بني العباس في بناء قصورهم، فأشادوا أضخم القصور التي لم يشيد مثلها في البلاد و قد بنوا في بغداد قصر الخلد تشبيها له بجنة الخلد التي وعد الله فيها المتقين، و كان من أعظم الأبينة الأيوان الذي بناه الأمين، و قد وصفه المؤرخون بأنه جعله كالبيضة بياضا ثم ذهب بالابريز المخالف بينه باللازورد، و كان ذا أبواب عظام و مصاريع غلاظ تتلألأ فيه مسامير الذهب التي قمعت رؤوسها بالجوهر النفيس و قد فرش بفرش كأنه صبغ بالدم و قد نقش بتصاوير من الذهب، و تماثيل العقيان، و نضد فيه العنبر الأشهب و الكافور المصعد [1] و قد أنفق جعفر البرمكي علي بناء داره نحوا من عشرين مليون درهم [2] ، و قد تفنن الناس في بناء القصور و قد وصفها



[ صفحه 212]



ابن الجهم بقوله:



صحون تسافر فيها العيون

و تحسر عن بعد أقطارها



و قبة ملك كأن النجوم

تصغي اليها بأسرارها



فوارة ثأرها في السماء

فليست تقصر عن ثأرها



اذا أوقدت نارها بالعراق

أضاء الحجاز سنا نارها



ترد علي المزن ما أنزلت

علي الأرض من صوب أقطارها



لها شرفات كأن الربيع

كساها الرياض بأنوارها [3] .



و بلغ البذخ و الترف في ذلك العصر أن كثيرا من أبواب الدور في بغداد كانت من الذهب في حين أن الأكثرية الساحقة كانت تشكو الجوع و الحرمان.


پاورقي

[1] طبقات الشعراء لابن المعتز: 209.

[2] تاريخ الطبري 10: 92.

[3] ضحي الاسلام 1: 127.