بازگشت

ذكر الامام التاسع أبي جعفر القانع محمد بن علي


قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة رحمه الله تعالي: الباب التاسع في ذكر أبي جعفر محمد القانع بن علي الرضا بن موسي الكاظم عليهم السلام، هذا أبوجعفر محمد الثاني فانه تقدم في آبائه عليهم السلام أبوجعفر محمد و هو الباقر بن علي عليهماالسلام، فجاء هذا باسمه و كنيته و اسم أبيه، فعرف بأبي جعفر الثاني، فهو و ان كان صغير السن فهو كبير القدر، رفيع الذكر.

فأما ولادته ففي ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان، سنة مأة و خمس و تسعين للهجرة، و قيل: عاشر رجب منها.

و أما نسبه أبا و أما؛ فأبوه أبوالحسن علي الرضا بن موسي الكاظم و قد تقدم ذلك مبسوطا، و أمه أم ولد يقال لها سكينة المرسية و قيل الخيزران.

و أما اسمه فمحمد، و أما كنيته فأبو جعفر بكنية جده محمد الباقر، و له لقبان: القانع و المرتضي.

و أما مناقبه فما اتسعت له حلبات مجالها، و لا امتدت له أوقات آجالها، بل قضت عليه الأقدار الالهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها و أسجالها، فقل في الدنيا مقامه، و عجل القدوم عليه لزيارة حمامه، فلم تطل بها مدته، و لا امتدت فيها أيامه، غير أن الله جل و علا خصه بمنقبة متألفة في مطالع التعظيم، بارقة أنوارها، مرتفعة في معارج التفضيل، قيمة أقدارها، بادية لأبصار ذوي البصاير، بينة منارها، هادية لعقول أهل المعرفة آية آثارها، و هي و ان كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة، و صيغتها و ان كانت صغيرة فدلالتها كبيرة.

و هي أن هذا أبوجعفر محمد بن علي عليهماالسلام، لما توفي والده علي الرضا و قدم الخليفة المأمون الي بغداد بعد وفاته لسنة، اتفق أنه خرج يوما الي الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه، و الصبيان يلعبون و محمد واقف معهم و كان عمره يومئذ احدي عشرة سنة فما حولها، فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين و وقف أبوجعفر محمد عليه السلام فلم يبرح مكانه، فقرب منه الخليفة فنظر اليه و كأن الله عز و علا قد ألقي عليه



[ صفحه 858]



مسحة من قبول، فوقف الخليفة و قال له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له محمد مسرعا: يا أميرالمؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي، و لم تكن لي جريمة فأخشاها، و ظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت. فأعجبه كلامه و وجهه، فقال له: ما اسمك؟ قال: محمد، قال: ابن من أنت؟ قال: يا أميرالمؤمنين أنا ابي علي الرضا، فترحم علي أبيه و ساق الي وجهته.

و كان معه بزاة، فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله الي دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة، ثم عاد من الجو و في منقاره سمكة صغيرة، و بها بقايا الحياة، فتعجب الخليفة من ذلك غاية التعجب، ثم أخذها في يده و عاد الي داره في الطريق الذي أقبل منه، فلما وصل الي ذلك المكان وجد الصبيان علي حالهم، فانصرفوا كما فعلوا أول مرة و أبوجعفر لم ينصرف و وقف كما وقف أولا،فلما دنا منه الخليفة قال: يا محمد، قال: لبيك يا أميرالمؤمنين، قال: ما في يدي؟ فألهمه الله عز و علا أن قال: يا أميرالمؤمنين ان الله تعالي خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك و الخلفاء، فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوة، فلما سمع المأمون كلامه عجب منه و جعل يطيل نظره اليه و قال: أنت ابن الرضا حقا، و ضاعف احسانه اليه.

و في هذه الواقعة منقبة تكفيه عن غيرها، و يستغني بها عن سواها.

ولده ابوالحسن علي و سيأتي ذكره ان شاء الله تعالي.

و أما عمره فانه مات في ذي الحجة من سنة مأتين و عشرين للهجرة في خلافة المعتصم، و قد تقدم ذكر ولادته في سنة مأة و خمس و تسعين فيكون عمره خمسا و عشرين سنة، و قبره ببغداد في مقابر قريش (آخر كلام كمال الدين ابن طلحة).

أقول: اني رأيت في كتاب لم يحضرني الآن اسمه، و لعلي أراه بعد هذا أن البزاة عادت و في أرجلها حيات خضر، و أنه سأل بعض الأئمة عليهم السلام فقال قبل أن يفصح عن السؤال: ان بين السماء و الأرض حيات خضراء تصيدها بزاة شهب يمتحن بها أولاد الأنبياء، و ما هذا معناه و الله أعلم.

قال الحافظ عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله: أبوجعفر محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أمه ريحانة و قيل الخيزران، ولد سنة خمس و تسعين و مأة، و يقال: ولد بالمدينة في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مأة، و قبض ببغداد في آخر ذي الحجة سنة عشرين و مأتين،



[ صفحه 859]



و هو يومئذ ابن خمس و عشرين سنة، و أمه أم ولد يقال لها خيزران، و كانت من أهل مارية القبطية، و قبره ببغداد في مقابر قريش في ظهر جده موسي عليه السلام.

قال محمد بن سعيد: سنة ست و عشرين و مأتين فيها توفي محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد ببغداد، و كان قدمها فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة يعني سنة عشرين و مأتين، مولده سنة خمس و تسعين و مأة، فيكون عمره خمسا و عشرين سنة، قتل في زمن الواثق بالله، قبره عند جده موسي بن جعفر و ركب هارون بن اسحاق فصلي عليه عند منزله أول رحبة أسوار بن ميمون ناحية قنطرة البردان، و حمل و دفن في مقابر قريش، يلقب بالجواد.

حدثنا أحمد بن علي بن ثابت قال: محمد بن علي بن موسي أبوجعفر بن الرضا قدم من المدينة الي بغداد وافدا علي أبي اسحاق المعتصم و معه امرأته أم الفضل بنت المأمون، و توفي ببغداد و دفن في مقابر قريش عند قبر جده موسي بن جعفر، و دخلت امرأته أم الفضل الي قصر المعتصم، فجعلت مع الحرم، و ذكر أخبارا رواها الجواد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام، قال: بعثني النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي اليمن فقال لي و هو يوصيني: يا علي ما حار من استخار، و لا ندم من استشار، يا علي عليك بالدلجة [1] فان الأرض تطوي في الليل ما لا تطوي بالنهار، يا علي أغد باسم الله فان الله بارك لامتي في بكورها، و قال عليه السلام: من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة.

و عنه عليه السلام و قد سئل عن حديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار، فقال: خاص للحسن و الحسين.

و عنه عن علي عليه السلام قال: في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام أن ابن آدم أشبه شي ء بالمعيار اما راجح بعلم - و قال مرة بعقل - أو ناقص بجهل.

و عنه قال علي عليه السلام لأبي ذر رضي الله عنه: انما غضبت لله عزوجل فارج من غضبت له ان القوم خافوك علي دنياهم و خفتهم علي دينك و الله لو كانت السماوات و الأرضون رتقا علي عبد، ثم اتقي الله لجعل الله له منها مخرجا، لا يؤنسنك الا الحق و لا يوحشنك الا الباطل.

و عنه عن علي عليهماالسلام أنه قال لقيس بن سعد و قد قدم عليه من مصر: يا قيس ان



[ صفحه 860]



للمحن غايات لابد أن ينتهي اليها، فيجب علي العاقل أن ينام لها الي أدبارها فان مكايدتها بالحيلة عند اقبالها زيادة فيها.

و عنه عنه عليه السلام قال: من وثق بالله أراه السرور، و من توكل عليه كفاه الامور، و الثقة بالله حصن لا يتحصن فيه الا مؤمن أمين، و التوكل علي الله نجاة من كل سوء و حرز من كل عدو، والدين عز، و العلم كنز، و الصمت نور، وغاية الزهر الورع، و لا هدم للدين مثل البدع، و لا أفسد للرجال من الطمع، و بالراعي تصلح الرعية، و بالدعاء تصرف البلية، و من ركب مركب الصبر اهتدي الي مضمار النصر، و من عاب عيب، و من شتم أجيب، و من غرس أشجار التقي اجتني ثمار المني.

و قال عليه السلام: أربع خصال تعين المرء علي العمل: الصحة، و الغني، و العلم، و التوفيق.

و قال عليه السلام: ان لله عبادا يخصهم بالنعم، و يقرها فيهم ما بذلوها، فاذا منعوها نزعها عنهم و حولها الي غيرهم.

و قال: ما عظمت نعمة الله علي عبد الا عظمت عليه مؤنة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤنة فقد عرض النعمة للزوال.

و قال عليه السلام: أهل المعروف الي اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه، لأن لهم أجره و فخره و ذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبن شكر ما صنع الي نفسه من غيره.

و قال عليه السلام: من أمل انسانا فقد هابه، و من جهل شيئات عابه، و الفرصة خلسة، و من كثر همه سقم جسده، و المؤمن لا يشتفي غيظه، و عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه، و قال في موضع آخر: عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه.

و قال عليه السلام: من استغني بالله افتقر الناس اليه، و من اتقي الله أحبه الناس و ان كرهوا.

و قال عليه السلام: عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، و البحث عنه نافلة، و هو صلة بين الاخوان، و دليل علي المروة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و أنس في الغربة.



[ صفحه 861]



و قال عليه السلام: العلم علمان: مطبوع و مسموع؛ و لا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع، و من عرف الحكمة لم يصبر علي الازدياد منها، الجمال في اللسان، و الكمال في العقل.

و قال عليه السلام: العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني، و الصبر زينة البلاء، و التواضع زينة الحسب، و الفصاحة زينة الكلام، و العدل زينة الايمان، و السكينة زينة العبادة، و الحفظ زينة الرواية، و خفض الجناح زينة العلم، و حسن الأدب زينة العقل، و بسط الوجه زينة الحلم، و الايثار زينة الزهد، و بذل المجهود زينة النفس، و كثرة البكاء زينة الخوف، و التقلل زينة القناعة، و ترك المن زينة المعروف، و الخشوع زينة الصلاة، و ترك ما لا يعني زينة الورع.

و قال عليه السلام: حسب المرء من كمال المروة، و تركه ما لا يحمل به، و من حيائه أن لا يلقي أحدا بما يكره، و من عقله حسن رفقه، و من أدبه أن لا يترك ما لابد له منه، و من عرفانه علمه بزمانه، و من ورعه غض بصره و عفة بطنه، و من حسن خلقه كفه أذاه، و من سخائه بره بمن يجب حقه عليه، و اخراجه حق الله من ماله، و من اسلامه تركه ما لا يعنيه، و تجنبه الجدال و المراء في دينه، و من كرمه ايثاره علي نفسه، و من صبره قلة شكواه، و من عقله انصافه من نفسه، و من حلمه تركه الغضب عند مخالفته، و من انصافه قبوله لحق اذا بان له، و من نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه، و من حفظه جوارك تركه توبيخك عند اسائتك مع علمه بعيوبك، و من رفقه ترك عذلك [2] عند غضبك بحضرة من تكره، و من حسن صحبته لك اسقاطه عنك مؤنة أذاك، و من صداقته كثرة موافقته و قلة مخالفته، و من صلاحه شدة خوفه من ذنوبه، و من شكره معرفة احسان من أحسن اليه، و من تواضعه معرفته بقدره، و من حكمته علمه بنفسه، و من سلامته قلة حفظه لعيوب غيره، و عنايته باصلاح عيوبه.

و قال عليه السلام: لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتي يؤثر دينه علي شهوته، و لن يهلك حتي يؤثر شهوته علي دينه.



[ صفحه 862]



و قال عليه السلام: الفضايل أربعة أجناس: أحدها الحكمة و قوامها في الفكرة، و الثاني العفة و قوامها في الشهوة، و الثالث القوة و قوامها في الغضب، و الرابع العدل و قوامه في اعتدال قوي النفس.

و قال عليه السلام: العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء.

و قال عليه السلام: يوم العدل علي الظالم أشد من يوم الجور علي المظلوم.

و قال عليه السلام: أقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة، و الجدل يورث الرياء، و من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل، و الطامع في وثاق الذل، و من أحب البقاء فليعد للبلاء قلبا صبورا.

و قال عليه السلام: العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم.

و قال عليه السلام: الصبر علي المصيبة مصيبة علي الشامت بها.

و قال عليه السلام: التوبة علي أربع دعايم: ندم بالقلب، و استغفار باللسان، و عمل بالجوارح، و عزم أن لا يعود.

و ثلاث من عمل الأبرار: اقامة الفرايض، و اجتناب المحارم، و احتراس من الغفلة في الدين.

و ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، و خفض الجانب، و كثرة الصدقة.

و أربع من كن فيه استكمل الايمان: من أعطي لله، و منع في الله، و أحب لله، و أبغض فيه.

و ثلاث من كن فيه لم يندم: ترك العجلة، و المشورة، و التوكل عند العزم علي الله عزوجل.

و قال عليه السلام: لو سكت الجاهل ما اختلف الناس.

و قال عليه السلام: مقتل الرجل بين لحييه، و الرأي مع الأناة، و بئس الظهير الرأي الفطير [3] .

و قال عليه السلام: ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الانصافي في المعاشرة،



[ صفحه 863]



و المواساة في الشدة، و الانطواع و الرجوع الي قلب سليم.

و قال عليه السلام: فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، و صلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، و الخلق أشكال فكل يعمل علي شاكلته، و الناس اخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فانها تحوز عداوة و ذلك قوله تعالي: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين) [4] .

و قال عليه السلام: من استحسن قبيحا كان شريكا فيه.

و قال عليه السلام: كفر النعمة داعية المقت، و من جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك.

و قال عليه السلام: لا يفسدك الظن علي صديق و قد أصلحك اليقين له، و من وعظ أخاه سرا فقد زانه، و من وعظ علانية فقد شانه، استصلاح الأخيار باكرامهم، و الأشرار بتأديبهم، و المودة قرابة مستفادة، و كفي بالأجل حرزا، و لا يزال العقل و الحمق يتغالبان علي الرجل الي ثمانية عشر سنة، فاذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه، و ما أنعم الله عزوجل علي عبد نعمة فعلم أنها من الله الا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها، و لا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له الا غفر الله لا قبل أن يستغفره.

و قال عليه السلام: الشريف كل الشريف من شرفه علمه، و السؤدد حق السؤدد لمن اتقي الله ربه، و الكريم (كل الكريم - ظ) من أكرم عن ذل النار وجهه.

و قال عليه السلام: من أمل فاجرا كان أدني عقوبته الحرمان.

و قال عليه السلام: اثنان عليلان أبدا: صحيح محتم و عليل مخلط، موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل، و حياته بالبر أكثر من حياته بالعمر.

و قال عليه السلام: لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، و لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، و ارحموا ضعفاءكم و اطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم.

(هذا آخر ما أردت نقله من كتاب الجنابذي رحمه الله تعالي) و قد نقل أشياء رايقة و فوايد فايقة و آدابا نافعة و فقرا ناصعة من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام مما رواه الامام محمد الجواد بن الامام علي بن موسي الرضا عن آبائه عنه عليهم السلام.



[ صفحه 864]




پاورقي

[1] الدلجة: السير في الليل كله.

[2] العذل - محركة -: الملامة.

[3] الفطير: كل ما أعجل عن ادراكه و في المثل «اياك و الرأي الفطير» و هو الذي يبدو بديها من غير تروية خلاف الخمير.

[4] الزخرف: 67.