الخلافة و الوراثة
و لم تخضع الخلافة الاسلامية حسب فيمها الأصيلة الي أي قانون من قوانين الوراثة و لا لأي لون من ألوان المحاباة أو الاندفاع وراء الأهواء و العواطف، فقد حارب الاسلام جميع هذه المظاهر و اعتبرها من ألوان الانحطاط و التأخر الفكري للمسلمين، و أناط الخلافة بالقيم الكريمة، و المثل العليا، و القدرة علي ادارة شؤون الامة، فمن يتصف بها فهو المرشح لهذا المنصب الخطير الذي تدور عليه سلامة الامة و سعادتها.
أما الشيعة فانما خصت الخلافة بالأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام لا لقرابتهم من الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم و و انهم ألصق الناس به و أقربهم اليه، و انما لمواهبهم و عبقرياتهم، و ما اتصفوا به من الفضائل التي لم يتصف بها أحد غيرهم.
و أما الذين طبلوا بالوراثة فهم العباسيون، فاعتبروها القاعدة الصلبة لاستحقاقهم للخلافة لأنهم أبناء عم الرسول صلي الله عليه و اله و سلم و قد بذلوا الأموال الطائلة لأجهزة
[ صفحه 190]
الاعلام لنشر ذلك و اذاعته بين الناس.
و قد هبت الي الأوساط العباسي الأوساط المرتزقة تتقرب بانتقاص العلويين و تشهد بأن ذئاب بني العباس هم أولي بالنبي صلي الله عليه و اله و سلم من السادة الأطهار من آل الرسول صلي الله عليه و اله و سلم.
و يقول الرواة: ان أبان بن عبدالحميد كان مبعدا عن العباسيين لولائه لأهل البيت عليهم السلام فخف الي البرامكة و طلب منهم أن يوصلوه الي الرشيد فأشاروا عليه انه لا سبيل الي ذلك الا أن يعرض في شعره أن بني العباس هم ورثة النبي صلي الله عليه و اله و سلم و أولي بالخلافة من العلويين فأجابهم الي ذلك و نظم قصيدة جاء فيها:
نشدت بحق الله من كان مسلما
أعم بما قد قلته: العجم و العرب
أعم رسول الله أقرب زلفة
لديه أم ابن العم في رتبة النسب
و أيهما أولي به و بعهده
و من ذا له حق التراث بما وجب
فان كان عباس أحق بنسلكم
و كان علي بعد ذاك علي سبب
فأبناء عباس هم يرثونه
كما العم لابن العم في الارث حجب
و لما قرأ قصيدته علي الرشيد ملئت نفسه اعجابا فمنحه الرضا و منحه الأموال الطائلة.