بازگشت

و قال طبرسي في ذكر الإمام التقي


قال الطبرسي رحمه الله في اعلامه: الباب الثامن في ذكر الامام التقي أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهماالسلام و فيه أربعة فصول:

الفصل الأول في تاريخ مولده و مدة امامته و وقت وفاته: ولد عليه السلام في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مأة لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر، و قيل للنصف منه ليلة الجمعة، و في رواية ابن عياش ولد يوم الجمعة لعشر خلون من رجب، و قبض عليه السلام ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين و مأتين، و له يومئذ خمس و عشرون سنة، و كانت مدة خلافته و ولايته سبع عشرة سنة، و كانت في أيام امامته بقية ملك المأمون، و قبض في أول ملك المعتصم، و أمه أم ولد يقال لها سبيكة، و يقال: درة ثم سماها الرضا خيزران و كانت نوبية.

و لقبه التقي و المنتجب و الجواد و المرتضي و يقال له أبوجعفر الثاني، و دفن عليه السلام بمقابر قريش في ظهر جده موسي بن جعفر عليهماالسلام.

الفصل الثاني: في ذكر النصوص الدالة علي امامته عليه السلام: يدل علي امامته بعد طريقة الاعتبار و طريقة التواتر اللتين تقدم ذكرهما في امامة آبائه عليهم السلام ما ثبت من اشارة أبيه اليه بالامامة، و رواية الثقات من أصحابه و أهل بيته، مثل عمه علي بن جعفر الصادق عليه السلام، و عدد الجماعة الذين ذكرهم الشيخ المفيد رحمه الله تعالي، و النصوص التي رويت فيه عن أبيه عليهماالسلام.

الفصل الثالث: في طرف من دلايله و معجزاته عليه السلام: ذكر الطبرسي رحمه الله في هذا الفصل ما ذكره المفيد رحمه الله و زاد فيه ما أنا ذاكره:

عن أمية بن علي قال: كنت بالمدينة و كنت أختلف الي أبي جعفر و أبوالحسن بخراسان، و كان أهل بيته و عمومة أبيه يأتونه و يسلمون عليه، فدعا يوما بجارية فقال لها: قولي لهم يتهيأوا للمأتم، فلما تفرقوا قالوا: هلا سألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا: مأتم من؟ قال: خير من علي ظهرها، فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام، فاذا هو قد مات في ذلك اليوم.

قال محمد بن الفرج: كتب الي أبوجعفر: احملوا الي الخمس فاني لست آخذه



[ صفحه 881]



منكم سوي عامي هذا، فقبض عليه السلام في تلك السنة، ذكر أن ذلك منقول من كتاب نوادر الحكمة.

الفصل الرابع: في ذكر بعض مناقبه و فضايله عليه السلام: كان عليه السلام قد بلغ في وقته من الفضل و العلم و الحكم و الآداب مع صغر سنه منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي الأسنان من السادات و غيرهم، و لذلك كان المأمون مشغوفا به لما رأي من علو رتبته و عظيم منزلته في جميع الفضايل، فزوجه ابنته أم الفضل و حملها معه الي المدينة و كان متوافرا علي اعظامه و توقيره و تبجيله، و ذكر بعد هذا مناظرته بين يدي المأمون و سؤال يحيي بن أكثم له و أمورا ذكرتها آنفا و قال: مضي عليه السلام الي المدينة، و لم يزل بها حتي أشخصه المعتصم الي بغداد في أول سنة عشرين و مأتين، فأقام بها حتي توفي في آخر ذي القعدة من السنة، و قيل: انه مضي عليه السلام مسموما، و خلف من الولد عليا ابنه الامام موسي و فاطمة و أمامة ابنتيه و لم يخلف غيرهم (انتهي كلامه).

قال الفقير الي الله تعالي عبدالله علي بن عيسي عفي الله عنه بمنه و كرمه: الجواد عليه السلام في كل أحواله جواد، و فيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة من أجواد، فاق الناس بطهارة العنصر و زكاء الميلاد، و افترع قلة العلاء، فما قاربه أحد و لا كاد مجده عالي المراتب، و مكانته الرفيعة تسمو علي الكواكب، و منصبه يشرف علي المناصب، اذا أنس الوفد نارا قالوا ليتها ناره لانار غالب، له الي المعالي سمو، و الي الشرف رواح و غدو، و في السيادة اغراق و علو، و علي هام السماك ارتفاع و علو، و عن كل رذيلة بعد، و الي كل فضيلة دنو، تتأرج المكارم من أعطافه، و يقطر المجد من أطرافه، و تروي أخبار السماح عنه و عن أبنائه و أسلافه، فطوبي لمن سعي في ولائه، و الويل لمن رغب في خلافه، اذا اقتسمت غنايم المجد و المعالي و المفاخر كان له صفاياها، و اذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها و أسماها، يباري الغيث جوادا و عطية، و يجاري الليث نجدة و حمية، و يبذ السير سيرة رضية مرضية سرية، اذا عدد آباءه الكرام و أبناءه عليهم السلام نظم اللئالي الافراد في عده، و جاء بجماع المكارم في رسمه وحده، و جمع أشتات المعالي فيه و في آبائه من قبله، و في أبنائه من بعده، فمن له اب كأبيه أو جد كجده؟ فهو شريكهم في مجدهم و هم شركاؤه في مجده، و كما ملأوا أيدي العفاة برفدهم ملأ أيديهم برفده.



بدور طوالع جبال فوارع

غيوث هوامع سيول دوافع





[ صفحه 882]





بهاليل لو عاينت فيض أكفهم

تيقنت أن الرزق في الأرض واسع



اذا خففت بالبذل أرواح جودهم

حداها الندي و استنشقتها المطامع



بهم اتضحت سبل الهدي، و بهم سلم من الردي، و بحبهم ترجي النجاة و الفوز غدا، و هم أهل المعروف و أولو الندي، كل المدايح دون استحقاقهم، و كل مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم، و كل صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف و أعراقهم، فالجنة في وصالهم، و النار في فراقهم، و هذه الصفات تصدق علي الجمع و الواحد، و تثبت للغايب منهم و الشاهد، و تتنزل علي الولد منهم و الوالد، حبهم فريضة لازمة، و دولتهم باقية دائمة، و أسواق سؤددهم قائمة، و ثغور محبيهم باسمة، و كفاهم شرفا أن جدهم محمد، و ابوهم علي و أمهم فاطمة، فمن يجاريهم في الفخر أو من يسابقهم في علو القدر، و ما تركوا غاية عز الا انتهوا اليها سابقين، و لا مرتبة سؤدد الا ارتفقوها آمنين من اللاحقين، و هذا حق اليقين بل عين اليقين، الناس كلهم عيال عيالهم، و منتسبون انتساب العبودية اليهم، عنهم أخذت المآثر، و منهم تعلمت المفاخر، و بشرفهم شرف الأول و الآخر، و لو أطلت في صفاتهم لم آت بطايل، و لو حاولت حصرها نادتني أين الثريا من يد المتناول، و كيف تطيق حصر ما عجز عنه الأواخر و الأوايل، و هذا مقام يلبس فيه سحبان وائل فهاهة باقل [1] فكففت عنان القلم، و كففت من انثيال الكلم [2] و اتبعت العادة في مدحه عليه السلام بشعر يزيد قدري و ينقص عن قدره، و يخلد ذكري بخلود ذكره و هو:



حماد حماد للمثني حماد

علي الآء مولانا الجواد



امام هدي له شرف و مجد

علا بهما علي السبع الشداد



امام هدي له شرف و مجد

أقر به الموالي و المعادي



تصوب يداه بالجدوي فتغني

عن الأنواء في السنة الجماد [3] .





[ صفحه 883]





ببخل جود كفيه اذا ما

جري في الجود منهل الغواد [4] .



بني من صالح الأعمال بيتا

بعيد الصيت مرتفع العماد



و شاد من المفاخر و المعالي

بناء لم يشده قوم عاد



فواضله و أنعمه غزار

عهدن أبر من سح الهعاد [5] .



و يقدم في الوغي اقدام ليث

و يجري في الندي جري الجواد



فمن يرجو اللحاق به اذا ما

أتي بطريف فخر أو تلاد



من القوم الذين أقر طوعا

بفضلهم الأصادق و الأعادي



أياديهم و فضلهم جميعا

قلائد محكمات في الهوادي [6] .



بهم عرف الوري سبل المعالي

و هم دلوا الأنام علي الرشاد



وهم أهل المعالي و المعاني

وهم أهل المطايا و الأيادي



سموا في الحلم قيسا و ابن قيس

و ان قالوا فمن قس الأيادي



و هذا مذهب في الشعر جار

و أين من الربي خفض الوهاد [7] .



لهم أيد جبلن علي سماح

و أفعال طبعن علي سداد



وهم من غير ما شك و خلف

اذا أنصفت سادات العباد



أيا مولاي دعوة ذي ولاء

اليكم ينتمي و بكم ينادي



يقدم حبكم ذخرا و كنزا

يعود اليه في يوم المعاد



جري بمديح مجدكم لساني

فأصبح ديدني فيكم و عادي



ففيكم رغبتي و علي هواكم

محافظتي و حبكم اعتقادي



اذا محض الوداد الناس قوما

محضتكم و ان سخطوا ودادي



و كيف يجوز عن قصد لساني

و قلبي رايح بهواك غادي



و مما كانت الحكماء قالت

لسان المرء من خدم الفؤاد



و قد قدمتكم زادا لسيري

الي الاخري وعم الزاد زادي



فأنتم عدتي ان ناب دهر

و أنتم ان عري خطب عتادي


پاورقي

[1] سحبان: اسم رجل باهلي يضرب به المثل في الخطابة و الفصاحة يقال «أخطب من سحبان وائل» و الفهاهة: العي و العجز في الكلام. و باقل: رجل يضرب به المثل في العي.

[2] كفكفه عنه: دفعه و صرفه و منعه. و انثال عليه القول: تتابع و كثر فلم يعرف بأية يبدأ.

[3] الجدوي بمعني الجدا و هو المطر. و الأنواء جمع النوء بمعني المطر أيضا. و السنة الجماد: التي لم يصبها مطر.

[4] الغواد جمع الغادية: السحابة تنشأ غدوة.

[5] غزر الماء و غيره: كثر. وسح الماء و المطر سحا: سال. و العهاد: أول المطر.

[6] الهواد جمع الهاد: العنق.

[7] الوهاد جمع الوهدة: المنخفض من الأرض.