احتجابه عن الرعية
و احتجب الأمين عن الرعية كما احتجب عن أهل بيته و امرائه و عماله و استخف بهم [1] و انصرف الي اللهو و الطرب، و قد عهد الي الفضل بن الربيع امور دولته، فجعل يتصرف فيها حسب رغباته و ميوله، و قد خف الي الأمين اسماعيل بن صبيح، و كان أثيرا عنده، فقال له: يا أميرالمؤمنين ان قوادك و جندك و عامة رعيتك، قد خبثت نفوسهم، و ساءت ظنونهم و كبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فان في ذلك تسكينا لهم، و مراجعة لآمالهم.
و استجاب له الأمين فجلس في بلاطه و دخل عليه الشعراء فأنشدوه قصائدهم، ثم انصرف فركب الخراقة الي الشماسية، و اصطفت له الخيل و عليها الرجال، و قد اصطفوا علي ضفاف دجلة، و حملت معه المطابخ و الخزائن، أما الخراقة التي ركبها فكانت سفينة علي مثال أسد و ما رأي الناس منظرا كان أبهي من ذلك المنظر، و قد ركب معه أبونؤاس و كان ينادمه فقال:
سخر الله للأمين مطايا
لم تسخر لصاحب المحراب [2] .
[ صفحه 195]
فاذا ما ركابه سرن بحرا
سار في الماء راكبا ليث غاب
أسدا باسطا ذراعيه يعدو
أهرت الشدق كالخ الأنياب [3] .
لا يعانيه باللجام و لا السوط
و لا غمز رجله في الركاب
عجب الناس اذ رؤوك علي صورة
ليث تمر مر السحاب
سبحوا اذ رؤوك سرت عليه
كيف لو أبصروك فوق العقاب [4] .
ذات زدون منسر جناحين
تشق العباب بعد العباب
تسبق الطير في السماء اذا ما
استعجلوها بجيئة و ذهاب
بارك الله للأمين و أبقاه
له رداء الشباب
ملك تقصر المدائح عنه
هاشمي موفق للصواب [5] .
هذه بعض نزعات الأمين و صفاته، و هي تصور لنا انسانا تافها قد اتجه الي ملذاته و شهواته و لن يعن بأي شأن من شؤون الدولة الاسلامية.
پاورقي
[1] سمط النجوم 3: 306.
[2] صاحب المحراب: هو سليمان بن داود الذي بني بيت المقدس.
[3] هرت الشدق: واسعه. كالخ الأنياب: كاشرها.
[4] العقاب: احدي السفن التي كانت معدة للأمين.
[5] أبونواس لابن منظور: 104 - 103.