بازگشت

اضطهاد العلويين


اضطهدت أكثر الحكومات العبّاسيّة رسمياً العلويّين، وقابلتهم بمنتهي القسوة والشدّة، وقد رأوا من العذاب ما لم يروه في العهد الاُموي وأوّل من فتح باب الشر والتنكيل بهم الطاغية فرعون هذه الاُمّة المنصور الدوانيقي [1] وهو القائل: «قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمّد» [2] وهو صاحب خزانة رؤوس العلويّين التي تركها لابنه المهدي تثبيتاً لملكه وسلطانه وقد ضمّت تلك الخزانة رؤوس الأطفال والشباب والشيوخ من العلويّين [3] .

وهو الذي وضع أعلام العلويّين واعيانهم في سجونه الرهيبة حتي قتلتهم الروائح الكريهة وردم علي بعضهم السجون حتي توفّوا دفناً تحت أطنان الأتربة والأحجار!!

لقد اقترف هذا الطاغية السفّاك جميع ألوان التصفية الجسدية مع العلويّين، وعانوا في ظلال حكمه من صنوف الارهاب والتنكيل ما لا يوصف لفضاعته وقسوته.

أمّا موسي الهادي فقد زاد علي سلفه المنصور، وهو صاحب واقعة فخ التي لا تقل في مشاهدها الحزينة عن واقعة كربلاء، وقد ارتكب فيها هذا السفاك من الجرائم ما لم يُشاهد مثله، فقد أوعز بقتل الأطفال واعدام الأسري، وظلّ يطارد العلويّين، ويلحّ في طلبهم فمن ظفر به قتله، ولكن لم تطل أيام هذا الجلاّد حتي



[ صفحه 105]



قصم الله ظهره.

أمّا هارون الرشيد فهو لم يقلّ عن أسلافه في عدائه لأهل البيت (عليه السلام) والتنكيل بهم وهو القائل: «حتام اصبر علي آل بني أبي طالب، والله

لأقتلنّهم ولأقتلنّ شيعتهم، ولأفعلنّ وأفعلنّ» [4] وهو الذي سجن الإمام الاعظم موسي بن جعفر (عليه السلام) عدة سنين، ودسّ إليه السمّ حتي توفّي في سجنه، لقد جهد الرشيد في ظلم العلويّين وإرهاقهم، فعانوا في عهده من الارهاب ما لا يقلّ فضاعة عمّا عانوه في أيام المنصور.

ولما آلت الخلافة إلي المأمون رفع عنهم المراقبة، وأجري لهم الأرزاق وشملهم برعايته وعنايته، ولكن لم يدم ذلك طويلاً إذ انّه بعد ما اغتال الإمام الرضا (عليه السلام) بالسمّ، أخذ في مطاردة العلويّين والتنكيل بهم كما فعل معهم أسلافه.

وعلي أيّة حال فإنّ من أعظم المشاكل السياسية التي اُمتحن بها المسلمون امتحاناً عسيراً هي التنكيل بعترة النبيّ (صلي الله عليه وآله) وذرّيته وقتلهم بيد الزمرة العبّاسية الغاشمة والتي فاقت في قسوتها وشرورها أعمال بني اُميّة، حتي انتهي الأمر بأبناء النبيّ العظيم(صلي الله عليه وآله) أنّهم كانوا يتضورون جوعاً وسغباً، سوي المآسي الاُخري التي حلّت بهم، وكان من الطبيعي أن تؤلم هذه الحالة قلب الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام)، وتصيبه بالأسي والحزن [5] .


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء للسيوطي: 261.

[2] الأدب في ظلّ التشيّع: 68.

[3] تاريخ الطبري 10 / 446.

[4] حياة الإمام موسي بن جعفر: 2 / 47.

[5] الحدائق الوردية: 2 / 220.